«زي نحن مافي السودان».. حملة أطلقها الرجل الجالس بقربي وهو يتلصَّص على الصحيفة التي بيدي والتي كان «مانشيتها» الأول : ثلاثة شباب يغتصبون طفلة ويقتلونها. المركبة العامة التي كنت بها ضجَّت بالهمهمات والسخط، كلهم يتفق على أنَّها «عمايل غريبة علينا»، ولكنَّا نتفق بأنَّها أصبحت من الجرائم العادية في البلاد، بدأت كظاهرة وهي الآن لا أحد يستغربها، فكل صباح نكتشف أنَّ ليلة أمس اغتصب طفل أو طفلة.. بل يتعداهم الأمر إلى أنَّ هذا الجسد الصغير قد تمَّ اقتسامه وتبادلته مجموعة من الكبار والأقوياء، ثم بغرابة قتلوه ليداروا سوءتهم وانفض سامرهم، نعم غادروا إلى بيوتهم كأنَّ شيئاً لم يحدث.. سينامون ويحلمون ويغادرون أسرَّتهم في الصباح بهدوء ولطف، ويبدون دهشتهم لاختفاء طفلة «الجيران»، الصغيرة ويبحثون مع أسرتها المكلومة.. ويربت أحدهم على كتف أمها.. «الموجوعة» ليطمئنها بأنَّهم سيجدونها يربت على كتف الأم صباحاً بذات اليد التي قتلت فلذة كبدها ليلاً!! ولأنَّ الحادثة هي تركيبة لمجموع جرائم تبدأ من الاغتصاب وتمتد للقتل والتستُّر وخيانة الجيرة والبراءة وإلحاق الأذى الجسيم بالمنطقة مدى الحياة وجب علينا أن نفتح هذا الملف. هكذا.. كانت خرجت الصغيرة ذات الأربع سنوات لتشتري حلوى من «الدكان» وأمها مشغولة بواجباتها في المطبخ قلقة على من أن يأتي زوجها وبقية أفراد أسرتها قبل انتهائها، ومطمئنة على صغيرتها لأنَّ أبناء الجيران «إخوتها» كما تربت هي سيحمونها، ولأنَّها تعلم أنَّ جارهم الشاب الضحوك وأصدقاءه الاثنين كعادتهم يقضون هذا الوقت أمام منزلهم «فهم اليوم ليس لديهم دوام عمل ولا يدخلون إلى منزلهم إلا عندما تناديهم هي ليأخذوا الأكل الذي وصى زوجها بضرورة توفيره لجيرانهم «العزابة» كعادة كل السودانيين. والصغيرة تأتي لأنَّها تعرفهم فمن نشأتها وهي تشاهدهم يأخذون صينية الأكل من الحائط ويعيدونها، وعلمت من أبيها وأمها أنَّهم أعمامها و«خيلانها» لذا لم ترتعب أو ترفض عندما حملها أحدهم ودخلوا بها. تقاسموها بينهم بدم بارد ثم قتلوها.. وتجمعوا بعد أن أخذوا صينية الأكل التي أعدتها أمها من الحائط وجلسوا يأكلون وهم يضحكون!! الأم تبحث.. والأب يتصل بالشرطة.. الجيران جميعهم يبحثون مع إخوتها، والجار يجيب حين يسأله أحد المارة في شنو؟ مرام ما جات.. والشرطة في اليوم الثالث تكتشف الجريمة والجناة.. والكل يصمت من هول المفاجأة. خلل بائن الاختصاصية الاجتماعية شهيرة بدر الدين تقول عن القصة إنَّها توضِّح مدى الخلل الكبير الذي أصاب البنية التركيبية للمجتمع السوداني.. فتفشِّي العطالة وانتشار المخدرات والإدمان يؤدِّي إلى هذا الشرخ الذي ينتج عنه هذا الخلل.. يجب أن تكون هناك قوانين رادعة تحمي الأطفال والمجتمع ويجب أن تحارب المخدرات وتوفر فرص العمل. من المحرر: مرام ما جات.. وهي لن تأتي أبداً مادامت مكدسات العطالة تزيد يومياً في البلاد.. وستكون المخدرات ملاذاً وملجأً للشباب.. وسنصحو كل يوم بدهشة لنسأل في شنو؟؟ ليجيبنا أحدهم : مرام ما جات.