أعجبت كثيراً بما كتبته عن مشروع الجزيرة في صحيفة الوطن بتاريخ 24 / 25 مارس 2012 في بابك «كتابات» تحت عنوان «مشروع الجزيرة هل من عودة؟».. ما كنت أود الكتابة عن مشروع الجزيرة بالرغم من انني عملت بوزارة الري منذ تخريجي في جامعة الخرطوم.. إلى أن أصبحت مديراً عاماً للري مسئولاً عن كل المشاريع المروية بالبلاد حتى عام 1983م.. حينما عينت وزيراً اقليمياً في الاقليم الأوسط.. وكنت عضواً بمجلس إدارة مشروع الجزيرة.. ورئيساً للجنة الفنية لمفاوضات البنك الدولي في الثمانينيات.. وذلك لتأهيل مشروع الجزيرة وعضواً في اللجنة التي كونها السيد رئيس الجمهورية برئاسة الدكتور تاج السر مصطفى التي أعدت تقارير وافية عن كل المشاريع المروية.. بالرغم من ذلك ما كنت أود الكتابة عن مشروع الجزيرة لأن الاذن كانت صماء.. ما كانت تريد أن تسمع النقد لما حدث في مشروع الجزيرة.. ولكن تبنى السيد رئيس الجمهورية بإعادة مشروع الجزيرة إلى سابق عهده اثارت في نفسي بعض الشجون والآمال مما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع.. إن مشكلة مشروع الجزيرة ترجع إساساً لأن من كان بيدهم الأمر قد غيروا النظم التي كان يسير عليها.. هذا المشروع بين عشية وضحاها بدون أن يرجعوا إلى الأسباب التي من أجلها وضعت هذه النظم سواء أكانت للري أو إدارة الغيط والأجهزة والمصالح المساعدة لهما.. وكان التغيير كبيراً وشاملاً وبعضهم لا خدمة له في هذا المشروع.. ونظمه التي يسير عليها أن لجنة الدكتور تاج السر مصطفى وضعت حلولاً ومقترحات لكل المشاريع.. ومنها مشروع الجزيرة الذي وجد اهتماماً كبيراً من اللجنة.. ومن المشاكل الرئيسية التي كانت تواجه المشروع هي توقف تمويل العمليات الفلاحية من وزارة المالية.. وكانت وزارة المالية تمول كل العمليات الفلاحية الخاصة بالقطن.. وتسترد ما صرفت من مبيعات القطن.. لأن هذا المشروع مردود اقتصادي مباشر من العملات الصعبة.. وذلك بتصدير القطن والحبوب الزيتية ويوفر العملات الصعبة التي يستورد بها القمح في ذلك الحين.. ولكن وزارة المالية رفعت يدها عن هذا التمويل واللجنة المذكورة وضعت حلولاً عملية لحل هذه المشكلة.. إن من كان بيدهم الأمر وربما بعض قادة المزارعين بهرتهم روابة المياه التي تجعلهم أكثر نفوذاً ولذا سارعوا بقبولها وتكوينها إن هذا النظام معمول به في بعض الدول.. وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية وهي من وصفات البنك الدولي التي رفضناها في السابق وروابط المياه انشأت في بعض الدول لأن شبكات الري تتبع للشركات الخاصة التي تبيع المياه للمزارعين ولذا قامت هذه الروابط حتى لا تستغل شركات المياه المزارعين ببيع المياه بأسعار عالية.. وهذه الروابط لحماية المستهلك.. اما في السودان فالماء لا يباع من المزارعين والقنوات هي ملكية الدولة ولكن يحاسب المزارع حسب تكلفة توصيل المياه.. فهو ليس محتاجاً لرابطة تحميه من شركات بيع المياه.. إن روابط المياه أصبحت مسئولة عن كل أعمال الري وإدارة الغيط وكان على الذين قرروا ذلك أن يتفهموا ما يقوم به الري من أعمال.. وخاصة طلب المياه وتوزيعها على القنوات.. وهذا يحتاج إلى معرفة المساحات المراد ريها في كل قناة ونوع المحصول.. وكل محصول له مقننات مائة معينة.. وكذلك طور نموه وهذا العمل كان يقوم به مفتش التفتيش بجانب مسئولياته الأخرى.. وبعض أن يضع برنامج الري يرسل طلب المياه إلى مهندس قسم الري ويقوم بجمع تلك الطلبات حتى تصل إلى خزان سنار وتفتح أبواب القنوات الرئيسية من سنار على حسب طلب مهندس القسم.. ويقوم بتوزيعها على القنوات المختلفة كل حسب طلبه وحالياً لا أدري كيف تطلب المياه ولا كيف يتم توزيعها.. وكانت في ما مضى يطلب مهندس الري حسب المقادير