اليوم أفسح المجال للدكتور منير جبرة - الأمين السابق لهيئة مكافحة الجراد الصحراوي في المنطقة الوسطى التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة بالأممالمتحدة - يتحدث عن نزوله لسن المعاش في 2011 بفهم عالي، يعبر عن سعادته وفرحته لتفرغه من أجل أسرته وأولاده، وإتاحة الفرصة لغيره، واقتناعه بسنة الحياة التي حاول البعض الالتفاف حولها بشتى الطرق. الأخ يوسف سيدأحمد خليفة تحياتي، وبعد،، أهدي إليك هذا المقال البسيط، سارداً فيه تجربتي العملية وحتى وصولي إلى سن المعاش، فمنذ تخرجي في كلية الزراعة في العام 1972م، التحقت بإدارة وقاية النباتات بالسودان، وعملت في شتى المجالات لفترة تصل إلى 24 عاماً، وقد عملت بمؤسسة السوكي الزراعية في الموسم الذي تلى إنهيار بيارتها الأولى، بعدها اشتركت في تأسيس معمل تحاليل المبيدات بودمدني، ولقد تحصلت على الدكتوراة من جامعة لندن وعمري لم يتجاوز الحادي والثلاثين، ومنذ العام 1986م عملت في جل عمليات مكافحة الجراد المختلفة، وخاصة الجراد الصحراوي، وقد وضعت أسس عمليات التقييم الحيوي لمبيدات الجراد الصحراوي بصدد تسجيلها في السودان طبقاً للوائح وقانون المبيدات، علماً بأنني كنت عضواً فاعلاً في اللجنة القومية للمبيدات، والتي أصبحت فيما بعد المجلس القومي للمبيدات، أيضاً - ومن أجل سلامة البيئة، وفعالية عمليات المكافحة - وضعت أسس تقييم آليات الرش والتعفير المستعملة في مكافحة الجراد، وفي الفترة التي تدنى فيها إنتاج الصمغ العربي، ساهمت بوضع إستراتيجية مكافحة جراد ساري الليل، الذي كان من أحد الأسباب، الأمر الذي أدى إلى رفع مستوى إنتاج الصمغ العربي مرة أخرى، وفي خلال هذه الفترة، قمت بتمثيل السودان في عدد من المؤتمرات والاجتماعات الإقليمية الدولية، أيضاً عملت مستشاراً للبنك الدولي بالسودان، لحصر وتقييم المبيدات التالفة، ووضع تصور للتخلص منها، ولتدريب أمناء مخازن المبيدات على أساليب التخزين السليم للمبيدات، أيضاً عملت مستشاراً إقليميا لمنظمة الأغذية والزراعة في كل من تشاد ومالي وتونس. لكل النشاطات والإنجازات أعلاه، تم اختياري في 1996م للعمل في مشروع مكافحة الجراد الصحراوي الوقائي كضابط وطني في مكافحة الجراد الصحراوي، ثم اختياري في2001م في منصب أمين هيئة مكافحة الجراد الصحراوي في المنطقة الوسطى لمدة تناهز العشر سنوات. في العام 2011م «نزلت للمعاش» كما نقول نحن في السودان، كنية عن ترجل الفارس عن صهوة جواده، وهي نظرة تشاؤمية لكل من يصبح في المعاش، أو كما يقول إخوتنا المصريون، طلعت للمعاش كناية عن الخروج إلى بوابة الحرية والانطلاق، وهي نظرة تفاؤلية حقيقة، أنا أميل إلى النظرة التفاؤلية لدى الإخوة المصريين للطلوع وليس النزول للمعاش، بدليل أن جميع زملائي أسرعوا لتهنئتي «لطلوعي المعاش»، وأنا في أتم صحة وعافية، وذلك للانخراط في المجتمع في مجالات أخرى، والاهتمام بالأسرة، لأنه لم يكن هناك من الوقت للقيام بهذه النشاطات قبل المعاش. أنا جد سعيد جداً بكوني معاشي، واعتز بذلك كثيراً، لأن فيه تكريم للإنجازات التي تمت أثناء الخدمة الطويلة التي قدمتها لهذا الوطن وللمجتمع الإقليمي والدولي، وأصدق دليل على ذلك، أنه تمت دعوتي لحضور اجتماع لجنة مكافحة الجراد الصحراوي الدولية DLCC بروما في الفترة من 19-22 يونيو 2012م، وذلك من أجل تكريمي «لطلوعي» المعاش، ومن أجل الإنجازات الجليلة التي أنجزتها خلال عملي بالمنظمة الدولية، هذا فقط موجز لسيرة ذاتية طويلة، وصفت من بعض الزملاء بالعطرة. حقيقة يجب أن نعلمها تماماً، سواء أنزلنا أو طلعنا المعاش، إن الحياة عبارة عن ساقية تدور ولا تتوقف، كما أن الشمس ما أشرقت إلا لتغرب حتى تشرق من جديد، إنها سنة الحياة، لا بد أن نتناوب لتوصيل شعلة الأمل والحياة إلى بر الأمان لرفاهية الإنسان، وكما يقال ويشاع أن حواء ما زالت ولادة، والتي أنجبت زيد يمكنها بالطبع أن تنجب عبيد، من أجل ذلك أجد نفسي غير مؤيد لتمديد عمل المعاشي، وذلك لعدة أسباب، منها بيولوجي أو فسيولوجي لكبر السن، ولا بد من فسح المجال بعض الشيئ للأسرة، والأهم أن هناك مستجدات وتقنيات حديثة لا بد من مواكبتها، وفي هذه الحالة - مكره أخوك لا بطل - لا بد من إفساح المجال حتى يأتي دور الشباب والأجيال الصاعدة، وأن لا نتركهم جيوش جرارة من القدرات المعطلة والعاطلة، مما يترتب عن ذلك من سلبيات على المجتمع بأسره. لذلك أنا من مؤيدي قرار رئاسة الجمهورية الذي صدر منذ عدة سنوات، القاضي بضرورة إنهاء الخدمة والتقاعد عن وصول سن المعاش، وأن لا يتم التمديد إلا في حالات تخصصية نادرة استثنائية، أن يكون هناك إنجاز يشار إليه بالبنان، فكيف الحال إن تم التمديد لمعاشيين لا إنجاز لهم اثناء خدمتهم قبل المعاش، فماذا نتوقع منهم - وهم معاشيون - غير الهدم والتكسير وعدم الانضباط، مع التخبط في أمور فرعية لا علاقة البتة لها بالعمل والتطوير في الخدمة المدنية، وأهلنا قديماً قالوا:(كيف يستقيم الظل والعود أعوج). نصيحتي لكل من يصل إلى سن التقاعد أو المعاش أن يترك طواعية الشعلة إلى غيره، يكون أكفأ وأقدر على الإنجاز وتحمل المسؤولية، نصيحتي أيضا للمعاشي أن يستمتع، ويدعو ربه بقية أيام سنوات حياته، مع أمنياتي لكل معاشي بالخير الصحة والرفاهية، وللسودان التقدم والازدهار. حفظ الله السودان ورعاه دكتور منير جبرة الأمين السابق لهيئة مكافحة الجراد الصحراوي في المنطقة الوسطى منظمة الأغذية والزراعة - الأمم المتحدة