تناولت صحف الخرطوم التي صدرت في اليوميين الماضيين تداعيات منتدى جمعية حماية المستهلك الذي ناقش مسألة تلوث الاغذية في البلاد، وقد خرج المنتدى بحقائق مثيرة حول الرقابة على الاطعمة والمشروبات، وجاءت إعترافات المسؤولين صريحة وواضحة بالخلل، وأكثر ما لفت انتباهي ما جاء في الملتقى من أن نسبة مرضى التلوث الغذائي في البلاد تبلغ 95%! والواقع أن الملتقى ناقش أمرا خطيرا ويؤثر على صحة كل مواطن تأثيرا مباشرا، ولم يكن الزمن كافيا للتعرض لكل الجوانب المتعلقة بالموضوع ،لذلك تبقى المسؤولية كبيرة في الطرق على هذا الموضوع مرارا وتكرارا عسى أن ينصلح جزء من الحال، ويمكن أن يبدأ المسؤولون بالكوارث الظاهرة قبل أن ينتقلوا الى كواليس المطاعم والتي أصبحت من أفضل مزارع تربية وتسمين الحشرات والبكتريا والجراثيم. والظاهر الذي نقصده هنا يتمثل في عرض الاطعمة والمشروبات في الأماكن العامة، خاصة مواقف المواصلات "جاكسون والاستاد ، اللفة،لا حلة كوكو، الشهداء، المحطة الوسطى بحري على سبيل المثال الجغرافي العشوائي، ففي هذه الاماكن يتم عرض المأكولات والمشروبات بطريقة في غاية القذارة والسوء، ويضاف للعرض الكارثي، الطفح المستدام لبؤر الصرف الصحي والذي يوفر أفضل بيئة للفتك ببني البشر! تفتقد المحليات- التي تخصصت في الجباية فقط لاغير- تفتقد لضباط الصحة من حيث الكم والنوع، ضباط الصحة المدربين بشكل جيد والذين يحملون هم المهنة بضمير يقظ ومسؤولية كبيرة قبل أن يكونوا موظفين في دولاب الحكومة، وقد إنهار هذا الجانب المهم في البلديات والمحلية بانهيار أسس الخدمة المدنية في البلاد وأصبحت" الكشة" تعني القبض على الباعة المخالفين من أجل الغرامات وضخ الجنيهات في شريان الحكومة، ولاعجب في أن تتزامن الحملات الشرسة مع نهاية الشهر في أغلب الاحوال! إن الرقابة يجب تمتد إلى المصانع ومعامل تصنيع الاغذية التي انتشرت في كل مكان وغني عن القول إن الكثير من هذه المصانع تفتقد للحد الادنى من المواصفات المطلوبة في مثل هذه الأحوال،ولابد من التشديد وعدم المجاملة في صحة الناس الذين أنهكهم الفقر وضيّق عليهم الفرص والخيارات ولابد من حملات متواصلة للاسواق العشوائية في أطراف المدن. هنالك أسواق يباع فيها الدجاج النافق "أي الميت" بأسعار زهيدة، وهنالك وجبات كاملة تتكون من مخلفات الدواجن وأرجلها وهنالك وجبة اسمها "أم بلكسات"لا أستطيع أن أصف مكوناتها حفاظا على الذوق العالم، ويحصل المواطنون الذين يسكنون بالقرب من "السلخانات" على وجبات ما أنزل الله بها من سلطان، وبالمناسبة لاتوجد مرتجعات في أية ذبيحة، هذا إذا تجاوزنا أسماء الحيوانات التي دخلت مؤخرا ضمن قائمة الذبيح في السودان! ولايمكن – بطبيعة الحال- أن نحمّل المواطن المسؤولية الشخصية في صحته الغذائية وذلك لسبب واضح وبسيط وهو عدم قدرة هذا المواطن على شراء الاغذية الصالحة للانسان- إن وجدت – لاسباب لا تخفى على أحد، وبذلك لابد من تحسين دخل الفرد في السودان وتشديد الرقابة على الاطعمة والمشروبات مع تكثيف نشر الوعي الصحي، وبدون هذه الثلاثية فإن أي مجهودات في هذا الاتجاه سوف تحارب بقوة من الضحايا أنفسهم.