جمعتني جلسة شبه علمية بأستاذين جليلين متخصصين في مجال التاريخ ولهما باع طويل في التأريخ العثماني حيث عكفا سنين عددا على دراسته في تركيا وخرجا من تلك الفترة بدرر ونفائس في هذا التأريخ العظيم ، هما الدكتور أسامة الريس والدكتور طارق محمد نور . الجلسة التي كانت تحت مظلة المركز الدولي لاستشراف المستقبل وتحت ضيافة أمينه العام الأستاذ بابكر عثمان خالد وحضور المهندس عباس الشيخ والدكتور عمر فاروق، من قيادات المركز، كانت تتلمس الخطى نحو الاسهام الفاعل في كتابة تاريخنا بصورة صحيحة وتنقيته من شوائب الغرض التي شوهت بعض معالمه ، وكان الدور الكبير للأستاذين الجليلين، طارق وأسامة متمثلا في وضع المؤشر في النقطة الصحيحة من الحقبة العثمانية وصلة السودان بها . لفت الدكتور أسامة أنظارنا إلى أن ما يعرف بحقبة التركية لم تكن إلا حقبة قادها محمد علي باشا الألباني الأصل بعد خروجه علي سلطان العثمانيين واستقلاله بمصر ولم تكن لدولة الخلافة العثمانية يد فيها ، فالسودان أصلا تبع للخلافة العثمانية بلا غزو، ولذلك نجد أن سلطان سنار أشار لتبعيتهم للخلافة واحتج وقاوم غزو محمد علي باشا ، كما أن الدكتور طارق المتخصص في الحقبة العثمانية في منطقة البحر الأحمر، أشار إلى وجود وثائق تثبت احتجاج زعماء هذه المنطقة على غزو محمد علي وتدخل السلطان العثماني وأنصافهم. الشاهد الذي أريد الخروج به والذي ذكره الاخوة وحمله التأريخ _غير المغرض_ هو أن السودان تبع للخلافة الإسلامية وعاصمتها الاستانة طوعا واختيارا وأن ما قام به محمد علي باشا كان غزوا لتحقيق طموحاته الشخصية، وأن فترة محمد علي باشا وما تبعها من مظاهر سيئة ليس للأتراك العثمانيين يد فيه ولا يصح أن يحاسب التاريخ العثماني النير عليها ، فقد شهدت هذه الحقبة من الظلم ما يجعل أي سوداني باغضا لها فقد ارتبطت عند السودانيين بمجازر انتقامية ومظالم لا حصر لها ! قطعا ، ليس من السهل محو كل المفاهيم التي رسخت بأذهاننا حول هذه الفترة ، لمجرد اظهارنا معلومة كهذه وإن كانت محورية وأساسية وتحمل ما يؤكد عدم تبعية محمد علي للسلطان العثماني التركي وانفصاله عنه ، لكن من المهم لفت الأنظار لمثل هذه المعلومات وإثارة حوارات حول هذا التأريخ لتستقيم الرؤية حوله وتصحح بعض الأشياء المضرة التي زرعها المؤرخون المغرضون! ما لاحظته أننا ندرس تأريخا مضرا جدا بركائزنا الفكرية والوطنية، وأن هذا التأريخ المشوه ممتد حتى يومنا هذا ، وقد قرأت ما يدرسه أبنائي من تاريخ في مرحلة الأساس لا سيما الصف الثامن فوجدت فيه معلومات مشوهة وتعابير ركيكة وتسلسلا ضعيفا ،الأمر المضر بالبنية الفكرية والروح الوطنية لأبنائنا، كما أضر بكثير ممن سبقوهم ! تحرك المركز الدولي لاستشراف المستقبل، لاستشراف مستقبلنا عبر تأريخنا، تحرك ينصب في اطار دعوة اطلقها السيد رئيس الجمهورية لإعادة كتابة تاريخنا ، لم تجد حركة على المستوى الرسمي للدولة ولم ير الناس لها صدى في واقعهم ، وهذا قصور لا يغفر لجهات الاختصاص ! المركز _بتحركه هذا_ يعتبر منقذا لتاريخنا ومنفذا لتوجيه رئاسي رائد وفاتحا لمغاليق كثيرة وبهذا يكون قد أوفى جزءاً من مطلوبات مثل هذه المراكز تجاه الدولة والمجتمع! أتمنى أن يخرج الدكتوران أسامة الريس وطارق محمد نور كنوزهما هذه ويدفعان بها كسب أمة تحتاج لمعرفة تاريخها بشدة، خاصة في ظل الانطلاقة التركية القوية التي ستقوي كثيرا من عضد أمتنا ، كما أتمنى أن تفتح الأبواب للمركز الدولي لاستشراف المستقبل_ هذه المؤسسة القادمة بقوة_ ليقوم بدوره المهم في استشراف المستقبل لا سيما من مدخل تصحيح تاريخنا. فتح الرحمن الجعلي