هكذا يتحركون ولهذا السبب أحبهم القرويون المحليون دول غرب القارة تتلاوم والمقاتلون الملتحون يتزايدون قروي:إنهم ليسوا غرباء هم منا بقلم : مارتن فوجل و روكميني كوليماشي سوكولو/ مالي ترجمة : بابكر فيصل المرَّة الأولى التي خرج فيها أعضاء القاعدة من الغابة وهم يحملون سلاحهم الأوتوماتيكي, ألقوا السلام بأدب, ومن ثم سألوا القرويين الخائفين أن يسمحوا لهم بسحب المياه من البئر. و هم يهمِّون بالمغادرة أنزلوا زجاج نوافذ سيارتهم ونادوا على أطفال القرية ليوزعوا عليهم حلوى الشوكولاتة. كان ذلك قبل 18 شهراً, ومنذ ذلك الحين ظل الرجال الملتحون الذين يرتدون ملابساً شبيهة بتلك التي كان يرتديها أسامة بن لادن يأتون لسحب المياه كل أسبوع. وفي كل مرة يطيلون البقاء لتبادل التحايا وكانوا يتصرفون كجيران في محاولة لكسب أهل القرية إلى جانبهم. بجانب الحلوى, كان الرجال الملتحون يقدمون نقوداً.وإذا ولد طفل في القرية فإنهم يهدونه الملابس. وإذا مرض قروي فإنهم يقدمون له الدواء. وإذا أخذ صبيٌ للمستشفى فإنهم يجلبون الطعام. وهكذا, استطاعت القاعدة – دون أدنى مقاومة – أن تزرع نفسها في نسيج إفريقيا الناعم بعد أن اختارت واحداً من أفقر البلاد على وجه الأرض ليستضيفها. قد خلقت الجماعة الإرهابية ملاذاً في هذه المنطقة النائية عبر استراتيجية كسب و استمالة القلوب والعقول كما يحكيها بتفاصيل نادرة سبعة من القرويين الذين تربطهم اتصالات منتظمة مع الخلية. وافق القرويون للمرة الأولى على الحديث لفريق وكالة أنباء أسوشيتد برس في "المنطقة الحمراء" التي تعتبر من قبل معظم السفارات مكاناً خطيراً للأجانب الذين ينتوون زيارتها. على الرغم من حالة الفوضى التي تعاني منها القيادة المركزية للقاعدة , وملاحقة قياداتها في أعقاب موت بن لادن قبل ستة أشهر, فإنَّ الخبراء الأمنيين يقولون إنَّ فرع التنظيم في إفريقيا والبالغ من العمر خمس سنوات يعيش في حالة إزدهار. وبحسب قول بعض الدبلوماسيين والمسؤولين الحكوميين فإنَّ تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي يقوم باختراق المجتمعات المحلية, وتجنيد المقاتلين, وإدارة معسكرات التدريب, والتخطيط للهجمات الانتحارية بالانطلاق من قواعد مثل هذه الموجودة في الغابة الواقعة شمال هذه المنطقة (سوكولو). على الرغم من المشاكل المالية التي يعاني منها تنظيم القاعدة الأم إلا أن الفرع الإفريقي استطاع جمع حوالى 130 مليون دولار في أقل من عشر سنوات عن طريق اختطاف 50 مواطناً غربياً على الأقل في الدول المجاورة والتحفظ عليهم في معسكرات بدولة مالي من أجل المطالبة بالفدية. ويقول الخبراء إن حجم التنظيم قد تضاعف من 100 مقاتل في العام 2006 ليبلغ اليوم 300 مقاتل. كما تمددت مساحة تواجد التنظيم التي كانت محصورة في الجزائر, ليشكل حضوراً بعرض الصحراء يمتد من موريتانيا في الغرب إلى مالي في الشرق. أهداف ... معلنة: الهدف المعلن للتنظيم الإفريقي للقاعدة هو أن يصبح لاعباً في الجهاد الدولي. وقد تم إلقاء القبض على العديد من المشتبه في تعاونهم مع التنظيم في مختلف البلدان الأوروبية بما فيها هولندا, وأسبانيا, وإيطاليا, وإنجلترا, وفرنسا. وفي سبتمبر الماضي قال الجنرال كارتر هام المسؤول عن العمليات العسكرية الأمريكية في إفريقيا إنَّ القاعدة ببلاد المغرب أضحت تمثل " تهديداً