يخطئ الكثيرون من الاخوة في الصحف السيارة والمصارف كذلك عندما يتحدثون عن قضية «الاعسار» في المصارف السودانية.. ويخطئون كثيراً في استعمال هذه الكلمة «اعسار» التي يقصدون بها حدوث«عقبات» ومشاكل وتعقيدات أدت إلى عدم مقدرة العملاء على الإيفاء بالديون في موعدها.. ولا يجوز أن نطلق لفظ الاعسار على المتعاملين مع الجهاز المصرفي من الذين لديهم مرهونات وضمانات وأعمال متحركة وثقة تسليفية CREDIBILITY وأجدني مضطراً لتنبيه الاخوة في مجال الصحافة لعدم الوقوع في هذا الخطأ والابتعاد عن لفظ ومفهوم الاعسار عند معالجة قضايا النزاعات بين المصارف وعملائها.. ويبقى أن نقول إن القضية كان يجب أن تسمى بمشكلة«الإنفلات الزمني».. في المصارف أو يمكن أن تسمى تجاوزا بالتعثر المصرفي وهو شئ غير الاعسار ويختلف عنه في الكم وفي النوع وفي المعالجة.. والاعسار ليس له أية معالجة غير الإنتظار إلى حين ميسرة، وهذا أمر أخلاقي وشرعي تأمر به الأديان وكريم المعتقدات ويؤيده قرار المحاكم السودانية في الأمر بإطلاق سراح كل من يثبت اعساره بموجب قضايا ودفوعات الاعسار المعروفة.. وقد قام جيراننا في جمهورية مصر العربية بمعالجة «التعثر» في مصارفهم على نحو يشهد له الجميع بالمعقولية والعقلانية وسعة الصدر والتفهم الكامل لابعاد القضية. وما حدث في جمهورية مصر العربية عندما تفاقمت مشكلة «الإنفلات الزمني« المسمى عندنا خطأ ب«الاعسار في المصارف» هو أن الكثيرين من رجال الأعمال هربوا او اختفوا من وجه العدالة وفيهم الكبار والصغار وأصحاب الملايين وأصحاب المليارات من الدولارات، ولم تقم البنوك بالتشهير بهم وفضح أسرارهم ولم تقل انهم«جوكية».. بل تدخل رئيس الجمهورية الأسبق حسني مبارك شخصياً وطمأن الفارين منهم ووعدهم بالعفو أن حضروا وطمأن«المخندقين».. إن كان هناك«مخندقين» مثلنا.. ومن المؤكد انهم في مصر ليس لديهم نيابة مصارف أو نيابة جمارك أو نيابة تلفونات.. وكهرباء، بل عندهم نيابات وقضاء فقط.. ثم وجه رئيس الجمهورية العاملين بالجهاز المصرف أن يقوموا بجدولة الديون إلى فترات تراوحت بين ثلاث سنوات للديون الصغيرة إلى خمسة عشر عاماً للديون الضخمة.. ثم وجه بإعادة تمويل أصحاب المشاريع والصناعات والخدمات حتى لا يخرج هؤلاء من دائرة الإنتاج في البلاد.. وذهب الرئيس المصري الأسبق إلى أبعد من ذلك بان قام بمساعدة بعض رجال الأعمال المصريين وبعضهم مستثمرين معرفين جداً« عندنا هنا» وأخذهم من أيديهم وقدمهم إلى بعض النافذين في دول الخليج الذين قاموا بتنسيق عمليات تمويل ضخمة أعادتهم إلى سلاسة التعامل المصرفي.. وكان من بينهم أحد الذين بلغت مديونياتهم أكثر من مليار دولار أو تزيد.. وبالطبع استطاع هذا الرجل أن يركب مرة أخرى في قطار الإنتاج والتفاعل الاقتصادي وأن يعاود نشاطه في مصر وفي بلدان عربية وافريقية أخرى.. وصحيح أن قضية التعثر المصرفي والإنفلات الزمني قد ضربت الاقتصاد المصري باضعاف ما حدث عندنا فقط كانوا هناك أكثر وزناً للأمور وأكثر يقظة وأعطوا للرأي والرأي الآخر فسحة من الوقت وأعطوا للحلول العملية هامشاً من رحابة الصدور والعقلانية فاستطاعوا في مصر أن يحلوا المشكلة ويتجاوزوا الأزمة ويخرجوا منها بأقل الخسائر. وفي حالة السودان لابد أن نفهم بان هناك ديوناً جادة تحتاج إلى معالجة بعيدة عن البوليس والنيابة والمحكمة وسجن كوبر وسجن الهدي.. ولابد أن نفهم أن عملاء البنوك هم مواطنين لم ينهبوا البنوك ولكنهم جاءوا وتقدموا بدراسات وطلبات رأت فيها البنوك من الجدوى والمنطق ما جعلها تفتح خزائنها ليأخذوا منها.. فان كانت هناك أخطاء في التنفيذ والتطبيق والضمانات فهي أخطاء تخص البنوك ولا تعني العملاء بأي حال من الأحوال.. خاصة اولئك العملاء الذين رهنوا ممتلكاتهم للمصارف وقبلتها هذه المصارف بالقيمة التي قدرتها عبر شركاتها. وكان العقل والمنطق والتفكير السليم يقول بان تقوم المصارف بشراء المرهونات وقبولها بقيمتها التي قدرتها بها وتشغيل بعضها مثل المصانع والمزارع والمطاحن ومعاصر الزيوت والناقلات حتى لا تتوقف عجلة الإنتاج وتفقد البلاد بنياتها التنموية والصناعية بسبب قرار متسرع يدعو إلى بيع كل المرهونات التي انهارت أسعارها لكثرة المعروف منها ولقلة القادرين على شرائها فلا البنوك استردت حقوقها الكاملة ولا العملاء فكوا رقابهم من السجون وحراساتها ولا البلاد استفادت من الانتاج.. بل زاد الطين بلة بتشريد العاملين بعد إعلانات البيع فانضم بعضهم لحركات التمرد وذهب البعض الآخر متسولا إن لم يتمكن من حمل السلاح .. ومرة أخرى نذكر بان أي مرشح في الانتخابات القادمة يرفع شعار اصلاح الجهاز المصرفي وتعديل قانون الصكوك المرتدة وإلغاء قانون يبقى حتى السداد سيكون هو الفائز..!