وأنا أتابع الرصد الصحفي اليومي، لفت نظري خبر كبير في الصفحة الأولى لإحدى الصحف منسوب للدكتور عبد الرحمن الخضر - والي الخرطوم - جاء فيه أن الوالي، وفي حديثه في لقاء ببرنامج في الواجهة، الذي يقدمه الأستاذ أحمد البلال الطيب في التلفزيون القومي .. فقد نشر محرر الجريدة، الذي قام برصد اللقاء جاء أن ولاية الخرطوم بصدد إصدار قرارات صارمة بشأن الجنوبيين، وستتم مطارتهم. دهشت للخبر، وأنا اعرف الوالي تماماً، رجل سياسي عريق، ودبلوماسي من الطراز الأول .. كلماته وتصريحاته موزونة، رغم أنه يميل في بعض الاحيان للدعابة. الحديث مثير للدهشة، لأن الوالي لم يقله بشهادة المتابعين. لذلك بادرت الصحيفة، وفي صفحتها الأولى - بنشر تنويه واعتذار لما أوردته، ونشرت ما قاله الوالي فعلاً، ووقفت كثيراً أمام هذه الواقعة، وغيرها من عدم المبالاة، والتعمق في النشر الصحفي، والذي قد يسبب أضراراً كثيرة، وتداعيات كبيرة .. فقد واجهتني شخصياً العديد من مثل هذه المواقف، وأنا اشغل منصب المستشار الإعلامي لوالي الخرطوم، وأذكر أكثرها في عهد الدكتور عبد الحليم المتعافي، الوالي السابق، والذي نسبت إليه الكثير والعديد من التصريحات غير الصحيحة، إما لعدم دقتها، أو لخروجها تماماً من النص .. وكنت أعاني كثيراً من هذه المواقف التي يحدث فيها النقل غير الصحيح، بقصد أو بدونه، ويتعلق إما بجوهر الحديث، أو حتى في الأرقام التي قد تعطي مفهوماً مغايراً .. عندما كثرت أحسست بتهرب د. المتعافي من مقابلة الصحفيين. الدكتور عبد الرحمن الخضر، منفتح تماماً على الإعلام، وهو صاحب بال طويل، ولا ينفعل بسرعة، ولكننا نحس إن تعددت هذه المواقف أن يتململ من لقاءات الصحفيين والاعتذار. نحن دولة عريقة في العمل الصحفي، لنا تاريخ طويل، وتجارب ورموز وأسماء كبيرة سطعت، وأساتذة عرفناهم منذ أن عرفنا الصحافة، مدارس وفنون وإبداعات متجردة ومتطورة، وصدق وأمانة في النشر، لم نشهد مثل هذه الأخطاء الكبيرة منهم. الآن لدينا أعداد كبيرة من الصحفيين، وهم درجات وأنواع، وفيهم الناجح والفاشل والمبدع والمتقوقع، وهنا تأتي مسئولية مجالس إدارات الصحف ورؤساء التحرير، والمجلس القومي للصحافة، واتحاد الصحفيين، لوضع الأسس والضوابط السليمة ممارسة المهنة الصحفية، والراعية والتدريب والتوجيه والمحاسبة. السلطة الرابعة واجبها أن تحمل الاسم بكل معانيه ومفاهيمه.