إحتدم النقاش ذات مرة ما بين رئيس حزب الوفد المصري الزعيم سعد زغلول وأحد أعضاء الحزب وعندما حمي وطيس النقاش وضاق صدر الزعيم زغلول أنهى النقاش الملتهب بإصدار قرار بفصل هذا العضو عن حزب الوفد، فقام صفوة من رجال الحزب بمقابلة الزعيم سعد حيث ذهبوا إليه بمنزله مستنكرين فصل زميلهم بل أن قيادة الحزب كلها استنكرت ورفضت هذا القرار وإعتبرته قراراً تعسفياً لا يمكن أن يصدر من زعيم ديمقراطي آمن بالديمقراطية كعقيدة سياسية، ظلّ متمسكاً بها وأجتمع الصفوة من الحزب بالزعيم سعد زغلول في بيته، مطالبين سيادته بالعدول عن قراره وقالوا له بالحرف الواحد كيف يضيق صدرك وأنت رجل ديمقراطي وكيف بك تثور ثورة ديكتاتورية لا معنى لها فهي لا تشبهك، وهذا الاسلوب لم نعهده فيك، فعليك أن تتراجع عن قرارك «لكن الزعيم سعد زغلول لم يعير حديثهم أي إعتبار وثار في وجههم صائحاً : أخرجوا من بيتي» .. فقالوا له «لن نخرج لأن هذا البيت بيت الأمة» . فهدأت ثائرته وابتسم إبتسامة عريضة وإحتضنهم جميعاً وقد إغروقت عيناه بالدموع وهو يردد نعم هذا بيت الأمة المصرية يا أبنائي، فقام على الفور بإستدعاء العضو الذي فصله وقبّل رأسه واعتذر له قائلاً له :(سامحني يا ابني لقد أخطأت في حقك وسبحان من لا يخطيء) وطلب منه العفو والسماح .. ومنذ ذلك اليوم سمى بيت الزعيم سعد زغلول «بيت الأمة» إنهم زعماء كانت لهم صولات وجولات في المعترك السياسي وعندما يخطئ أحدهم في حق عضو صغير من الحزب يعتذر للعضو ويقبّل رأسه ويطلب منه العفو والسماح، لله درهم من زعماء أماجد صنعوا تاريخ مصر بأمجادهم ونضالهم الوطني، وفي بلادنا عندما خرج الزعيم علي محمود حسنين من سجن كوبر توجّه فوراً صوب بيت الزعيم الأزهري قبل بيته وقال لجماهيره :(بيت الزعيم الأزهري قبل بيتي لأن بيت الأزهري هو بيت الأمة السودانية )، وصدق في ذلك فالأستاذ سيد أحمد الحسين القطب الإتحادي الكبير قال في تواضع جم (لقد تعلمت السياسة في بيت الزعيم الأزهري وتعلمت الممارسة الديمقراطية على يد الزعيم الأزهري ونحن شباباً كنا أبداً لا نفارق بيت الزعيم إلا عند المساء) هذا ما قاله الزعيم سيد أحمد الحسين، وأذكر أنه عندما أنسلخ الختمية من الحزب الوطني الإتحادي وكوّنوا حزبهم «حزب الشعب الديمقراطي» بقيادة الشيخ علي عبد الرحمن الأمين بعد هذا الإنفصال لاحظ مولانا السيد علي الميرغني عند دخوله إلى الدائرة في الصباح لاحظ بعض قادة الختمية نائمين كلما جاء عند الصباح إلى الدائرة فأندهش لهذه الظاهرة فطلب من أحد قادة حزب الشعب الديمقراطي طلب منه دراسة هذه الظاهرة وعن أسباب نوم بعض قادة الطريقة الختمية عند الصباح فعرف ذلك الذي تم تكليفه لدراسة هذه الظاهرة عرف أسباب حقيقة هؤلاء الذين ينامون عند الصباح الباكر عند دخول السيد علي الميرغني إلى الدائرة وقال للسيد علي (إن هؤلاء يظلون في إجتماعات متواصلة مع الزعيم إسماعيل الأزهري رئيس الحزب الوطني الإتحادي حتى الفجر بمنزله في إجتماعات معه ثم يعودون أدراجهم بعد الفجر إلى الدائرة فيكونوا مرهقين يعودون إلى الدائرة لذلك ينامون بسبب الإرهاق)، فضحك مولانا السيد علي الميرغني وقال عنهم إنهم وطنيون فهم لم يعجبهم هذا الإنفصال وظلّ ولاؤهم للزعيم الأزهري باقياً وولاؤهم للختمية باقياً لم يفارقوها كذلك، فحبهم للأزهري طغى على كل شئ، فلا يمكن أن يفارقوه أو يفارقوا داره وحتى الآن في أي إحتفال وطني يقام في بيت الزعيم الأزهري يتردد على بيت الزعيم الأزهري قادة الطريقة الختمية لحضور هذا الإحتفال وفي مقدمتهم الشيخ حسن أبو سبيب، إن دار الزعيم إسماعيل الأزهري هي دار الأمة الإسلامية بلا منازع، ومن هذه الدار العتيقة أنطلقت شعلة النضال والوطني ضد الإستعمار البريطاني، وكانت الإجتماعات السرية بين قادة الحركة الوطنية ومؤتمر الخريجين تعقد بدار الزعيم الأزهري إبان عهد الإستعمار البريطاني، وأذكر أن الفنانة المصرية الراحلة السيدة أم كلثوم «كوكب الشرق» عندما جاءت عام 1968م في زيارة الى السودان بعد نكسة 5 يونيو 1967م لإقامة حفلات غنائية لصالح المجهود الحربي عند وصولها إلى الخرطوم إستقبلها وزير الإعلام السيد عبدالماجد أبو حسبو وأول ما فعلته لدى وصولها قامت بتسجيل زيارة وطنية إلى دار الزعيم إسماعيل الأزهري والتقطت مع أسرته الصور التذكارية وهذه الدار الشامخة شهدت إجتماعات ولقاءات تاريخية بين الزعماء السياسيين في بلادنا، أشهر هذه اللقاءات لقاء السيد الصديق عبد الرحمن المهدي بالزعيم إسماعيل الأزهري عام 1960م إبان الحكم العسكري بقيادة الفريق ابراهيم عبود وقد تعاهدا في هذه اللقاء بإسقاط النظام العسكري وعودة الديمقراطية للبلاد إن دار الزعيم تعتبر «كعبة سياسية» لكل الإتحاديين إن جاز لي قول ذلك وهذه حقيقة لا مفر منها وظلت هذه الدار العملاقة يضخ من داخلها اطنان من الوطنية وظلت الملاذ الآمن للوطنيين ابان عهد الإستعمار البريطاني وحتى يومنا هذا، الدار الوطنية التي يشع منها شعاع الوطنية ونور الديمقراطية والتي أصبحت معلماً وطنياً بارزاً منذ الأزل ومنذ القدم حتى يومنا هذا، وأشهد الله كلما مررت بهذه الدار الوطنية يدور في ذهني صورة الزعيم الأزهري ممسكاً بيده اليمين شعلة الحرية وبيده الأخرى شعلة الديمقراطية وهو يخاطب الجماهير بميدان المدرسة الأهلية، والتاريخ سجل له ذلك بأحرف من ماء الذهب فطبت حياً وميتاً سيدي الرئيس الأزهري سيد الزعماء وملك الديمقراطية.