كتبت كثيرا عن برنامج نجوم الغد، الذي يعده ويقدمه الاستاذ بابكر صديق، الذي أضع له محبة خاصة في قلبي منذ برنامجه محراب الآداب والفنون، واجتهاداته الأولى في مجال اكتشاف المواهب الفنية عبر تلفزيون ولاية الجزيرة الريفي، وكتبت مدافعا عن الرجل الذي ظل يتحمل نتائج لا يد له فيها وكنت أقول إن الاهتمام الزائد بهؤلاء المبتدئين هو الذي جعلهم يعتقدون –فجأة وبين ليلة وضحاها- أنهم أصبحوا "سوبر استار" ! لكن البدعة التي ابتدعتها إدارة البرنامج أم إدارة القناة ؟ في الجولة الأخيرة التي انطلقت مساء السبت الماضي بالمسرح القومي، تجعلنا نتعمّق أكثر في الطريقة التي يتعامل بها الاستاذ بابكر صديق وطاقمه في البرنامج مع هؤلاء الواعدين، فقد تم الإعلان عن حفل تجاري قيمة التذكرة لدخوله عشرة جنيهات، وبمجرد تحديد تذاكر لدخول الحفل يتحول الحديث عن البرنامج من النواحي التربوية الى العمل التجاري. وقد يقول البعض إن ثمن التذكرة من أجل المساهمة في دفع التكاليف الإدارية، وهذا مبرر غير مقبول على الإطلاق لأن البرنامج تلفزيوني والقناة التي يبث من خلالها "قناة النيل الأزرق" قادرة على دعمه، بل ودعم القناة نفسها، من خلال الرعاية التي تتسابق لها الشركات في مثل هذا النوع من البرامج، فكيف تسمح هذه القناة لبرنامج ضمن خارطتها، بأن يتحول الى حفل تجاري مدفوع القيمة. وبالمناسبة مشاركة الصحافيين في هذا البرنامج – الحفل، كانت ببطاقات أنيقة تم توصيلها للصحافيين يدا بيد. شاهدنا العديد من الحفلات الجماهيرية التي تتبناها القنوات الفضائية، ويتم الدخول اليها ببطقات مجانية توزع من أجل حفظ النظام فقط والتحكم في عدد الحضور، وقد استمتع الجمهور بكبار الفنانين مثل محمد وردي ومحمد الامين وابو عركي البخيت وزيدان وحمد الريح وغيرهم دون أن يدفعوا قرشا واحدا، وهذا النوع يختلف من الحفلات الجماهيرية مدفوعة القيمة والتي تشتري القناة حق بثها بعد فترة من الحفل. ويختلف الأمر في "نجوم الغد" باعتبار أن البرنامج به شق تربوي مهم، كما أن المطربين المبتدئين الذين يشاركون فيه يعتدون على حقوق كبار الفنانين، حيث لا يشاركون بأعمالهم الخاصة لأنهم لا يمتلكون أي عمل خاص، وبهذه المعطيات يصبح شكل البرنامج "مدفوع الأجر" معقدا وبه العديد من المشكلات. وبهذه المناسبة نكرر ما ظللنا ندفع به من رأي حول هذا البرنامج، وهو أن تسليط الضوء الزائد على هؤلاء الواعدين يضر بهم كثيرا، خاصة وأن الغالبية العظمى من المشاركين "تلاميذ" وهنا تظهر أهمية الدور التربوي الغائب تماما في كل مراحل البرنامج، ونقول إن العديد من الصحف تقع في هذا الفخ، يضاف الى ذلك الإعلام الفضائي عبر الانتر نيت والذي يفتقد الى الكثير من القواعد المهنية. ويبقى القول إن تجربة نجوم الغد تحتاج الى عملية تقييم وتقويم شاملة من كافة الخبراء في مجال الأصوات والموسيقى والتربية والإعلام، لأن البرنامج بوضعه الحالي بات شبيها بمزارع الدواجن التي يستعمل أصحابها المواد الكيماوية من أجل اللحاق بالسوق بجعل الكتاكيت تصبح دواجن في شكلها لكنها تبقى "كتاكيت" في الصوت!