تقرير : محمد حمدان بوتيرة متسارعة بدأت تتدحرج العلاقات السودانية الليبية إلى الوراء، فعلائق التقارب التى عُبدت بين الخرطوموطرابلس عقب ثورة فبراير 2011م، وما شهدته من تقدم كبير في كافة الأصعد أصبحت في مواجهة امتحان الصمود أمام تيار التفاعل السياسي داخل ليبيا، فطرابلس أمس الأول أدرجت السودانيين ضمن قائمة المحظورين من الدخول لأراضيها إلى جانب الفلسطينيين والسوريين، وسبق أن أبعدت قبل فترة وجيزة الملحق العسكري للسفارة السودانية بليبيا، وعلى التو وردت أنباء غير مؤكدة عن تهديد سلاح الجو الليبي بقصف أي طيران سوداني أو تركي سواء مدني أو عسكري، تلك الرمال المتحركة باتت حبلى بالمفأجآت. +++++++++++++++++ سوار الدهب : أكثر من ألف سوداني هاجروا إلى ليبيا في ثلاثة أشهر الجالية السودانية ... وصدمة القرار اتسمت العلاقات السودانية الليبية بالاستقرار النسبي فعلائق التاريخ والجوار الجغرافي ظلت حاضرة، فخلال فترة القذافي ظلت على المستوى العادي إلا أن شكوك الخرطوم عن دعم القذافي للمجموعات المسلحة ظلت حاضرة منذ الحركة الشعبية في بواكير الثمانينات إلى ظهور حركات دارفور، لكن بعد ثورة فبراير 2011م تطورت علاقات البلدين بشكل ملموس سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، لاسيما وأن الخرطوم كانت داعماً أساسياً للثوار الليبيين ، وخلال تلك الفترات ظلت ليبيا قبلة للسودانيين الباحثين عن العمل، وقد تزايدت أعداد المهاجرين إلى ليبيا عقب الثورة الليبية، إلا أن المعضلة تكمن فى عدم وجود إحصائيات حقيقية من حيث عدد السودانيين وأعمالهم ووضعيتهم لاسيما وأن الفترة الأخيرة شهدت هجرة غير شرعية عبر الحدود السودانية والمصرية إلى ليبيا، وفي هذا السياق كشف جهاز السودانيين العاملين بالخارج عن سفر (1137) إلى ليبيا في ثلاثة أشهر فقط، و نوه إلى أن 70% من المغادرين ذهبوا بعقودات عمل جديدة فيما غادر (27)سودانياً خلال الأيام الأولى من شهر يناير وقال الأمين العام للجهاز وسفير السودان السابق في ليبيا حاج ماجد سوار ل(السوداني) أمس الثلاثاء إن العقودات التي يسافر بها السودانيون إلى ليبيا معظمها لوظائف محاسبين فضلا عن أطباء حيث يوجد نحو (ألف)طبيب سوداني فضلاً عن أساتذة الجامعات، ونبه إلى أن الجالية السودانية تحظى بقبول واحترام من قبل المواطن الليبي ، وفي السياق كشف ماجد عن تنامي هجرة وسفر السودانيين إلى الخارج بنسبة30% في العام 2014، لكن يبدو أن علاقات البلدين مرشحة للتدهور خاصة بعد قرار الداخلية الليبية بحظر دخول السودانيين ، لم توضح الداخلية الليبية أسباب الحظر على الرغم من أنها قالت "قرار مؤقت"، ولكن المكتب الإعلامي للوزارة، قال في تعليقات صحافية إن القرار جاء بعد توارد معلومات للحكومة الليبية بشأن وفود عناصر من حاملي الجنسيات المذكورة لمشاركة المجموعات الإرهابية في بنغازي ومدن غرب ليبيا في معاركها ضد الجيش الليبي. ويقول خبير سوداني استرتيجي مقيم بليبيا فضل حجب اسمه لدوعٍ أمنية ل(السوداني) إن الجاليات السودانية المنتشرة في ليبيا تقدر بأكثر من نصف مليون شخص منتشرين في كل مدن ليبيا ويتمركزون في بنغازيوطرابلس وتعتبر الجالية السودانية بليبيا من أكبر الجاليات الأجنبية بعد المصريين الذين هم أيضاً منعوا من دخول غرب ليبيا التي تسيطر عليها جماعات إسلامية تحت مسمى المؤتمر الوطني الجسم السياسي وقوات فجر ليبيا الجناح العسكري لها، ويضيف " هذا القرار شكل صدمة كبيرة وهزيمة نفسية لنا كجالية سودانية