الزكاة ركن من أركان الإسلام، وهذا من المعلوم من الدين بالضرورة، ولكن العبرة بالتطبيق والعمل بالأركان وليس بمجرد الإيمان، وقد أعجبني قول إحد العلماء في معرض حديثه عن أركان الإسلام وتفسيره للحديث (بني الإسلام على خمس - شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة...الخ الحديث) ثم تساءل إذا كانت هذه هي (الأركان) فأين (البناء) ثم أجاب بان (البناء) هو العمل بهذه الأركان وتطبيقها تطبيقاً عملياً فان كنا نؤمن من بوجوب الصلاة ولا نوديها ونؤمن بوجوب الزكاة ولا نؤتيها الخ فان هذه (الأركان) تصبح بلا (بناء) ولا يكون البناء مكتملاً ما لم يتم البناء على هذه الأركان كالعمارة التي أقيمت أركانها وأعمدتها بالاسمنت والسيخ والخرصانة ثم تركت دون توصيل البناء بين الأعمدة ودون سقف عليه فان العبرة بتطبيق هذه الأركان تطبيقاً عملياً وليس مجرد الإيمان بها وهذا يشبه قول أحد العلماء الذي قال في شرحه لكلمة التوحيد ( إن لا إله إلا الله) هي مفتاح الجنة ولكن ما من مفتاح إلا وله (أسنان) ليكون مفتاحاً صالحاً للفتح. والعمل بأركان هو أسنان مفتاح لا إله إلا الله الذي يدخل الجنة. والقران الذي جاءت فيه هذه الأركان مجملة وفصلتها السنة إنما هو منهاج حياة المسلمين وقد أنزل لنأخذ منه كل ما يتعلق بحياتنا وعباداتنا، وهكذا كان تعامل المسلمين بالقران في صدر الإسلام الأول وقد ذكر أحد العبادلة رضي الله عنهما عن كيفية تطبيقهم لما جاء في القران ما معناه (كنا لا نتجاوز العشر آيات حتى نقرأها ونتعلم ما فيها من علم وعمل وبذلك تعلمنا العلم والعمل به) وهكذا تعلموا العلم والعمل معاً وقد وصفهم الشهيد/ سيد قطب رحمه الله بانهم كانوا في تلقيهم بما نزل من القران ولما جاء في الكتاب والسنة كانوا يتلقون (التلقي للتنفيذ) كالجندي في ميدان الحرب يتلقى الأوامر من ضابطه الأعلى ثم يقوم بتنفيذ تلك الأوامر فور تلقيه لها هكذا كانوا قبل انقطاع الوحي وبعده. ومن الأمثلة التي ذكرها انه عندما نزلت آيه تحريم الخمر عملوا بها في اللحظة والتو وقالوا (اللهم انتهينا) وهلموا القلل وشققوا القرب التي كانت تحوي الخمر حتى إن رائحة الخمر كانت تشم في شوارع المدينة اسبوعاً كاملاً بل منهم من (تقيأ) ما شربها عندما بلغه خبر تحريم الخمر وقد توقف المسلمون عن شرب الخمر (باية واحدة) بينما صرفت امريكا في ولاية واحدة من ولاياتها مليارات الدولارات لمنع شرب الخمر في من هم دون الثامنة عشرة من العمر ولم يمتنعوا ومن الأمثلة انه عندما نزلت آية تحويل (القبلة) من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة وجد أحد المسلمين جماعة من المسلمين لم يبلغهم خبر تحويل القبلة إلى الكعبة يصلون إلى اتجاه بيت المقدس ووقف بجانبهم وقال لهم إن الله قد أنزل (قراناً) بتحويل القبلة إلى الكعبة فما كان منهم إلا أن تحولوا إلى جهة الكعبة وهم في صلاتهم فعلوا ذلك لمجرد سماعهم أن هناك قراناً قد نزل بتحويل القبلة، ولم يسألوا متى كان ذلك أو في أية سورة أو أية الخ انه تلقى القران للتنفيذ ومن أجل هذا أنزل وهكذا يجب أن يكون تعامل المسلمين (بالأركان) وبخاصة تلك المعلوم وجوب العمل كالزكاة والتي يجب أن لا تغيب عن حياة المسلمين. وإذا رجعنا إلى ركن الزكاة والعمل به نجد أن هذه الشعيرة والركن المعلوم من الدين بالضرورة وبآيات قطعية الثبوت والدلالة كانت من (العبادات الغائبة) عن حياة مجتمعنا المسلم وإن كان البعض يؤديها (بصورة فردية) على فقراء أهله وأقاربه أي لمصرف واحد والمصارف السبعة (معطلة) غير معمول بها. لقد غابت هذه الشعيرة في بلادنا عن حياة مجتمعنا منذ فترة الدولة المهدية الاسلامية وحتى أعيدت في حياة الأمة في العام 0991م كامو سلطاني وصارت بلادنا هي وجهة كل الدول الاسلامية التي تريد تطبيق الزكاة في بلادهم للاستفاده من تجربتنا في التطبيق ولئن تم إنشاء إدارة لخطاب الزكاة في ديوان الزكاة، فهذا لا يعفي علماء