التي تحتاجها المحاصيل وذلك حفاظاً على المياه وحفاظاً على سلامة جسور القنوات وتفادياً لتوارد الناموس في المياه المهدرة في المصارف.. حالياً أصبحت المياه تضيع هدراً والدليل على ذلك في موسم 2010 و 2011م فقد طلبت ثمانية مليار متر مكعب لمشروع الجزيرة وذلك لري واحد مليون فدان في حين أن المياه المخصصة في مشروع الجزيرة ستة مليار ونصف متر مكعب ، وذلك لزراعة واحد مليون وثمانمائة الف فدان.. وهذا يعني انه إذا زرعت كل هذه المساحة فان مشروع الجزيرة يحتاج إلى أربعة عشر مليار ونصف متر مكعب اي حوالي 77% من نصيب السودان في مياه النيل.. وهذا بالطبع يعود إلى عدم معرفة طريقة طلب المياه وتوزيعها والمحافظة عليها ومع ذلك فان الجزيرة تشكو من العطش ولأول مرة يستعين المزارعين بمضخة المياه على القنوات لري مزارعهم.. وكان في السابق وضع مضخة على قنوات الري يعد جريمة يحاكم مرتكبها.. في الماضي كان يقوم مهندس الري بالمرور على القنوات ومراقبة مناسيب المياه لمعرفة إن كانت القناة المعنية تواجهه أية مشكلة اطماء او حشائش ويستعين في ذلك ايضاً بمفتش التفتيش الذي يوضح له ما يلاقيه من صعوبات في القناة المعنية.. وفي حالة الاطماء يقوم مهندس الري بأخذ لقطات بالميزان على قطاعات القناة المعينة لمعرفة عمق الاطماء الذي يحتاج إلى إزالة الطمي منه وفي أغلب الأحيان تقوم الكراكة بحفر عميق وهذا يؤدي إلى ارتفاع التكلفة وارتفاع جسور القنوات وحرمان الارض الزراعية من الطمي وحفر القناة أعمق من الإحتياج يجعلها مصيدة للاطماء وهذا يؤدي إلى ما ذكر أعلاه وفي الماضي كنا إذا وصلنا الى أربعة مليون متر مكعب في العام نحسب أن ذلك إنجازاً كبيراً.. اما الآن فان نظافة القنوات وصلت إلى عشرات الملايين من الاطماء.. ولذا أصبحت جسور القنوات عالية.. ولذلك انعكاسات خطيرة على الطرق.. وعلى الاراضي الزراعية المجاورة.. إن مسئولية وزارة الري نحو المشروع كثيرة ومتعددة.. ولا أريد أن استرسل في ذلك.. كثر الحديث عن ضيق القنوات لزيادة المساحات المزروعة وعلى النقيض فان المساحات المزروعة قد نقصت وفي العام 1975 قمنا بتطبيق سياسة التكثيف والتنويع.. وذلك لزيادة مساحة القمح الذي كان يزرع في الجزيرة (الدورة الرباعية) من مائة وخمسين الف فدان إلى ثلاثمائة الف فدان.. وأدخلنا لأول مرة القمح في الدورة الثلاثية بمشروع المناقل بمساحة ثلاثمائة الف فدان.. وأدخلنا الفول في مسلسل الذرة.. ولذا فإن ما كانت تسمى الدورة الرباعية «كانت حقيقة ثمانية».. لقد اصبحت فعلا رباعية وما كانت تسمى بالدورة الثلاثية(هي السداسية) فقد أصبحت فعلاً ثلاثية ولا أريد أن أدخل في تفاصيل ذلك لان شرحها يطول.. وهذه الدورة طبقت بعد دراسات وافية ويعتمد نجاحها على التمسك بمواقيت الزراعة.. وايقاف الري عن المحاصيل الصيفية.. وهي الذرة والفول ليحل محلها القمح الذي يزرع في منتصف اكتوبر.. وهذه السياسة نفذت لفترة من الزمن وانتجت محاصيلاً.. حسب ما كان متوقع لها.. لان الكل كان يتقيد بمواقيت الزراعة والري.. ثم تغيرت هذه الدورة الى خماسية لاستيعاب الحيوان.. وكانت الدورة تجعل لكل مزارع قصادات لا يزرع عليها مزارع آخر.. مما يجعله يهتم بنظافة ارضه من الحشائش.. سؤالك هل من عودة ؟؟ لا يمكن الإجابة عليه بسهولة لأن الخبرة التي كانت تقوم بذلك من مهندسي الري ومفتشي الغيط وفي مؤسسة الحفريات او الأجهزة الادارية والفنية.. في ود مدني وبركات أين هم ؟ بعضهم وجد خيراً مما كان عليه وبعضهم ترك البلاد وآخرين تركوا الدنيا.. أين المساكن التي كانت تأويهم (السرايات) أصبحت اطلالاً أين وسائل الترحيل التي أصبحت خردة ؟ أين الورش ؟ اما مؤسسة الحفريات التي أنجزت الرهد وعسلاية وكنانة وغيرها.. المهندس/ الطيب تاج الدين