لا ناقة لنا ولا جمل بما يجري ،مشيراً إلى أن السفارة لم تهتم بالجالية ولم تتفقدهم فى مواقع عملهم وباتت الحيرة تلازمهم كجالية. ++++++++++++++++++++ مؤشرات الزعازع .. وإمكانية المعالجة تدهور الوضع الأمني في ليبيا في الآونة الأخيرة بصورة كبيرة وانفراط عقد الأمن فيها بشكل واسع وعنيف نتيجة لتكاثر المليشيات المسلحة واتساع نطاق سيطرتها، وتشكل تلك الحالة خطراً مباشراً على الأوضاع في السودان للحدود الواسعة بين البلدين، حيث يصعب مراقبة الحدود التي تحرسها القوات السودانية الليبية المشتركة، رغم أنها لعبت دوراً كبيراً في منع تدفق وتهريب السلاح والاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، إضافة إلى التقاطعات الإقليمية والدولية التي تتصارع في ليبيا حيث لا مفر للخرطوم من أن تجد نفسها فى خضم هذا الصراع سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر نظراً للتطورات المتسارعة ومآلات الصراع ونتائجه المستقبلية ، ويبرز التخوف من استغلال الحدود السودانية وحدوث اضطرابات تؤثر على السودان، فاتساع الحدود بين السودان وليبيا ينذر بالخطر، وفي البال حوادث قصف الحي السوداني بليبيا وضرب السفارة السودانية ووجود سودانيين عالقين بمعبر السلوم في الحدود بين مصر ولبيبا قبل فترة. تلك مؤشرات ذات دلالة على تنامي العنف ضد السودانيين. ويرى الفريق الفاتح الجيلي المصباح في إفادة سابقة ل(السوداني) أن الظروف الليبية الراهنة تختلف عن الظروف السابقة ما قبل سقوط القذافي مشيراً إلى أن الحركات المسلحة لديها مصلحة مع لبيبا، لكن يرجع ويؤكد صعوبة السيطرة على الأوضاع الحالية في ظل الظروف الراهنة التي تشهد متغيرات بشكل متسارع، ويتفق معه في ذات الاتجاه الفريق محمد بشير سليمان الذي يعتبر أن حادث طرد الملحق العسكري السوداني أمر خطير ويمثل علامة انتكاسة للعلاقات التي شهدت تقدماً عقب سقوط القذافي، تلك العلاقات التي أثمرت عن تواصل تجاري واقتصادي وسياسي بل حتى التنسيق عسكرياً وإنشأ قوات مشتركة. ويؤكد سليمان ل(السوداني) أن تطورات الأحداث في لبيبا باتت مراقبة عالمياً نتيجة للتخوف من أن تصبح منطقة شمال إفريقيا مسرحاً للجهادية والجماعات الإرهابية التي تهدد مصالح الدول الغربية، ويضيف ثمة تقاطعات دولية وإقليمية ظلت تترصد وتراقب أي حركة. وهذا يتطلب اتخاذ الحذر تجاه أي خطوة، بيد أن مؤشر الزعازج باتت تتوالد فقبل قرار حظر السودانيين أبعدت الملحق العسكري للسفارة وقبلها وجهت ليبيا اتهاماً للخرطوم بدعم مجموعات سياسية بليبيا فتلك الحوادث بدأت تنخش في جدار علاقات البلدين، وهنا تبرز إمكانية معالجة الموقف فى ظل هذه المعطيات. +++++++++++++ الصوارمي : طيراننا الحربي لايخترق أجواء ليبيا قبيل أن تكتمل دوائر قرارات الداخلية الليبية القاضية بإبعاد السودانيين ضمن جنسيات سوريا وفلسطين، انداح خبر مفاده أن سلاح الجو الليبي هدد بقصف الطيران السوداني والتركي حال العبور على أراضية ، لكن المتحدث باسم القوات المسلحة العقيد الصوارمىي خالد سعد شكك في بيان منسوب لسلاح الطيران الليبي الذي هدد فيه بضرب أي طيران عسكري أو مدني سوداني يصل الأجواء الليبية وقال ل(السوداني) أنه يشك أن يكون البيان صادر من جهة اعتبارية موضحًا أنه تنقصه الدقة بيد أنه عاد وقال إن البيان لا يعني لهم في القوات المسلحة شيئاً لأن طائراتهم العسكرية لا تخترق الأجواء الليبية لافتاً إلى أن أي دولة لها الحق في قصف أي طيران حربي يخترق أجواءها دون إذن الدولة أو تهديدها أو تحذيرها ، وتساءل سعد أنه في حال قبلوا بتهديد الطيران العسكري فماذا بالطيران المدني الذي يخضع لمعايير واتفاقيات وبروتكولات دولية تنظم شبكته بدقة في العالم .