اللواء شرطة (م) جمال علي حلمي.. برغم أن الكتوف اتلاحقت بعد أن توقف (نموي الديابيري) بسبب تقاعدي بالمعاش (الإضطراري).. فهو يصغرني عمراً بعشر سنوات.. وقد التقيت به في دهاليز العمل المختلفة.. وأصبحنا صديقين.. ولكنه وبكل الصدق لم يلمح لي بأنه مصاب بهوس الكتابة مثلي.. ولما اتصل بي.. وأهداني كتابين من تأليفه.. دهشت جداً.. ولما قلبت صفحات الكتابين.. ازدادت دهشتي.. وأيقنت بأني أمام كاتب خرج للناس وانطلق في سكة الكتابة (بنمرة أربعة).. في مسلسل سماه (العجائب والغرائب).. وأصدر من هذا المسلسل الكتابين اللذين بيدي .. مع عشرة مؤلفات أخرى تحت الطبع جميعها روايات.. بالإضافة إلى مسرحيتين.. والله وحده يعلم .. إلى متى تظل هذه التحف الأدبية .. تحت الطبع..! لقد جلست إلى مكتبي في المنزل .. وبدأت أقرأ في رواية (فرصة أخرى) برجاء أن أكملها خلال يومين.. وهي رواية خيالية جداً .. تحكي عن رجل سوداني في الخامسة والاربعين من العمر .. مطارد من أجهزة الأمن السياسي .. دخل في دوامة هوائية .. أثناء إحدى المطاردات.. فنقلته الدوامة إلى سيبريا وعادت به القهقري ليجد نفسه شاباً في عمر السادسة عشر اسمه ديفيد .. يتحدث اللغة الروسية ويحيا مع أسرة من أب وأم وأخت.. والأصدقاء كلهم روس يعرفونه.. ويبادلونه الود ويتعامل هو معهم.. كما يريدون .. ويخفى في نفسه مازال عالقاً وراسخاً بها من شخصية (الطوخي) التي لازمته في السودان.. حتى العام 2012.. ثم اخترقت به الدوامة الهوائية الزمن.. فأعادته إلى عام 1990 شاباً روسياً..!! وجدت انه من الصعب تلخيص مثل هذه الرواية.. لتعاقب حلقاتها المذهلة .. وقفزها عبر حواجز الزمان والمكان .. لتتجاوز الحقيقة وتتخطى الخيال..! .. وبالرغم من أن مثل هذه الأعمال الأدبية الخيالية التي تخترق الأزمنة.. إلى الوراء .. أو ترمي قدام كما نقول .. قد حاولتها بعض الأقلام.. إلا أن اللواء حلمي بدقة الشرطي المتناهية.. قد حبك هذه الرواية حبكة (ما تخرش الموية)!! وفكرة أن تحيا في عصر سحيق مضى.. أو عصر بجهول قادم.. تراود كل انسان.. وهي ليست حكراً على أحد.. ولكن حلمي بذكائه الواسع وعلمه الغزير وثقافته المتلونة قد تفوق في إمتاع القارئ بوجبة شهية من المعلومات في طبق من الخيال..! لقد أكملت قراءة الرواية كما يقولون (ون قو) .. وانتقلت مباشرة إلى رواية (الكاو نجارو) وأجهزت عليها بنفس واحد.. وجلست غير مصدقاً.. فالرجل قامة روائية شامخة.. لا تقل عن القامات الأخرى التي إطلعت على مؤلفاتها.. بل انني لم أصدق البتة بأن رواية (الكاو نجارو) أو (الأفق المفقود) هي من نسج خيال الكاتب.. لأنه استطاع ببراعة فائقة أن يمزج بين الحقيقة والخيال مزجاً جميلاً حتى جاءت الرواية مثل كوب (شاي اللبن) الساموطي.. يتعذر على من يتذوقها .. أن يميز بين الشاي وبين اللبن أو يفعل كما زعم (انطون الكرة) متحدياً بانه يستطيع أن يشفط الشاي من الكباية ويخلي اللبن واقف براهو الله ورقبتو..!! أيها السادة .. وزراء الثقافة .. ويا صديقي السمؤال خلف الله.. ويا أولاد (شرطتنا) الفريق أول ابوهاشم والفريق العالم د. العاجب .. إن من بين نجوم الشرطة التي على الكتوف نجوم في سماء الآداب والعلوم والفنون.. ولو انني أردت أن أعد وأحسب من سبقونا أو عاصرونا أو أتوا وسيأتون من بعدنا.. لطالت القائمة.. فهلا تكرمتما .. بتكليف لجنة تحصر المبدعين من رجال الشرطة.. وتجمع ما صدر منهم وما تحت الطبع.. وتكرم من يستحق منهم التكريم حياً كان أو ميتاً..؟! إفعلاها يرحمكم الله وإن لم تفعلاها فلن يفعلها أحد من بعدكم..!!