إن الحقيقة التي يجب ألا تفوت على الرئيسين القائدين إن بلادهما تعيشان صراعات مخيفة ودامية وليس من مصلحة البلدين ان تستمر الاوضاع على هذه الشاكلة، وخاصة أن الرئيس المشير البشير الذي يعتبر اعظم قادة القارة والقائد الرمز سلفاكير الذي يعتبر أميز قادة القارة وعقلائها تجمعهما علاقات اخوية وصداقية متينة، وهما قادران لتجنيب بلديهما هذا المصير الكالح عن طريق الاسراع بإجراء مفاوضات حرة رضائية وتفويت الفرصة على الساعين لاشعال حروب جديدة جانبية بين الدولتين بعد أن أدركا أن المستقبل لمصلحة السلام مهما كانت الظروف، ولقد كنت من السياسيين السعداء الذين التقوا مع الرئيس البشير بعد ثلاثة اسابيع من اندلاع ثورة الانقاذ في أيامها الاولى وتناقشنا بحضور عضو مجلس قيادة الثورة العقيد مارتن ملوال والقيادي آدم عيسى عبدالعزيز، وأكد الرئيس أن مهمته إنهاء قضية الحرب سلماً والعودة بالبلاد إلى مسارها الديمقراطي، حيث أن الشعب السوداني يعشق الديمقراطية، فالإنقاذ منذ البداية كانت قومية الطابع ووطنية الحدود لم يجىء بخلد قائدها أن هناك فئة حزبية أو دينية قادرة على احتكارها أو المتاجرة بتوجهاتها، ومن خلال هذا التوجه اتجه الرئيس الى تكوين لجنة للحوار الوطني برئاسة عضو مجلس قيادة الثورة العقيد الركن محمد الامين خليفة، هذه اللجنة التي ضمت في عضويتها نخبة سياسية وطنية وضعت السودان في حدقات عيونها وخرجت بمقررات وجدت قبولاً ومساندة دولية، حيث أصبحت هذه المقررات أرضية للتفاوض مع الخارجين على الحكومة.. وتمخضت عنها أيضاً قيام مؤتمرات إقتصادية ودينية عقيدية وإجتماعية وتعليمية وثقافية انتهت الى قيام المجلس الوطني الانتقالي الذي أصبح أحد أذرع السلطة الدستورية الثلاثة السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية. وهو المجلس الذي بارك إتفاقية فرانكفورت التي نال الجنوبيون حقهم في تقرير مصيرهم الذي أصبح مدخلاً ومكسباً في كل الاتفاقيات التي أبرمتها الحكومة مع المقاتلين الجنوبيين فيما بعد أدى الى انفصال الجنوب. فإذا كان الجنوب قد أصبح دولة مستقلة فإن واجب السودان العمل معاً لتحقيق التكامل والتنسيق عبر علاقات تعاونية تعاقدية حرة رضائية لمصلحة البلدين.. فمن خلال بوابة التعاون الإقتصادي وفي مجال التجارة البينية والاستفادة من العقول السودانية النيرة في إقامة البنيات التحتية للدولة الوليدة وتبادل العقول في التدريب ليكون ذلك محور اهتمام الدولتين في المرحلة القادمة.. فإذا كان الرئيسان قد أقرا الحريات الأربع فإن ذلك يعنى إعطاء الشعب السوداني في دولتيه المزيد من الفرص لبناء الثقة في مصيره المشترك وربط مصائرها بروابط لا يمكن إهمالها ولا يمكن القفز فوقها حتى ولو تسببت الخلافات السياسية فلا يمكن الفكاك من هذا المصير المشترك وحسناً ما فعل الرئيسان عندما بدأ حوارهما المسؤول بملفات تراعي مصلحة البلدين بدلاً من تلك الملفات التي قادت الى توترات وإحتراب .. فأمام الدولتين الآن موجهات مهمة وهي: اولاً: تقريب وتعضيد المصالح الإقتصادية والتجارية البينية. ثانياً: اتحاد جمركي بين الدولتين. ثالثاً: الاستثمار البيني في مجالات البترول والاتصالات. رابعاً: فتح الطرق عبر الشبكات للنقل والمواصلات وفتح المعابر النهرية. خامساً: حرية الانتقال والتملك وانتقال رؤوس الاموال وضمان حقوق مواطني الدولتين. سادساً: التعاون في مجال المصارف وتوظيف الاموال. سابعاً: التعاون والتنسيق الأمني وضبط الحدود من المنفلتين وتجريد المعارضين من الاسلحة وعدم السماح لهم باستغلال أراضي أي دولة من الدولتين لترويع مواطني الدولة الاخرى. فالجنوب الآن قد أدرك أنه لا يمكن أن يتحدث عن مستقبله دون مستقبل السودان لأنه لا يمكن أن يغفل دور السودان السياسي وما يجب عليه القيام به تجاه الجنوب. فالقوى المعادية التي تسعى لتحجيم دور السودان الاقليمي والدولي وإقصاء السودان من أداء دوره الريادي عبر الحروب الجانبية المفتعلة وحسناً ما فعل الرئيسان عندما أدركا بعد أن ضاقت بهما دائرة الفوارق بذلا جهدهما لتوسيع دائرة المتشابهات رفضا العودة الى عهود حروبية غابرة واستطاعا تضبيط الفوارق التي يتكون منها التوازن.. فالجنوب جار استراتيجي للسودان يربطه بالسودان جوار يجب أن يكون آمناً. له مع السودان مصالح إقتصادية إجتماعية وأمنية وتجارية في ظل حدود منصهرة وليست متوترة. وبعد توقيع الرئيسان على الاتفاقية الاطارية، فالبلدان في حاجة الى طي جميع الملفات العالقة وايجاد أرضية ثقوية لصياغة استراتيجية جديدة تحفظ للبلدين السلام والاستقرار والأمن وتقليل المخاطر وتدفع بهما نحو التكامل التعاوني لأن المصالح السودانية تتحقق من خلال نفوذه التعاوني ومع الجنوب وليس من خلال الانكفاء على نفسه ومعاداة الجنوب. والسودان لا يستطيع تحقيق مصالحه مع الجنوب إلا من خلال دور نشط حيث يمثل الجنوب عمقه الاستراتيجي، لأن ما يحدث في الجنوب سيكون له آثاره على السودان في أمنه ومصالحه الاستراتيجية لأن أمن الجنوب مرهون بأمن السودان. فإذا كنا قد فشلنا في المحافظة على الوحدة فعلينا وضع لبنة للروابط بين الدولتين والسعي معاً لحل الأزمات الداخلية في الدولتين. ويجب أن يدرك الجنوب أنه مهما كان إنفصاله فإن العوامل الجغرافية والوجدانية والمصالح الإقتصاية والأمنية تحتم عليه التعامل مع السودان والتعايش معه.. فيجب على الجنوب رفض الوقوع أسرى مخططات دولية معادية للسودان وأن يعتبر السودان جزء منه ومن أمنه الاستراتيجي القومي .. للحديث بقية.