وفي السياق قال مسؤول الإعلام بسلطة الطيران المدني عبد الحافظ عبد الرحيم إن الحكومة لديها اتفاقية مع ليبيا حول تسيير رحلات ما بين الخرطوموطرابلس مبيناً أن هذه الاتفاقية سارية المفعول وتجدد سنويا، فى وقت قررت فيه الخطوط الجوية التركية إيقاف كل رحلاتها إلى ليبيا، نظرًا لتدهور الأوضاع الأمنية، ووفقاً لوكالات أن الخطوط التركية أوقفت كل رحلاتها إلى مصراتة، الإثنين، وقالت الثلاثاء إنها لن تسير رحلات للمدن الليبية الأخرى التي كانت محطات لطائرات تركية، وهي طرابلسوبنغازي وسبها. ما بدر من السلطات الليبية يعد نتاج لاشتداد الصراع بين المجموعات الليبية المتصارعة على السلطة، أبرزها التيار الليبرالي والإسلامي هي أبرز التيارات المتصارعة على الحكم، لكن بعد سقوط القذافي تنامت المليشيات المسلحة وأصبحت فيما بعد تشكل السلطة الفعلية على الأرض، فبعد سقوط القذافي تسلم المؤتمر الوطني العام مقاليد الحكم في طرابلس 2012م لم تستقر الأوضاع بل تصاعدت حدتها ، ووقتها أعلن اللواء الجنرال المتقاعد خليفة حفتر الذي يقود قوة شبه عسكرية أنه سيعيد تنظيم قواته لاستئناف القتال ضد المجموعات الإسلامية التي وصفها "بالإرهابية"، تلك الحملة اعتبرتها السلطات الانتقالية الليبية "خروجاً عن شرعية الدولة وانقلاباً عليها"، بحسب بيان تلاه رئيس المؤتمر الوطني العام نوري أبو سهمين وقتها، لكن حفتر رفض تلك الاتهامات، مؤكدًا أن عمليته ليست انقلاباً ولا سعياً إلى السلطة ولا تعطيلاً للمسار الديمقراطي"، وأن هدفها وهو اجتثاث الإرهاب" من ليبيا وأنها جاءت "استجابة لنداء الشعب"، بلا شك أن ما يحدث فى ليبيا يؤثر على المنطقة بأثرها وبشكل كامل وله تداعيات بالغة وفي هذا الإطار أصبحت الساحة الليبية ملعباً دولياً ووفقاً لقراءة الخارطة تشير أصابع الاتهام إلى أن كل من المعسكرين الليبرالي والإسلامي يحظى بتأييد ودعم من قبل جهات مختلفة، فالدول الغربية تدعم وتساند التيارات الليبرالية وفقاً لحديث السفير الرشيد أبوشامة ل(السوداني) بينما دول السودان وتركيا وقطر محسوبة على دعم التيار الإسلامي على عكس مصر التي يعتبر موقفها مناوئ للإسلاميين في المنطقة واستبعد أبوشامة حسم الصراع في الوقت الحالي مشيراً إلى أن الموقف لازال غامضاً وغير واضح، ويعتبر أبو شامة أن المحافظة على الموقف الوسط والمسافة المتساوية من كل الأطراف مطلوبة لتفادي أي أضرار متوقعة لعدم ثبات الحال والمتغيرات المتسارعة، وفي ظل تلك المعطيات يعتبرالسفير أبوشامة أن ما يحدث " أشبه بالفوضى الخلاقة مشيراً إلى أن سيناريو التدخل الدولي يعتمد على المصلحة الاستراتيجية للولايات المتحدة لجهة أنها تحرك مجلس الامن ومؤسسات الأممالمتحدة على التحرك إلا أنه يستبعد ذلك حالياً ويقول ل(السوداني) إن أمريكا الآن تراقب الموقف وربما يكون من مصلحتها الاستمرار في القتال وهو ما يضعف الجميع وأنها في النهاية ستتعاون مع القوى الغالبة أو المسيطرة على الموقف، تأتي هذه الاوضاع في ظل قلق اقليمي من قبل الدول المجاورة لليبيا وانعدام علاقة حيادية بين السلطة القائمة على الأراضي الليبية والدول العربية المجاورة تبدو تلك الدول غير قادرة على لعب دور فعال في الأزمة الليبية وهو ما يجعل البعض يرى أن الحل الوحيد هو في إيجاد صيغة لتدخل دولي.