جدياً" للولايات المتحدة. الإجابة على التساؤل حول السبب وراء نجاح التنظيم يمكن العثورعليها في هذه البلدة النائية ذات البيوت المشيَّدة من الطين والقش, والتي يكسب سكانها قوت يومهم من حقول الأرز في الجنوب, أو من الغابات الهائلة ذات الأشجار القصيرة والسميكة في الشمال. إن الإجابة توجد هنا، تحت مظلة تمتد على مساحةٍ أكبر ثلاث مرات من مساحة مدينة نيويورك حيث يسير سكان (سوكولو) بماشيتهم. إن الرعاة يتجنبون الإفراط في الرعي عن طريق تنظيم أنفسهم في ثماني وحدات ترتبط بثمانية آبار مرقمة من ن1حتى ن8 في محيط غابة "واقادو" البالغ50 ميلاً. ويدفعون ما يعادل 5 دولارات سنوياً لرأس الماشية, و 3 دولارات لرأس الغنم نظير شربها المياه من تلك الآبار. عندما أطلَّ مقاتلو القاعدة قبل عام ونصف يحملون أربعة جركانات ويطلبون السماح لهم بسحب الماء أشاروا إلى أنهم لا يرغبون في نهب الموارد. وقفوا في الخارج وهم يرتدون اللباس الذي يتدلى تحت ركبهم بقليل مع العمائم الصغيرة واللحي, وهو لباس غريب على أهل المنطقة - لباس دول الخليج وأسامة بن لادن. "من الوهلة الأولى يتبين لك أنهم ليسوا ماليين" يقول الراعي أمادو مايقا. بدأوا يفدون كل أربعة أو خمسة أيام في عربات لاندكروزر, والكلاشنكوف يتدلى من أكتافهم. في البداية لم يستمر تواجدهم لأكثر من 15 – 20 دقيقة كما يقول القرويون بمن فيهم الرعاة, وأحد الصيادين, وموظف في وزارة الزراعة المالية يتواجد بالمنطقة لتطعيم الحيوانات و إصلاح الطلمبات المعطوبة. إذا سحبوا مياه من أحد الآبار يوم الإثنين, فإنهم يسحبونها يوم الأربعاء من بئر أخرى, سالكين طرقاً مختلفة في كل مرَّة. صادف فويسيني دياكيتيه (51 عاماً) - وهو فني طلمبات يسافر مرتين في الشهر للغابة كي يتأكد من عمل المولدات الكهربائية التي تقوم بتشغيل الآبار- في مايو 2010 خلية للتنظيم عندما رأى أربعة رجال في لباس عربي داخل عربة تويوتا هايلوكس و بنادق ايه كيه 47 تحت أرجلهم. وقال إنَّ الرجال جاءوا يحملون إمدادات طبية للمرضى في المنطقة. ويقول دياكيتيه " كان أحدهم طويل القامة' ضخم الصدر- هو عربي, ربما جزائري, يمتلك صيدلية متحركة,و ينتقل من مكان لآخر ليعالج الناس مجاناً". ويقول دياكيتيه إنَّ أفراد التنظيم يشقون طريقهم إلى المعسكرات حيث ينام الرعاة ويقومون بتسليم النقود للقرويين الذين يؤدون الصلاة معهم – أوراق من فئة 10000 فرنك من عملة غرب إفريقيا (حوالي 20 دولاراً), وهو ما يعادل نصف متوسط الدخل الشهري للفرد في مالي. وينام الرعاة عادة في المعسكرات الواقعة على أطراف الغابة والتي تعتبر بمثابة المساكن المؤقتة, وليس لديهم مساجد على عكس معظم القرى في هذا البلد الذي يتمدد في مساحة تساوي ضعف مساحة فرنسا, ويمثل المسلمون فيه 90 % من السكان. أوكسجين بن لادن: ويضيف دياكيتيه أنَّ مقاتلي القاعدة أعطوا القرويين 100000 فرنك (حوالى 20 دولاراً) في قرية بولكر القريبة من الغابة, وأوعزوا لهم بشراء المواد اللازمة لبناء مسجد من طوب اللبن. وقالوا إنه لا بد من أن يكون هناك مسجد لكل منطقة يقطنها على الأقل 10 مواطنين. تتميز مالي بجانب فقرها بجغرافيتها الشاسعة, وحكومتها المركزية الضعيفة – وهى كما يقول الجهادي السابق والمحلل الحالي بمؤسسة كويليام اللندنية نعمان بن عثمان - لا تختلف كثيراً عن أفغانستان التي