لواء مهندس ركن (م) أمين إسماعيل مجذوب الأزمة السورية ، الثورة السورية أو الحرب الأهلية السورية هي أحداث بدأت شرارتها في مدينة درعا حيث قام الأمن باعتقال خمسة عشر طفلا إثر كتابتهم شعارات تنادي بالحرية وتطالب باسقاط النظام على جدار مدرستهم بتاريخ 26 فبراير 2011. في خضم ذلك كانت هناك دعوة للتظاهر على الفيسبوك في صفحة لم يكن أحد يعرف من يقف وراءها استجاب لها مجموعة من الناشطين يوم الثلاثاء 15 مارس عام 2011 وهذه المظاهرة ضمت شخصيات من مناطق مختلفة مثل حمص ودرعا ودمشق ، كانت هذه الاحتجاجات ضد الاستبداد وتنادي بالتحول الديمقراطي داخل سوريا ، وعلى إثر اعتقال أطفال درعا والإهانة التي تعرض لها أهاليهم بحسب المعارضة السورية ، بينما يرى مؤيدو النظام أنها مؤامرة لتدمير المقاومة والممانعة العربية ونشر الفوضى في سوريا لمصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى . كانت الانطلاقة الحقيقية لما يسمى الثورة السورية في 18 مارس تحت شعار «جمعة الكرامة» خرجت المظاهرات في مدن درعا ودمشق وحمص وبانياس ، وتطورت الأحداث طيلة الأربعة أعوام الماضية في مشاهد دراماتيكية تنقلها وسائل الإعلام بكل تفاصيل مآسيها ومشاهد الموت والدمار ، الذي قضى حتى اليوم على حوالي 158 ألف قتيل من الشعب السوري والمعارضة بتشكيلاتها المختلفة وحوالي 15 ألف قتيل من القوات الحكومية ، بجانب الآف الجرحى والمعاقين من الجانبين ، والمراقب الآن يجد أن أخبار الأزمة السورية أصبحت في المرتبة الخامسة بالنسبة لنفس القنوات الفضائية التي كانت تتابعها على مدار الساعة منذ ثلاث سنوات . أديرت الأزمة السورية من عدة جهات داخلية وإقليمية ودولية ، بجانب اللاعبين الأساسيين في المشهد السوري الذين لعبوا أدواراً مهمة في بداية الأزمة ، في أوائل يونيو 2011 م أعلن المقدم حسين هرموش انشقاقه عن الجيش السوري، وأسَّس أوَّل تنظيم عسكري للمنشقين هو ما أسماه (حركة الضباط الأحرار) وفي 29 يوليو وُلدَ تنظيمٌ ثانٍ هو (الجيش السوري الحر) بقيادة العقيد المنشق رياض الأسعد ، الهيئة العامة للثورة السورية التي تكونت في 11 نوفمبر 2011 م ، وتوالت المؤتمرات لإدارة الأزمة دولياً من تركيا الى لندن الى جنيف ثم نيويورك وواشنطن حيث تنتهي خيوط الأزمة في الأممالمتحدة ( مجلس الأمن ) والإدارة الأمريكية ( البيت الأبيض ) ، وإقليمياً مروراً بالقاهرة والرياض وأبوظبي والكويت وعمان ، تبادل أدوار المبعوث العربي والدولي شخصيات من العيارات المختلفة ، بداية من فريق المراقبين العرب برئاسة الفريق الدابي من السودان ، وكوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة ، والأخضر الإبراهيمي من الجزائر حتى اتفاقيات جنيف (1) وجنيف (2) . تعددت مسميات التشكيلات التي مثلت أدواراً على المستوى العسكري الميداني عند بداية الأحداث ، بداية بالجيش السوري الحر وتنظيم الضباط الأحرار ثم كتائب أنصار الشام ، وسياسياً تم إنشاء هيئة إنقاذ وطني تتالف من ممثلين للمعارضة ومن شباب الثورة السورية ، حتى إنشاء الإئتلاف السوري الذي يدور بين العواصم الإقليمية والدولية طلباً لحل الأزمة الذي طال واستطال معه ليل السوريين الحالك السواد ، استخدمت روسيا والصين حق الفيتو بمجلس الأمن ضد قرارات ليست في مصلحة النظام السوري وكان الإسناد الروسي واضحاً للعيان إبان أزمة التفتيش على الأسلحة الكيماوية في سوريا حيث بدت الولاياتالمتحدة أنها على وشك شن هجوم صاروخي على الجيش السوري ونظام الرئيس بشار الأسد، كما رأى الكثيرون