" استطلاعات الرأي العام لا تجعل مرشحاً يفوز " كانت هذه عبارة أطلقها أحد المعلقين إبان الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي جرت مؤخراً ويصح الأخذ بها بعد ما أسفرت عنه الانتخابات الرئاسية المصرية من نتائج خالفت كل التوقعات وأظهرت بطلان كل نتائج مراكز سبر الآراء التي نشرت قبيل بدء التصويت. المفاجأة التي تمخضت عنها حصيلة تصويت نحو خمسين مليون مصري هو إحتلال الفريق أحمد شفيق للمرتبة الثانية وتأهله لخوض جولة الاعادة أمام مرشح حزب الحرية والعدالة- الواجهة السياسية لجماعة الأخوان المسلمين- محمد مرسي الذي حل أولاً . ويبدو أن النتيجة التي حصل عليها شفيق صادمة لقوى الثورة المصرية التي بنت كل حساباتها على فرضية خوض مرشحي الثورة وحدهم جولة الاعادة بعد سقوط مرشحي الفلول كما يطلق عليهم شفيق وعمرو موسي من الجولة الأولى . خلال اليومين الماضيين التي أعقبت ظهور النتائج غير الرسمية لجولة الانتخابات الرئاسية بدأ البعض في مصر في تحليل الاسباب الكامنة وراء حصد الفريق أحمد شفيق ملايين الأصوات وقد أشار تحليل نشرته صحيفة الشروق المصرية الى فوز الفريق أحمد شفيق بالمرتبة الثانية في الانتخابات الرئاسية جاء نتيجة لإستعانته ببنية الحزب الوطني المنحل التنظيمية التي لم تتقوض حتى الأن وهي بنية لها خبرة تراكمية وفرها الحزب المنحل من تحكمه في مفاصل السلطة لثلاثة عقود متتابعة تحت ظل حكم الرئيس السابق حسني مبارك كما أشارت الصحيفة الى دور ربما يكون لعبه ضباط جهاز أمن الدولة السابق في الاستفادة من قدرتهم على جمع المعلومات والبيانات وهو ما يعني بالمجمل أن نظام مبارك لم يلفظ كامل أنفاسه بعد فقد أظهرت الانتخابات قوة ما تبقى منه على توجيه بوصلة الحياة السياسية المصرية ربما بإتجاه إعادة بناء نظام مبارك تحت حكم الفريق أحمد الفريق شفيق الذي يبدو أن التوقعات السابقة بخلافته لمبارك في حال فشل خطة توريث جمال مبارك موقع والده ستصدق لكن بإختلاف طريقة الخلافة عبر التفويض الشعبي وليس عبر تفاهم يقرره كبار ضباط الجيش المصري كما مخططاً قبل إندلاع الثورة. وإذا كانت الأسباب السابقة ربما تؤشر لحد ما بوجود شكل من أشكال التواطؤ مكنت شفيق من تحقيق ذلك الفوز لكن أسباباً اخرى ربما لعبت دوراً في صعوده وهي ربما تكون أسباباً موضوعية , فمصر طوال تاريخها الطويل ظلت دولة مركزية لا تحتمل مظاهر غياب السلطة المركزية وتبعات ذلك الغياب من إنفلات أمني وأنهيار إقتصادي فمصر دوماً ترجو السلامة في شخصية قابضة وقادرة على إدارة البلاد بقوة وحسم وفي تاريخها شواهد كثيرة على ذلك فعندما تضعضت سلطة السلاطين الفاطميين في القاهرة وجدت مصر في صلاح الدين الأيوبي منقذاَ لها من الوقوع بين براثن الفوضى الداخلية والاحتلال الأجنبي الذي كان يتهددها وقتذاك والذي كان يتمثل في الأمارات الصليبية في فلسطين وما أشبه اليوم بالبارحة, وحين خرجت الحملة الفرنسية من مصر مطلع القرن التاسع عشر تركتها قاعاً صفصفاً دمرت قوة المماليك العسكرية وخلفت فتنة طائفية فوجد أعيان مصر في محمد علي باشا قائد قوة الأرناؤوط العثمانية منقذاً لهم من ذلك الوضع, ومن بعد الأطاحة بالرئيس مبارك ونتيجة للغضب الشعبي الذي طال جهاز الشرطة من ممارسته إبان الثورة فقد شهدت مصر حالة من الانفلات الأمني أعتبره البعض أمراً مخططاً له من مناصري نظام مبارك لإشاعة شكل من أشكال الفوضى الخلاقة تصاحب مرحلة ما بعد إسقاط حكم مبارك والهدف منها هو إشاعة الحسرة والندم على الحكم السابق وما كان يوفره من أمن إفتقده المصريون بفعل الثورة علاوة على تدهور إقتصادي حتى أن كثيرا من المصريين باتوا في حيرة من أمرهم بين بغضهم لنظام أسقطوه بأيديهم وبين توقهم لاستعادة بلادهم لحالة الهدوء والاستقرار وعلى وتر الحيرة هذه عزف الفريق أحمد شفيق والذي وعد في آخر تصريح له قبل بدء التصويت أن يكون رئيساً قوياً لمصر ولهذا ربما حقق شفيق فوزه غير المنتظر فلربما أراد المصريون رئيساً فيه شئ من صفات الحزم والخلفية العسكرية يأتي وفق شروطهم هم يتحقق في ظله الاستقرار المنشود وتترسخ الديمقراطية ولعل لسان أهل المحروسة في حال فوز الفريق أحمد شفيق في الجولة الثانية برئاسة مصر هو " وداوني بالتي كانت هي الدَاءُ" .