استخدم فيها بن لادن كاريزماه الشخصية حتى يضمن ولاء السكان المحليين. ويقول بن عثمان الذي التقى بن لادن لأول مرة في السودان وقضى عدة سنوات في تنظيم القاعدة بأفغانستان : "لقد كان جزءاً من التدريب العسكري أن نعلم أعضاء جماعتنا كيفية التعامل مع السكان المحليين, لأنَّ هذه هى البيئة التي من شأنها الحفاظ على أرواحهم" . لقد أعطى بن لادن توجيهات محددة لمقاتليه حول السلوك الذي يجب أن يسلكوه تجاه الأفغان : لا تجادلوهم حول الأسعار, اهتموا بسعادتهم, و كونوا لهم مثل الأوكسجين. لقد استوعب تنظيم القاعدة في المغرب هذا الدرس جيداً. بعد فترة وجيزة من بداية سحبهم المياه, اقترب أحد المقاتلين الملتحين من راعٍ يجلس بالقرب من مضخة مياه طالباً شراء كبش, و لشدة خوفه منهم لم يطلب الراعي مقابلاً مالياً, ولكن المقاتل رفض أن يأخذ الكبش مجاناً وسلم الراعي مبلغاً محترماً. يبدو أنهم كانوا على علم مسبق بالأسعار. كان أحدهم يشير للكبش ويقول " سأشتري هذا ب 30000 فرنك ( 60 دولاراً), وهو أعلى سعر يحلم به راع في هذه المنطقة, ولذلك فإنهم لا يساومون كما يقول مايقا. تكون تنظيم القاعدة في المغرب من المجموعات التي حاربت الحكومة الجزائرية في التسعينات من القرن الماضي بعد أن ألغى الجيش الانتخابات حتى يقطع الطريق أمام حزب جبهة الإنقاذ. خلال العقد التالي, خلفت الحرب دماراً في الجزائر. حوالي عام 2003 أرسلوا مبعوثاً للعراق لمقابلة وسيط من القاعدة. ويقول بن عثمان أنه بعد مرور ثلاث سنوات من ذلك اللقاء انضم المتمردون للتنظيم الإرهابي فيما أسماه رجل القاعدة الثاني حينها أيمن الظواهري " اتحاد مبارك". ومنذ ذلك الحين بدأت بصمة القاعدة تظهر على هجماتهم. في أغسطس الماضي مزق انفجار قاعة طعام الأكاديمية العسكرية الجزائرية وأدى لمصرع 18 شخصاً, بينما وضعت قنبلة موقوتة أخرى لضرب عمال الطوارئ. يبدو ان تنظيم القاعدة الأم يتعلم من التنظيمات التابعة له والتي بدأت في اختطاف الرهائن من أجل الفدية في الجزائر, اليمن, باكستان, العراق, وأفغانستان. عقب مقتل بن لادن في مايو الماضي وجد المحققون ملفات في جهاز كمبيوتره ترسم خططاً للعودة للخطف لتعويض التراجع في التبرعات. بحسب دبلوماسيين ومسؤولين حكوميين ومفاوضي رهائن فإنَّ تنظيم القاعدة في المغرب أجاد تطبيق ما يسميه المحللون " اقتصاد الخطف" معتمدين على ملاذهم في مالي. في 2003 اختطفت الجماعة ونقلت 32 رهينة معظمهم من الألمان من جنوبالجزائر إلى مالي حيث عقدوا – بحسب عضو في البرلمان المالي – صفقة مع السلطات المحلية ما تزال سارية حتى اليوم. الصفقة المبرمة بين التنظيم والسلطات مفادها " لا تتعرضوا لنا, ونحن لن نتعرض لكم" بحسب قول عضو البرلمان الذي كان طرفاً في مفاوضات سابقة حول الأسرى ورفض ذكر اسمه بسبب المخاطر التي قد يتعرض لها. تنفي حكومة مالي هذه الاتهامات, ولكن بعض البرقيات التي كشفها موقع ويكيليكيس لمسؤولين حكوميين تؤكدها ذلك . فقد أخبر رئيس دولة موريتانيا المجاورة محمد ولد عبد العزيز نظراءه الأمريكيين في 2009 أن مالي " متصالحة مع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي حتى تتجنب الهجوم على أراضيها". بينما اختطفت خلية القاعدة 50 أجنبياً في الجزائر, والنيجر, وموريتانيا, ولم تصب مالي بأية أذى. استطاعت الخلية - بحسب خبير أمني - أيضاً ضم مقاتلين محليين, بمن فيهم 60 – 80 من الطوارق الرُّحل أصحاب البشرة الزيتونية الذين يقطنون الصحراء. ويقول القرويون إنهم سيارات عليها أفارقة ذوي بشرة سوداء من شبه الصحراء يتحدثون لغات مالي وغينيا ونيجيريا. ويقول بن عثمان " الوضع في مالي هو أنهم أضحوا مواطنين – هم ليسوا أجانب. هذا صعب للغاية, ويزيد من صعوبة التخلص منهم". شىء واحد لا يزال يقف في وجه القاعدة يتمثل في أن أيديولوجيتها المتشددة لا تتلائم مع طبيعة الإسلام المعتدل الذي يمارسه الرُّحل الماليون. غالبيتهم قالوا إنهم يقعون بين مطرقة الحاجة للأموال التي يقدمها لهم مقاتلو القاعدة وسندان عقيدتهم المتطرفة. الدعوة بالحسنى: عندما مات بن لادن تنقل أعضاء خلية القاعدة من بئر إلى أخرى يسألون الناس الصلاة على روحه كما يقول أماي علي سيسيه الموظف بوزارة الزراعة الذي يسافر مرتين كل شهر للآبار كي يشرف على تطعيم الحيوانات, والذي يضيف : كل فرد هنا غير مرتاح , إنهم يعتنقون ديناً لا يشبه الدين الذي نعرفه. ويقول الرعاة إنَّ المقاتلين لم يحاولوا فرض أيديولوجيتهم بالقوة, بل كانوا ينتظرون حتى يلتقوا الراعي عدة مرات قبل أن يفاتحوه في الموضوع. ويقول الراعي بابا ولد مومو (29 عاماً) إنهم دعوني للالتحاق بهم بعد اللقاء الثالث وقالوا لي : كل مانفعله نبتغي به وجه الله. وأضاف إنه حاول إيجاد عذر للتهرب منهم عندما اقتربت سيارتهم من البئر خوفاً من أن يلقوا به داخل السيارة ولكنهم تراجعوا عندما لاحظوا عدم رغبته في الحديث معهم. ويقول بابا إنَّ الشىء الأول الذي يحاولون فعله هو دعوة الناس للانضمام إليهم في الغابة, وإذا رأوا أن الشخص بدأ في الإصغاء لهم فإنهم يبدأون في وعظه, أما إذا كان الشخص قاطعاً في قوله : لا, فإنهم يتركونه لحال سبيله. في يونيو الماضي قادت مالي وموريتانيا هجمة مشتركة على خلية القاعدة في غابة واقادو. ولكن الرعاة قالوا إن رجال القاعدة أخبروهم قبل أسبوع من وقوع الهجوم أن هجوماً سينفذ عليهم وأنهم قاموا بزرع الألغام في الغابة, ويلقي الموريتانيون باللوم على الماليين بتسريب المعلومات للقاعدة. قال الرعاة إنهم لم يشاهدوا مقاتلي القاعدة طيلة أسبوعين. ومن ثم عادوا في ركبٍ من سيارات الهايلوكس وبالمزيد من الرجال. " منذ ذلك الحين أصبحت آثار تحركهم في كل مكان بأرض الغابة, ولم يعودوا ينامون في نفس المكان لأكثر من ليلة كما يقول الصيَّاد شيكانا سيسيه (60 عاماً). عندما كان سيسيه يشرب المياه في المضخة 7 في مساء أحد الأيام توقفت سيارتان" بيك أب" تحملان مدافع مضادة للطائرات ومحملتان بالمقاتلين المجللين بسلاسل الذخيرة حول صدورهم. وقاموا بوضع سلاحهم أيه كيه 47 على الأرض في شكل دائرة يستطيعون إقامة الصلاة داخلها. سأل أحدهم سيسيه إن كان قد سمع عن أسامة بن لادن. وقال له مؤشراً بالتصاق إصبعيه : نحن إخوان بن لادن, نحن القاعدة. حاول سيسيه الانسحاب عندما شرع أحد المقاتلين في الأذان للصلاة, ولكنهم سألوه : ألن تؤدي الصلاة ؟ ثم دعوه للدخول في الدائرة. ركع الرجال داخل الدائرة, بينما قام أربعة آخرون بحراستهم, تبعهم سيسيه في أداء الصلاة, وقام بمراقبة حركاتهم حتى يتأكد أنها تشبه حركاته. وعندما انتهت المجموعة من الصلاة قام الحرَّاس الأربعة بالدخول للدائرة, بينما انسحب سيسيه بهدوء, ولم يحاولوا إيقافه.