أن مغادرة المفتشين لسوريا بمثابة ضوء أخضر للهجوم الأمريكي وبالطبع لم يأت هذا الهجوم على الإطلاق، إذ ذهب الرئيس باراك أوباما للكونغرس الأمريكي للحصول على موافقة، وجاء الروس بخطتهم التي شملت على التخلص من الأسلحة الكيماوية عبر فريق دولي بموافقة سوريا وبالتالي فشلت الخطة الأمريكية بسبب مهارة طاقم إدارة الأزمة الروسية . بعد أربعة أعوام تغيرت قواعد اللعبة في سوريا ودخل لاعبون جدد ، حيث أصبحت طهران من العواصم التي تمسك بزمام الأزمة السورية ولها كروت ملونة تتفاوت بين الترهيب والترغيب ، حزب الله لم يخفِ أفراحه وأتراحه داخل الأراضي السورية وأعلن مواقفه علانية ، جبهة النصرة توحدت داخلها فصائل عديدة وبينها مد وجزر ولها تأثير ووجود إستراتيجي على الأرض السورية ، الجبهة الشامية تأسست الأسبوع الماضي ولم يخرج المنفستو الخاص بها للإعلام ، التغيير المزلزل للأوضاع كان بظهور تنظيم جديد ( داعش ) الدولة الإسلامية في العراق والشام بإمكانيات تفوق جيوش نظامية ، ومن القواعد الجديدة لإدارة الأزمة السورية إنشاء تحالف دولي لمحاربة الإرهاب تتوافق أهدافه ومهامه مع أهداف ومهام النظام السوري ، حيث أصبح أعداء الأمس في الحياد ، وأصبحت المعارضة السورية تقاتل بعضها البعض من أجل كسب ود وكروت التحالف الجديد الملونة ، وتم تبريد الملف النووي الإيراني ووضعه في الثلاجة وفك الأموال المجمدة ، وتغيرت خارطة التحالفات ، فقد وجدت الأردن نفسها في وجه داعش بسقوط طائرتها أف 16 وأسر أحد طياريها ، وأجبرت على التفاهم مع النظام السوري رغم مرارات الماضي ، وظهرت أدوار للعلن كانت تجرى سابقاً تحت ساتر وسواتر ، تركيا في وضع لا تحسد عليه بين رعايتها للسنة في العالم و إسنادها للتحالف ضد السنة ، وما مأزق عين العرب كوباني ببعيد ، دول الخليج أمسكت بخيوط الأزمة السورية في البداية والآن بعد 4 سنوات تنتظر ظهور الفجر حتى يتبين الخيط الأبيض . إدارة الأزمة السورية تحولت الى إدارة الأزمة بالأزمة ، وهنالك أزمات في الطريق ، ماذا لو وصلت داعش الى المراقد المقدسة في النجف وكربلاء ؟ وماذا لو تدخلت إيران لحماية المراقد المقدسة وهذا عملياً يعني إحتلال العراق والإقتراب الدافيء من الحدود السعودية والكويتية والأردنية ؟ القادمون الجدد قلبوا الموازين وتغيرت قواعد اللعبة في الأزمة السورية ، وأصبحت أوراق الحل في يد السوريين وحدهم فهم من قاموا بتحضير العفريت وعليهم أن يصرفوه ، وقد رجع الائتلاف السوري المعارض الى جامعة الدول العربية والى مصر كدولة وحدة سابقة ولهم وفد منذ أسبوع في القاهرة ، ضاعت ملامح النموذج اليمني بذهاب فاروق الشرع ، والنموذج التونسي يحتاج لحكمة راشد الغنوشي والمنصف المرزوقي وهي غائبة عن سوريا ، والمصالح للقدامى والجدد يبدو أنه لا يمكن التنازل عنها ولو مسحت سوريا من الوجود . تحول إدارة الأزمة السورية من الإقليمية الى العالمية أدى لطول أمدها ، تمسك روسيا بالوجود البحري في طرطوس بعد فقدانها للقواعد في ليبيا واليمن ، ولها أهداف إستراتيجية في التواجد في شرق المتوسط ، الفصائل اللبنانية التي ترى أن القتال على الأراضي السورية أفضل لها من أن تجد نفسها تقاتل علي خط فاصل آخر بين شطري بيروت ، الأردن لا موارد طبيعية ولا نفط ولا مياة ولا بواكي له سوى انتظار بلح الشام وعنب التحالف ، إيران تبحث عن دور مفقود بالمنطقة منذ سقوط الشاة ومخرج للملف النووي ، تركيا تحلم بالدخول للسوق الأوروبية المشتركة ، وهنا ضاعت قضية فلسطين وإسرائيل هي الكاسب الوحيد .