بسم الله الرحمن الرحيم .. التخطيط السليم لنجاح الاستثمار بروفسير عمر عبدالرحيم الخضر مستشار شركة سكر كنانة للإنتاج الحيواني هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته تحدثنا في مقالات سابقة عن قطاع الثروة الحيوانية وإمكانية تطوير وتنمية قدراته الإنتاجية عن طريق البحث العلمي والإرشاد والإحاطة الإحصائية بمواقع انتشار السلالات المختلفة للماشية وقدراتها الوراثية للإنتاج مع الاستفادة القصوى من المدخلات العلفية المتوفرة لتغذيتها بالطرق العلمية الصحيحة وحسب النظم العالمية المطبقة في الدول المتقدمة في هذا المجال. حقيقة قطاع الثروة الحيوانية في السودان لا يستهان به فهو يتجاوز المائة مليون رأس من الأبقار والإغنام والماعز والجمال ويمكنه بحسن استغلاله والاستثمار فيه أن يضع السودان في مكانه الحقيقي كسلة لغذاء العالم مع تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد بتوسيع صادرات المنتجات الحيوانية من اللحوم الحمراء والألبان ومنتجات الدواجن إضافة إلى أن قيام المشاريع الاستثمارية الكبيرة في الثروة الحيوانية يتيح مجالاً أرحب للعمل للشباب الذين يجوبون شوارع المدن الكبيرة في مهن هامشية لا تكفي احتياجاتهم. فعمل الإنسان مع الحيوان له جاذبية ودية وعاطفية خاصة قد لا يجدها الإنسان في العديد من المجالات الاستثمارية الأخرى. وأذكر في تسعينيات القرن الماضي اتصلت بي بعض خريجات الإنتاج الحيواني لمساعدتهن في الاستثمار في تسمين العجول وكيفية شرائها من سوق المويلح بغرب أم درمان لمزرعة أنشأنها بالدروشاب بشرق النيل تحت مظلة مشروع تمويل الخريجين وقد ذهلت لنجاحهن في مجال غريب على العنصر النسائي بالسودان وكان ذلك بفضل حماسهن للمشروع ومثابرتهن للنجاح فيه. أيضاً أتيحت لي الفرصة لزيارة أحد مزارع الألبان الكبيرة بالشارقة بدولة الإمارات وهي تنتج يومياً 150 طناً من اللبن بالرغم من المعاناة للحصول على المياه النقية للماشية وضيق الأرض بل وأن كل مدخلات التغذية للأبقار تستورد من شرق آسيا وبعض الدول الأوربية. وفي الهند حدثني أحد الهنود الذين كانوا يعملون بشركة كنانة أن صغار منتجي الألبان بضواحي نيودلهي يرسلون يومياً ألف طن من الألبان تشحن بالقطار إلى المدينة للتسويق. وذلك يدل على الكفاءة العالية لآلية تجميع الألبان عندهم. وذلك يذكرني عندما خاطبت تجمعا للمزارعين بولاية الجزيرة قبل عدة سنوات وكان ذلك بالبنك الزراعي بودمدني وكنت أحدثهم عن علف كنانة للألبان فسألني أحدهم مستفسرًا عن من سيأخذ منهم اللبن بعد إنتاجه. وهو سؤال يدل على غياب آلية تجميع اللبن مع بعد المستهلك من مواقعهم الإنتاجية. وهذا يقودني أيضاً لفشل مصنع ألبان بابنوسة الذي أنشأ في ستينيات القرن الماضي لأن من أنشأه قيم الموقع عند زيارته له في الخريف ورأى التجمعات الكبيرة للماشية وأن الألبان المنتجة لا يستفاد منها لبعد المستهلك فتم التصديق على قيام المصنع لكنه لم يدرِ أن المصنع لن يجد الألبان بعد الخريف لأن الأبقار التي يمتلكها الرحل ستغادر الموقع ولن تكون قريبة من المصنع فتحول المصنع لاحقاً لصناعة بدرة مشروب الكركدي بدلاً عن اللبن. هذه الأمثلة تدل على أهمية التخطيط السليم لنجاح الاستثمار في المنتجات الحيوانية التي أساساً لا يوجد بديل لها ولا يستغنى عنها الإنسان مطلقاً على مدى التأريخ. إن كل معطيات النجاح من مياه وأراضٍ زراعية للاستثمار في الإنتاج الحيواني بالسودان متوفرة فقط هنالك أهمية لإيجاد المنتج الصحيح للقيام بهذا الدور وهنا يلعب الإرشاد دوره الإساسي بإنشاء معاهد لتأهيل المنتجين والعاملين بمزارعهم من ملازمي الماشية والكلافين بالنظم الصحيحة للاستثمار في الثروة الحيوانية. خاصة إذا أنشئت مراكز التدريب هذه بالتجمعات الإنتاجية كمجمع إنتاج الألبان الذي أقامته ولاية الخرطوم بالسليت جنوب بمنطقة شرق النيل وأيضاً ما تشرف عليه الولاية حالياً لإقامة تجمع لتسمين الماشية بمشروع سوبا جنوب الولاية يستهدف خريجي الإنتاج الحيواني والبيطرة للولوج في هذا المجال. هذه التجمعات ستكون نموذجاً مثالياً لتبصير المستثمرين على المستوى القومي والعالمي وتشجيعهم لدخول هذا القطاع الواعد في السودان. من القطاعات الاستثمارية المهمة والناجحة جداً في السودان والتي يمكن أن يتكامل معها الاستثمار في الإنتاج الحيواني هي قطاع صناعة السكر الذي بدأ في أوائل ستينيات القرن الماضي بإنشاء مصنع سكر الجنيد ثم تطورت الصناعة حتى أصبح السودان الآن يمتلك ستة مصانع تنتج في مجملها 750 إلى 800 ألف طن من السكر سنوياً يمثل استخلاصه أقل من 10% من كمية محصول نبات قصب السكر الذي تزرعه هذه المشاريع. والباقي من رؤوس القصب والمولاس والبقاس وطينة الترشيح يعتبر مخلفات لصناعة السكر لكنها مفيدة جداً وتستخدم لأغراض استثمارية مختلفة كأعلاف للحيوان وإنتاج الكهرباء ووقود الإيثانول والسماد للزراعة. فرؤوس قصب السكر تمثل حوالي 25% من جملة النبات وهي خالصة للحيوان ووجدنا أنها ذات قيمة غذائية أعلى من علف أبو سبعين لكنها تحرق في جميع المصانع قبل سكب القصب وترحيله للطحن وقد رفعت شركة سكر كنانة قبل أكثر من عامين شعار الحصاد الأخضر لمصادقة البيئة بإيقاف الحريق. وعند اكتمال تنفيذ خطة هذا الشعار سيوفر للشركة مليون طن من رؤوس القصب تقدر قيمتها بحوالي 150 مليون دولار. فكنانة الآن شركة متعددة الأغراض الاستثمارية ورائدة التكامل مع الإنتاج الحيواني في صناعة الأعلاف وإنتاج اللحوم حمراء والألبان والدواجن. وإذا سارت على نهجها بقية مصانع السكر قطعاً ستشرق شمس عهد جديد للثروة الحيوان بالسودان ليحتل مكانه في مقدمة الدول كسلة غذاء للعالم ويدر عائداً اقتصادياً كبيرًا للبلاد. والله من وراء القصد.