إخراج الإنسان من داخل الأرض ممكن .. لكن إخراج الأرض من داخل الإنسان غير ممكن .. فحتى لا نسير بأقدام مقطوعة في شارع إتفاقية أديس أبابا .. التي أقدمنا عليها بقلب مفتوح .. لأننا دعاة سلام .. لا نقبل خروج أرضنا من دواخلنا .. ولا استعجال على الحل .. فالأرض باقية والحق باقٍ .. فشارع التاريخ يسجل أن الانفصال لم يبدأ بتاريخ «30»يونيو .. الانفصال بدأ قبيل الاستقلال .. من توريت بدأت مسيرة انفصال الجنوب .. وطاولته التي أعلن منها ميلاد دولتنا الفتية .. تناثرت عليها دماء ضحايا مذبحة توريت المشؤومة .. ومن ساعاتها تفجرت الدماء وعم البلاء والخراب .. فمن «30» يونيو بدأت مسيرة السلام .. التي لم تفلح فيها اديس في مارس «1973».. فمن مارس «1973» خطى الإنفصال عبر حكم اقليمي .. حكم ذاتي .. فإذن الانفصال لم يأتِ بغتة.. فالذين يتهمون الإنقاذ بإنفصال الجنوب لا يقرأون التاريخ .. والذين يعلمون يزايدون .. فالإنفصال كان حتمياً .. لكن دعونا أن نبني الاستقرار والسلام لأجل الشعبين .. فقد سبق السيف العزل .. فعسى أن يلتئم العظم المكسور .. وعسى أن يشفى الجرح اليانع .. دعونا أن نخرج من زمن الرماد والبارود .. ولكن بأي كيفية .. هذا مربط الفرس .. فالإتفاق الأخير .. قبلناه ليعم السلام .. وحكومتنا أبدت حسن النية.. عملاً لا قولاً .. الرئيس أصدر قراراً بتصدير الذرة للجنوب .. فالمجاعة تطحن الجنوب.. فكان قراره قراراً إنسانياً قبل أن يكون قراراً سياسياً .. «بعض» الشارع الجنوبي لم يقبل بالاتفاق .. وبالذات مجموعة أبناء أبيي في الحركة الشعبية دينق الور وألبينو.. وحاكم بحر الغزال .. فهذا شأن داخلي لا يخصنا.. يخص حكومة الجنوب ورئيسها سلفاكير الذي إلتزم للعالم بهذه الاتفاقية .. فالسودان الذي رماه .. ابيل الير بأنه ناقض للعهود والمواثيق .. سبق للجنوب.. الذي ظل طيلة الفترة الانتقالية.. ناقضاً ومنتهكاً لاتفاقيه نيفاشا .. فالجيش الشعبي .. لم ينفذ انسحابه من الشمال .. حسب ما جاءت به نيفاشا .. بينما الجيش السوداني انحسب من كل أراضي الجنوب .. بنسبة 100% .. والفات مات .. فحكوماتنا لإبداء حسن النية .. وإلتزامها بالإتفاق إعتقلت اللواء قاي .. أحد المعارضين لحكومة الجنوب والوزير برنابا .. وزير الإعلام بدولة الجنوب .. يقول لا توجد معارضة سودانية بجوبا .. أو في أي شبر من أرض الجنوب .. بهذا التبسيط والاستغفال يتعامل الناطق الرسمي للجنوب .. ليبقى السؤال .. الذي إجابته أن المعارضة موجودة في الجنوب .. من عقار والحلو وعرمان .. وحركات دارفور .. والإ لماذا جاء في الاتفاق فك الارتباط .. كان حري بالوزير .. أن يقول لجريدة «الشرق الاوسط» التي حاورته .. أننا نعمل على ترتيب البيت من الداخل .. أو شيء من هذا القبيل .. فالمعارضة موجودة .. والكرة بملعب حكومة الجنوب .. لإنزال الاتفاق على أرض الواقع.. فالمواقف الزئبقية لا تفيد .. فهذه التصريحات توجب حكومتنا أن لا تندفع .. أن تنظر للأشياء بعين فاحصة فلا تنوم على عسل الاتفاق.. بل عليها أن تنوم «نوم المرفعين».. عين مفتوحة .. وعين مغمضة.. فهناك من يرتدون قفازات تخفي بصمات جريمة.. فليس «المدردم كلو ليمون».. وأظن أن نيفاشا تجربة يستفاد منها.. فحكومتنا التي ظلت تعمل من أجل السلام .. لا تحتاج لمرشد يرسم لها طريق الالتزام .. بما عاهدت .. فمنهجها الرباني .. يلزمها بالعقود والمواثيق .. فأول العقود والمواثيق الملف الأمني.. فإن التزمت حكومة سلفاكير بهذا الملف .. فكل العقود مقدور عليها .. وستتنزل بأسرع مما كان سلفاكير وحكومته .. أما أن تتباطأ حكومة الجنوب في الملف الأمني وبالذات في فك الارتباط بما يسمى بقطاع الشمال .. فإنها تكون قد نقضت العهود والمواثيق .. فبقاء عرمان وعقار والحلو وجبهتهم «الثورية» في جوبا .. خصم على اتفاق اديس ابابا .. فالقضية ليست قضية حريات أربع .. التي جعلتها جوبا .. كأولوية .. القضية هي بناء الثقة.. التي لا تتم الا بفك الارتباط وتسريح الفرق التاسعة والعاشرة.. ولا هي تجارة الحدود ولا البترول.. القضية بناء الثقة.. واحترام السيادة .. والتعاون الحقيقي .. الذي لا يتم في وجود معارضة سودانية .. تجد الدعم من الجنوب.. أعتقد أن الرئيس سلفاكير صادق في وعده .. وملتزم بما جاء في الاتفاقية.. لكن أبالسة الشر .. هم «دُقارات» في طريقه .. فقد ظلوا طوال مسيرة البحث عن سلام بين الشمال والجنوب «متاريس» للسلام والاستقرار في المنطقة .. فهم الذين غوضوا الانفصال .. الذي كان سليماً وسلساً فما كان يحتاج لحروب وقطيعة .. لولا أنهم رموا بالهويش في النار .. فكانوا وراء احداث الدمازين وتلودي وهجليج وأبيي .. فهم القشة التي قصمت ظهر التعايش والبعير معاً .. فهم مازالوا في مفاصل حكومة الجنوب .. وصدقوني لن يهدأ لهم بال ما دام هناك فسحة للتعايش بين الشمال والجنوب .. لذا لابدّ لحكومتنا كما قلت أن تنظر للأشياء بعين نسر .. وتنام نومه «مرفعين».. ففي التفاصيل يكمن الشيطان .. والعرب قديماً قالت كُن أحذر من غراب!!.