وأئمة المساجد والدعاة والوعاظ في بلادنا من تناول كل ما يتعلق بفقه شعيرة الزكاة وتوضيحها للمسلمين مع الحث على التطبيق وهذا من أهم واجبات وزارة التوجيه والتنمية الاجتماعية والزكاة هو (الركن الاقتصادي) الأول في المجتمع المسلم والتي يمكن أن تسهم في (التنمية الاجتماعية) بصوره فاعلة وعلى مجلس الدعوة التابع للوزارة والمسئولة من الأئمة والدعاة، دور مهم في الإهتمام بفقه هذه الشعيرة التي كانت غائبة وأعيدت حتى لا تغيب مرة أخرى وتكون كالصلاة والصوم من حيث وجوب العمل بها ولا بد من التنسيق بين هذه الوزارة وبين ديوان الزكاة لنشر فقه هذه الشعيرة والمجتمع في حاجة ماسه إلى معرفة فقه هذه الشعيرة بإعتبارها كانت غائبة عن حياة الأمة وأعيدت للعمل بها. إن الأمر أمر (دين وعبادة) ويهم جميع المسلمين تماماً كالصلاة والصوم وجزي الله مولانا محمد ابراهيم محمد الأمين العام الأسبق للزكاة (أفقه فقهاء الزكاة) هكذا (نحسبه) كان يخاطبنا ويخاطب المسلمين بقوله إن (الزكاة جاءت مقرونة بالصلاة في القران في عشرات المواضع) مما يدل على أن كلتاهما يجب العمل بهما وتطبيقهما حتى لا نكون ممن آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعضه وكان يرد على من يعترضون على مباني الديوان وعماراتها بقوله (إن الصلاة والزكاة ركنان فلماذا يبني المسلمون المساجد والمآذن ويعدونها بطريقة جميلة لأداء الصلاة فيها الخ ويريدون أن تؤدي شعيرة الزكاة في رواكيب)؟؟ إن الأمر (أمر دين) ولا ينبغي أن توكل مخاطبة المجتمع المسلم في ما يتعلق بهذه الشعيرة لخطاب الزكاة وإدارته وحدها وكثيراً ما نجد في حلقات العلم في المساجد من يتحدثون عن الصلاة والصيام في شهر الصيام او الحج في موسمه الخ ولا يتحدثون عن الزكاة ربما كان ذلك لغياب ركن الزكاة في السنين الماضية ولكن بعد إعادة هذه الشعيرة في حياة المجتمع يجب على الأئمة والدعاة وحلقات العلم في المساجد الإهتمام بفقه الزكاة تماماً كما يهتمون بفقه الصلاة والصوم والحج الخ وكذلك في خطب الجمعة في كل المساجد. ربما يقول قائل إن الزكاة من العبادات المالية المرتبطة بشروط وأنصبة محددة وليست واجبة على كل المسلمين الذين يعمرون مساجد لله ونقول مستعيناً بالله وحده إن الذين يعمرون مساجد الله بالنسبة لشعيرة الزكاة هم ثلاث فئات وهم المكلفون (دافعو الزكاة) وهؤلاء في حاجة إلى معرفة النصاب وكيفية أداء الزكاة وكيف تعرف ما يؤدونها من زكاة؟ وكيف تكون ولاية الدولة على الزكاة وهل يجوز أن يؤدي المكلف زكاته بصورة فردية في وجود ديوان للزكاة وسلطان يأمر بأداء الزكاة وهذه من أهم المسائل وبخاصة أن الشعيرة كانت غائبة كما ذكرت وإن كان البعض يوديها بصورة فردية ومازال هناك من يرى جواز أداء الزكاة بصورة فردية، كما كان الحال قبل إنشاء ديوان الزكاة والكثيرون من دافعي الزكاة يجهلون إن الله جل وعلا لم يترك تقسيم الزكاة لبشر كائناً من كان إنما هو التقسيم الالهي الذي جاء في آية المصارف (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم ...الخ) والدولة هي التي تقوم بهذه المهمة كما تقوم بمهمة الأخذ من المكلفة. اما الفئة الثانية من الذين يعمرون مساجد الله فهم ما بين المكلفين الذين تجب عليهم الزكاة وبين الفقراء الذين يستحقون الزكاة وهؤلاء ايضاً يجب أن يعملوا متى يكون الزكاة واجبة على المسلم ومتى (تكون ربما ترتفع حالتهم إلى مكلفين او مستحقين للزكاة وعليه أن يعلم متى يكون ذلك. اما الفئة الثالثة من عمار المساجد فهم الفقراء والمساكين والذين يستحقون الزكاة وهؤلاء ايضاً يجب أن يعلموا متى يكون المسلم مستحقاً للزكاة ومتى لا يكون؟ ومما تقدم يتضح لنا أن حلقات العلم في المساجد ومن يتحدثون في المنابر عن العبادات وأركان الاسلام لابد أن يولوا الزكاة اهتماماً أكبر حتى يلحق كل أفراد الأمة في فقههم للزكاة بالأركان الأخرى وذلك حتى نعبد الله على بصيرة والله المستعان.