في إطار التعاون الثقافي المنشود وتنشيط تبادل الأفكار بين الشباب في مصر والسودان وإيجاد قنوات ومواعين للإبداع والإبتكار بما يخدم مصلحه البلدين, تشرفنا في الايام القليلة السابقة بزيارة وفد الفنانين المصري برئاسة الفنانة المبدعة فردوس عبد الحميد وذلك بدعوة كريمة من إتحاد الشباب السوداني, ومن خلال البرنامج الذي وضعه أصحاب الدعوة أتيح للوفد المصرى حضور الكثير من الفعاليات والتى بالتأكيد الهدف منها تعريف الوفد الزائر على أوجه النشاط الثقافي والإبداعي الموجودة في السوددان و رؤية الشباب السوداني في إيجاد أرضيه تعاون ثقافي مع الجانب المصرى من خلال إبراز وتفعيل المشتركات التى تجمعنا بالقطر المصري الشقيق, وتفعيل الأواصر المشتركة القديمة بين الشعبين بإيجاد أطر للعلاقات الشعبية الضاربة في أعماق التاريخ تتجاوز العلاقات الرسمية وما تعتريها من ظروف وتقلبات, بل يمتد العشم أن تتطور هذه المبادرات والحوارات الثقافية الي مشاريع حقيقية تديرها مؤسسات لا تتأثر يوماً بالتقلبات والتوجهات السياسية, والناظر اليوم لهذه العلاقات يجد أنها مازالت تقبع في خانة العواطف والعلاقات العامة ولم تتطور الى مشاريع اقتصادية واجتماعية ذات جدوى, وبالعودة لزيارة الوفد المصري جاءت إفادة مهمة من الفنانة فردوس عبد الحميد في سؤال لإحدى صحف الخرطوم عن إمكانية التعاون في مجال الدراما بين السودان ومصر وإنتاج أعمال مشتركة , قالت في ردها إنهم بصدد تحويل الرواية النوبية المشهورة (الشمندورة) الى فيلم تلفيزوني , وترى الفنانة المصرية فردوس أن هذا الاختيار لرواية الشمندورة يقوم ويستند على حقيقة أن الانسان النوبي هو القاسم المشترك بين الشعبين والرابط الحقيقي الذي يجب أن يبدأ به كل من أراد أن يجمع شعوب وادي النيل , ومما يجدر ذكره أن ذات الفنانة كان لها فيلم سابق عن الحياة الاجتماعية في النوبة المصرية بعنوان (الطوق والأسورة) قامت فيه بدور البطولة مع الفنان البارع عزت العلايلي....... وبالرجوع لرواية الشمندورة التي تعني ( الفنارة) فقد كانت برميلاً أحمر مشدوداً بسلاسل معدنية مثبتة في قاع النيل وضعته سلطات الري المصري كعلامة على النيل لقياس الاعماق والمناسيب, مصاحبتها الطويلة للأجيال النوبية أفرغت عليها قيمة جمالية إسطورية فيما بعد, هذه القيمة الجمالية كانت تتغذى من صورتها وهي تواجه الأمواج ليل نهار دون كلل أو شكية, فالأمواج كانت تشدها لاتجاه الشمال طبقاً لحركة التيار, والسلسلة المعدنية كانت بدورها تسحبها في اتجاه قاع النيل !! لم تكن تهدأ إلا عندما يهدأ التيار زمن التجاريف, وكانت تلقي في روح الأجيال النوبية بعض معاني الصمود الصامت إذا نظروا اليها من مسافات بعيدة, وأما أولئك الذين كانوا يقتربون منها على ظهر باخرة أو مركب شراعية كانوا يسمعون صخباً عالية من ارتطامها بالأمواج ممزوجة بأصوات السلاسل التي كانت تبتلعها الأمواج كأنما لم يكن أمرها مقصورا على الصمود بل كأنها أوحت كثيراً من معاني الاحتجاج !! ربما لهذا كان سهلاً على الاستاذ الراحل محمد خليل قاسم في روايته أن يتخذها عنواناً.... ارتبطت الرواية بأحداث تهجير النوبيين بعد قيام السد العالي وتحديداً في قرية (قنة) النوبية. عاشت الصداقة المصرية السودانية, وعاشت علاقات الشعوب. ويبقى الوطن. محمد علي عبد الجابر