.. سعدت وللغاية بمشاركة نخبة من الاخوة الكرام عبر المداخلات الذكية والتعليقات الموضوعية والعلمية الحصيفة حول موضوع الغاء وزارة الاعلام الذي أثرته عبر مقالين سابقين ومصدر سعادتي أن من بين من تناول الموضوع بالبحث والتداول والنقاش من هؤلاء مجموعة نيرة على موقع التواصل الأشهر فيسبوك سميت بمجموعة (دراسات وبحوث اعلامية) أنشئت بقيادة الشاب الدكتور المجتهد والمبادر السر علي سعد الذي عرف وعبر سوح الاعلام البديل كأحد أهم المهتمين بتطوير الأداء الاعلامي والاتصالي بوجهه الالكتروني الحديث بالسودان.. فند هؤلاء ما جئت به تفنيداً علمياً راقياً وقد أعلن بعضهم عن موقفه بالاعتراض المبرر والمستند على أسانيد ساقوها خلال تناولهم للأمر بأسلوب علمي جيد كما ولحظت أن من هؤلاء من التزم جانب التحفظ والحذر خوفاً فيما يبدو من الاندفاع تجاه فكرة تحتاج للمزيد من التداول والتباحث للخروج بمعطيات منطقية منسجمة مع ما وصفوه بالواقع الذي لا مفر من التعاطي معه بواقعية وتدرج في التماس التطوير والتحديث الا أن هنالك من لم يتردد مطلقاً في اعلان تأييده لفكرة السعي الفوري لشطب ما يسمى (بوزارة الاعلام) من هيكلة النظام التنفيذي الحكومي لجمهورية السودان والى الأبد.. وقد سرني هذا التباين في المواقف لما قد يفيد وبدرجة أكبر في الخروج بنتائج موضوعية متفق عليها تمثلها مخرجات علمية تلتزم الحيدة الفكرية والأكاديمية والمعرفية على نحو أوسع وأشمل وهذا ما نراهن به دوماً وما نرجوه عندما تتلاقي العقول وتصطرع في ما بينها كل يدفع برأيه ويدافع عنه في عصف ذهني باني غير هادم ومصلح غير مفسد وعادل غير ظالم في منافحته للآخرين وأفكارهم ومواقفهم.. .. ولعل ما دعاني اليوم لاعادة الكتابة في هذا الأمر وللمرة الثالثة شعوري بضرورة اجلاء الأمر بأهدافه على نحو تستبين معه مقاصد الفكرة وأهدافها دون لبس مخل بها أو حاجب لجانب مفسر لها.. والأمر في حد ذاته ليس جديداً بطرحه على الحالة العربية وحتي السودانية فهنالك من أدلى بدلوه في الأمر عبر الدراسات والمقالات والأطروحات العلمية كما أن المحيط الاقليمي لنا وخاصة العربي قد مضى بالأمر الى مراحل متقدمة حيث نظمت مراكز الدراسات الاعلامية والأكاديمية الناشطة في مجال البحث والتطوير الاعلامي والاتصالي ودراسات المجتمع في أكثر من عاصمة عربية عدة ندوات وملتقيات وحلقات تدارس علمية ناجحة أفضت جلها الي نتائج صبت في صالح الطرح القائل بضرورة تجاوز الحالة الراهنة للاعلام العربي ليعمل بمنأى عن ما يربطه ويكبله بهيكلة ادارية متحكمة ومانعة للنشاط الاعلامي الحر المتحرر من قبضة الرؤى المنغلقة على عقول وأدمغة لديها هي وحدها برنامج التشغيل بأهداف جاهزة ومخطط لها في أحسن الأحوال من قبل مجموعات صغيرة قد يمثلها من بيده الأمر والنهي اذا ما كانت الوسيلة حكومية أوشبه حكومية أو قد يمثلها مالك المال ومالك الوسيلة الاعلامية منفرداً أو مع شركائه الرأسماليين فلهولاء أيضاً أهدافهم وخلفياتهم السياسية أو الفكرية أو التحالفية أو المالية – الاستثمارية.. وهنا يلعب المال والاقنصاد متحداً مع السياسة دوراً خطيراً ومدمراً لكل مباديء وقيم الكلمة الحرة الهادفة فيصبح الخبر كماً ويضحي التقرير والتحقيق والقصة الخبرية والبرنامج الوثائقي أو حتي الجهد الترفيهي علي مختلف أشكاله وغير ذلك من فنون التحرير والاعداد الاعلامي المقروء والمسموع والمرئي.. كلها تصبح رهينة فكرة من بيده