تدور هذه الأيام نقاشات واسعة بين الإسلاميين داخل تنظيماتهم وبين مختلف تكويناتهم سيما بين المنتسبين للوطني والشعبي وواضح أن الحراك الواسع والعميق الذي أفرزته الوضعية السياسية والاقتصادية لحكمهم الذي دام ما يقرب من ربع قرن وأخيراً أحداث الهجوم الغادر للحركة الشعبية على منطقة هجليج وإفرازات اتفاقية نيفاشا جعل النقاش متسارعاً أكثر مما مضى و لا يخلو من تعانف واتهامات متبادلة وتبريرات ماضية وحالية لمواقفهما المتباينة بطبيعة الحال. قرأت مذكرات داخلية خاصة وخطيرة وعلى صفحات الصحف في غاية الأهمية وشهدت نقاشات علنية كان آخرها في صيوان أحد شهداء هجليج حيث دار نقاش حاد بين قيادي في المؤتمر الوطني وآخر شعبي وكان لابد من مداخلة لفض الاشتباك والمساهمة بالقول المحايد شاركني فيه قيادي إسلامي له إسهاماته المعروفة للطرفين ولكن له مآخذ عليهما قالها بصراحة إنهما مخطئين سوياً وخلص إلى ضرورة تنحي قياداتهما حيث صارا العقبة الوحيدة والكؤود للم شمل الكيان الإسلامي لأن الخلاف صار – كما قال – لم يعد على أساس المبادئ والأفكار بقدر ما هو خلافات شخصية وحول السلطة والنفوذ والمال خاصة وقد أصبح الفساد وعدم الكفاءة واحتكار القيادة وعدم الشورى والمؤسسية التي كانت طابع الحركة الإسلامية في الماضي هي السمة البارزة لكلا الطرفين. كانت مداخلتي كالآتي أولا لابد من الاعتراف بأن فترة الإنقاذ الأولى قبل المفاصلة والتي كان يقودها منسوبو قيادة الشعبي أسوأ من فترة الإنقاذ الثانية من حيث إنها فترة أذاقت فيها الشعب السودني عامة والقوى المعارضة خاصة كل صنوف التهميش والإقصاء والتعذيب والاعتقالات في بيوت الأشباح واحتكار السلطة بشكل مطلق ترفض الحريات العامة وتستهزأ بها خاصة حرية الصحافة والتعبير والتنظيم وأطلقت شعار التمكين رغم أنها تراجعت وبادرت بدستور التوالي عام 1998. أما الشق الثاني للحركة الإسلامية (الوطني) فرغم أنه سار في إفرازات دستور التوالي وسمح بهامش حريات ومحاولات لرأب الصدع والتوافق مع القوى السياسية ببعض الاتفاقيات وإعادها للوطن إلا أنه لم يلتزم بها لكن عهده اتسم بهامش أفضل للحريات العامة وإعلان تحول ديمقراطي ولكنها كانت ديمقراطية (أرعى بقيدك وتحول ديمقراطي سلحفائي وحذر) ولكن اتفاقية نيفاشا التي فرضها المجتمع الدولي أعطت دفعة أخرى لهامش الحريات لكن كان أكبر أخطاء المؤتمر الوطني وقوعه في مصيدة نيفاشا وإعطاء الجنوب دولة كاملة الدسم اعتبرها (عطاء من لايملك لمن لا يستحق) فكانت النتيجة ما نشهده اليوم من عودة الحرب بقوة وربما تتوسع في مناطق عديدة وتستدرج النظام لمواقع عسكرية مكشوفة من دول معادية تستخدم الحركة الشعبية كمخلب قط ومن المؤكد ستؤثر على الوضعية السياسية والاقتصادية على الوطن برمته وتكرس عدم الاستقرار والفوضى. أما أسوأ مظاهر الشق الثاني للحركة الإسلامية (الوطني) فهي ظاهرة الفساد المالي الذي أصبح كحالة سرطانية ستكون لها آثارها المدمرة وإضعاف الاقتصاد ونظام الحكم خاصة بعد فشل النظام في الاستفادة من عائدات البترول لدعم القطاع الحقيقي في البلاد فكان هذا الضعف الاقتصادي وتراجع الإنتاج والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وزيادة حدة الفقر والتضخم والبطالة وانخفاض سعر الجنيه إلى مدى لم يشهده السودان من قبل(مائة في المائة!!). الحل لا بد أن يأتي سريعاً وفي تقديري هو مراجعة شاملة للأوضاع في البلاد يشترك فيها الجميع وليس الإسلاميون وحدهم فهذا الوطن لكل السودانيين وقد أثبتت ملحمة هجليج أن السودانيين يمكن أن يلتقوا حول مصالح وطنهم وسيادته وكرامته ويتجاوزوا مابينهم من خلافات إذا كان الهدف هو السودان ليس غيره.. فهل نفعل أم يكون مصيرنا كقصة النمر.. النمر.. هجم النمر؟.