كانت دعوة كريمة ذات مغزى ومعنى قدمها الأخ أسامة عبدالله وزير السدود للأخوين موسى محمد أحمد وعبدالرحمن الصادق المهدي مساعدي رئيس الجمهورية وكوكبة من الإداريين لمشاهدة الإنجازات التي تمت بمشروعي "ستيت" وأعالي نهر عطبرة وتعلية خزان الرصيرص والرجلان يمثلان كيانات سياسية ذات ثقل وتأثير، والشكر أجزله للأخ موسى محمد أحمد مساعد رئيس الجمهورية والذي دعاني ضمن آخرين من قيادات الشرق لاصطحابه في هذه الرحلة التاريخية التي تعتبر "رحلة في أعماق قضايا الوطن"، فمشروع ستيت كان حلما يراود الأذهان وأملا انتظر تحقيقه الأجيال لإحقاق الطفرة الإنمائية في منطقة شرق السودان كله ومن مثالبنا نحن السودانيين أننا نتحدث كثيرا ونعمل قليلا. ورغم أن السودان يعج بالموارد البكر من ماء وأرض خصبة تنبت الذهب الأبيض الإ أن الإنسان لا يتفاعل مع هذه الموارد ولكن تكشف لنا أثناء هذه الرحلة أن المواطن السوداني جدير بتحقيق الإعجاز إن توفرت له الإمكانيات. الرحلة كانت ارتحالا من قبل قياداتنا إلى أعماق الريف ليشهدوا التناغم بين الإنسان والموارد الطبيعية "السدود العميقة" والشوارع المرصوفة والقرى النموذجية كانت نتاج عرق السودانيين المسكوب لتبتل الارض وينبت الزرع والضرع. وقيام هذه المشاريع يهدف إلى بعث الحيوية في أوصال إنسان الريف الذي هده الإهمال والنسيان. نحن نشيد بتلك الكوكبة من المهندسين والاجتماعيين والاقتصاديين الذين كان يقودهم المهندس أسامة عبدالله الوزير الشاب. وأسامة اسم تلألأ في سماء "الشمال" يصارع الصعاب مبتغاه إسعاد الإنسان ونقله من حالة التخلف والبؤس إلى مشارف الازدهار والنماء. والرجل رغم سهام النقد والوعيد والتهديد التي كانت توجه إليه ظل صامدا لأنه كان صاحب رسالة، وأصحاب الرسالات لا توهن عزمهم وحماسهم العثرات والعراقيل. وأسامة من المهمومين بقضايا الوطن وتتبدى السعادة على وجهه وهو يشاهد أبناء الوطن يشقون الأرض ويحفرون السدود ليتحكموا في انسياب المياه وتوجيهها صوب الأرض الخصبة، فالماء وراء كل خلق ووراء الحياة "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ" (30) سورة الأنبياء. والسودان بلد البحار والأنهار والأمطار والزرع والكنوز والمخبوءة تحت الثرى موعود بالازدهار إن شمرنا الساعد. هذا الوطن يحتاج إلى قيادات رسالية الهدف متجردة تسكب العرق وتعيش بين الفئات التعيسة بغية مسح غبار الظلم والإهمال من على وجوه الكادحين ولنخرج من القصور المنيفة والفلل المكيفة لنمتزج مع البسطاء نتلمس احتياجاتهم ونمنحهم الثقة في القيادة. إن الإنسان في السودان يحتاج إلى قيادات أمينة تفترش الأرض وتستظل السماء. علينا أن لا نتعالى على مواطنينا "بالأداء الفوقي" وقد أعجبت في هذه الرحلة بالأسلوب الجميل والترحاب والابتسامة التي لا تفارق وجوه العاملين بل إنك لا تعرف مَن العامل؟ ومن المهندس والوزير؟. إنه الأداء المثمر والانسجام والعمل برضى، هذه كانت علامات تفرد بها العاملون في مشروعي سيتت وتعلية خزان الروصيرص. إن الرضى بالعمل هو أساس بلوغ مرامينا الوطنية، الرضى بالعمل هو محقق أمانينا. تعلية الخزانات وحفر السدود ورصف شوارع الأسفلت وبناء القرى النموذجية بخدماتها، هذه هي التنمية البشرية لأن شوارع الأسفلت ليست زفتا، إنها حضارة ومشروع تواصل يربط بين المجتمعات المبعثرة. والرحلة خرجت بنا من ضجيج السياسة والصراعات إلى صمت العمل الجماعي الواعد بالخير للسودان، ولنودع الكلام والخلافات ولنبحث عن مستقبلنا المشرق في باطن الأرض وفي سفوح الجبال التي تئن بالذهب والعسجد. ونقول للأخ موسى محمد أحمد إن مشروع "سيتيت" وتأخير تنفيذه هو واحد من الأسباب التي أخرجتكم من الوطن وأنتم تحملون السلاح، وها هو المشروع قد تحقق ولتدب الحركة بين مجتمع البجا ولنحمل إليهم البشائر والأمل المرتجى ولينزل الإنسان من "سفوح الجبال" ليتناغم مع مياه "سيتيت" ولندق جرس التشجيع ونوجه طاقات الإنسان ليحيل الأرض الجدباء إلى خضرة ليبث الحيوية في الدماء لينبعث المارد من جديد، فالإنسان هنا محفوف بتقاليد لا سوق لها في زماننا الرديء يصعب اختراقها ولننشر العلم بينهم. إن مياه سيتيت وهي تشق أرض الشرق سوف تجرف معها آلافا من البشر المدربين بوعيهم الزراعي، يحوزون على حق المواطن الذي من أجله قام المشروع بخبرتهم وإمكانياتهم ويتطلب من قيادات الشرق أن تهيئ الإنسان بنشر الوعي الزراعي وأن نوجد كوادر مدربة "تنافس" الوافدين المقتدرين. إننا لا نرفض أي فرد من أهل السودان ولكن نطالب بالتمييز الايجابي وأن تكون الأولوية لإنسان الشرق. إن حركة التنمية التي تسود تلك المنطقة ينبغي أن تصاحبها حركة لتوعية الإنسان لتتناغم مع تلك المشروعات العملاقة وأن التطور الاقتصادي في حياة انسان المنطقة ينبغي أن يبدأ بالرعي الذي يعرفه انسان الريف بإقامة المراعي ومعامل الجبنة والجلود حتى يتطور الانسان تدريجيا من راع إلى مزارع إلى صانع لأنه إذا لم نطور "حرفة" الإنسان الأولى "الرعي" واستجلبنا مزارعين وعاملين من مناطق أخرى فإن ذلك يشكل "انقراض إنسان المنطقة". والأخ أسامة ذو تجارب ثرة في مجال التوطين والإسكان في الولاية الشمالية وتجربته في الشمال لها جوانبها الإيجابية والسلبية. ومعروف أن تركيبة المواطن هنا تختلف عن إنسان الشمال، فالإنسان هنا يتقبل أي قادم ويتعايش معه ويقاسمه الأرض أما في الشمال فإن الناس يقاسمونك "الطعام" ولكن يستحيل أن تجد "شبرا" من أرضهم وقد يكون سبب ذلك شح موارد المنطقة وضيق الأرض. وأكيد أن تجربة الأخ أسامة ينبغي أن يستفاد منها في "سيتيت". وفي الرحلة التاريخية وقفنا على مشروع اقتصادي مهم يحكي الإعجاز والإنجاز الذي تم على أيدي أبناء السودان من مهندسين وفنيين بقيادة المهندس الحضري. والتحية لأبنائنا الذين سكبوا العرق تحت وهج الشمس وزمهرير البرد، وإلى لقاء. أبو علي أكلاب