الأمر سواءً كانت تلك المجموعات الحكومية الصغيرة المكونة من مجموعات الضغط المختلفة والمصالح المتقاطعة أو كان ذلك المهيمن الرأسمالي بماله ومؤسسته الاعلامية يحاول عبرها تنفيذ أفكاره وتمرير خططه وتحقيق مصالحه والأمر يبدو صادماً على نحو مفجع اذا ما ائتلف هؤلاء مع هؤلاء.. عندها يفسد الأمر كله والأمثلة على ذلك بدأت الآن تنتشر على الساحة العربية عقب التحولات السياسية الأخيرة بمثل ما بدأت تطل على المشهد السوداني الآن على استحياء هنا وهناك بفضل شيء من التوسع المقبول على مستوى الحرية الصحفية للصحافة المقروءة الا أن ذلك يصطدم كما وهو واضح للمراقبين بالوضعية الموروثة كلما زادت الجرعة وخرج البعض عن ما يرسم من خطوط حمراء ممنوعة أو مستهجن التطرق اليها (اذا ما أراد البعض تلطيفاً للفعل المقصود هنا..).. المهم في الأمر أن الحاجة باتت ماسة الآن أكثر من أي وقت مضى ليستعيد السودان ريادته التي عرف بها في مجال الجهد الاعلامي العربي المعاصر بمثل ما فعل عندما سبق الآخرين في مجال نشوء الصحافة المقروءة وبمثل ما فعل عندما خطا الخطوات الاستباقية قبل كبريات الدول العربية والأفريقية في مضمار البث التلفزبوني وساهم دون غيره في اطلاق القمر العربي عربسات عبر علماء وأكاديميين سودانيين سجل التاريخ جهدهم.. الآن نريد لهذه الريادة أن تتصل لنعبر ان لم نكن قبل الآخرين فلنكن معهم خطوة بخطوة وحافر بحافر.. العالم الآن من حولنا أعطى للاعلام وضعية جديدة وصورة جديدة للشعب فيها أبرز الخطوط.. فلا معني الآن لوجود جسم يمثل العصا أو حارس يمثل الحابس والمانع للأفكار والآراء.. الشعب هو الآن من بات يحرك الساكن ويسكن المتحرك في معادلة الفعل السياسي والاجتماعي لشعوب المنطقة والدعوة هنا ليست للهدم المدمر أو للانتفاض غير المستوعب لدقة المرحلة وخطورتها بل على العكس.. الدعوة هنا للحاق بالأمر دون وصوله لمرحلة اللا عودة.. اعلام ناضج معافى سليم في تجربته مستوعب لفكرة الناس وأحلامهم وقضاياهم هو البديل لاعلام موجه بنصف عقل ومصنوع بنصف رؤية على (أفضل وصف وأحسن ظن).. والدعوة هنا ليست كما فهمها البعض لأول وهلة على اعتبارها دعوة لالغاء مسمى هيكلي حكومي ممثلاً فيما يسمي بوزارة الاعلام.. لا أيها السادة.. نحن لا ندعو لالغاء مسمى هيكلي وظيفي بل ندعو لالغاء مفهوم بكامله يعبر عن الاعلام ودوره وعندما ندعو لالغاء وزارة الاعلام فانما ندعو لتغيير المفهوم السائد والممارسة المبنية بفعلها على ذلك المفهوم.. الاعلام الذي نريد هو اعلام الشعب بحريته المسئولة المعالجة لقضاياه وهمومه والمقومة لحاضره والمخططة لمستقبله ولكي يتم ذلك يجب أولاً اقصاء المفهوم السابق والبدء في تأسيس المفهوم الجديد القائم على هذه القيم الجديدة والغاء وزارة الاعلام وابدالها بجسم آخر أو بمجلس منتخب له الصبغة القومية (كما اقترح ذلك الأخ الاعلامي المبدع حاتم بابكر وأيده في ذلك آخرون ضمن تفاعلات الموضوع على الفيسبوك) بالطبع لن يحقق هكذا تلك الصورة الا أنه سيعلن رغبتنا ورغبة من بيده الأمر الآن للبدء بدايات جديدة صائبة في معالجة أمر الاعلام لأنه من المعيب جداً الاستمرار علي الوضعية الراهنة خاصة وأن العالم المتحضر قد تجاوزها منذ عقود طويلة ويوشك من حولنا الآن على تجاوزها تبعاً لتطور الحالة السياسية والاجتماعية لديهم.. .. أيها السادة دعوا الأفكار تنمو.. حفظكم الله.. خالد حسن لقمانE:mail: ellogman@ yahoo.com