في العام 7002م قام السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي بزيارة لمدينة شندي وخاطب جماهيره قائلاً (انني جئتكم اليوم (سندة) اما المرة القادمة سأحضر إليكم (محطة) فالسندة في لغة السكة الحديد هي التي لا يقف عندها القطار إنما فقط يسير ببطء لدى وصوله السندة، فالمهدي خاطب جماهير شندي بلغة السكة الحديد وفهموا لغته، اما ماذا يعني بانه سيأتي إليهم المرة القادمة بكلمة (محطة) فهذا هو مربط الفرس، والمحطة الكبيرة اي انه سيأتي رئيساً لكن مضت الأعوام كان هذا عام 7002م والسيد الصادق لا يزال يقف عند (السندة) لم يبلغ (المحطة) بعد، فالخلافات داخل حزب الأمة قد تحول دون بلوغه (المحطة) والصراعات السياسية داخل الحزب جعلته كثير الأسفار إلى الخارج كما انه لم يستطع حتى الآن حسم هذه الخلافات حتى أصبحت خلافات مزمنة ومزعجة لسيادته، فمحور الصراع داخل حزب الأمة يدور من ناحية بين المهدي ومبارك المهدي، ومن ناحية أخرى بين المهدي وبقية قادة حزب الأمة فحزب الأمة بعد أن كان جواده السياسي أصيلاً أصبح اليوم قد تضخم حجمه فبات مترهلاً كسولاً فهو في حاجة ماسة إلى ذبابة تلسعه وتوقفه من ثبات نومه ، كما أن سيادته ظل يضخ في الساحة السياسية مفردات من اللغة التي يخاطب بها الحكومة والمؤتمر الوطني. ومن نماذج هذه اللغة (مشطوها بقملها) أكل الفطيس وترك الذبيح وغيرها من النماذج الكثيرة التي يرددها من وقت لآخر إن الشيء المؤسف حقاً أن كل الأحزاب السياسية بما فيها المؤتمر الوطني هذه الأحزاب تعيش حالة أزمات سياسية مختلفة وأسباب هذه الأزمات سببها قادة الأحزاب نفسهم، فالأزمة ليست في الأحزاب إنما الأزمة في قادة الأحزاب الذين تسببوا بسبب سياساتهم الخاطئة في شق الصفوف، واستقل المؤتمر الوطني هذه الخلافات واستثمرها لصالحه ، فمعنى ذلك أن قادة الأحزاب السياسية قدموا مساعدة سياسية للمؤتمر الوطني بسبب هذه الخلافات المستمرة، بل قدموا خدمة جليلة للمؤتمر الوطني فكلما تفجرت أزمة سياسية داخل أحد الأحزاب التاريخية تصب تلك الأزمة لصالح المؤتمر الوطني، والمؤسف حقاً أن 09% من خلافات الأحزاب هي خلافات شخصية ويا ليتها كانت خلافات سياسية ، فهناك من يبحث له عن زعامة وسط ركام هذه الخلافات وآخر من يسعى لتحقيق مآرب شخصية له أو منصب أو حتى موقع ريادي يتكيء عليه، وفوق كل ذلك لا توجد أية ممارسة ديمقراطية بالمفهوم المعروف داخل هذه الأحزاب إنما الذي يتم ممارسته ممارسات طائفية لا علاقة لها بالديمقراطية، لا من قريب ولا من بعيد ، ورحم الله الزعيم اسماعيل الأزهري عندما كان رئيساً للحزب الوطني الإتحادي كانت الدائرة الجنوبية بالخرطوم التي تضم الحلة الجديدة والسجانة والكلاكلات واللاماب والرميلة وغيرها من الديوم الجنوبية، كانت هذه الدائرة لدودتين من نصيب الأستاذ يحيى الفضلى مصطفى (الدينمو) وكان مدير حملته الانتخابية المناضل حسن ابراهيم أمد الله في أيامه، هذه الدائرة كانت عصبة على قيادة الحزب الوطني الإتحادي يتخذ قادة الدائرة القرارات دون الرجوع إلى قيادة الحزب، وكانت قراراتهم صائبة لذلك أطلق عليهم الزعيم الأزهري (الدائرة الجنونية) أي من الجنون ، وظل سيادته يأتي إلى الدائرة باستمرار ويلتقي بالفضلى وود الجلال وود الحسين وود المبارك وود ملاح وأحمد فضل المحامي وحسن ابراهيم وغيرهم، فكان الخيار لهم في ترشيخ واختيار المرشح الذي يريدون ترشيحه هم لا رئيس الحزب ، فكان الزعيم الأزهري لا يتدخل أابداً في شؤون الدوائر إنما يترك لهم الخيار، هكذا كانت الديمقراطية بل هكذا كانت الممارسة الديمقراطية تمارس بلا تدخل من قبل قيادة الحزب فالأمر متروك للقواعد فقط هي التي تقرر، لكن اليوم الصورة السياسية للاحزاب عامة مقلوبة، فرئيس الحزب هو الذي يختار المرشح ، وهو الذي يرفض هذا او ذاك وأصبحت المصالح الشخصية هي سيدة الموقف ، ورئيس الحزب هو في نهاية المطاف الآمر والناهي وعلى الأعضاء السمع والطاعة هذا للأسف الشديد هو حال الأحزاب حالياً. احتكار لمنصب رئيس الحزب ثم بالدفع بالأبناء والأحفاد إلى قيادة الحزب من أجل (التوريث) وعملية التوريث هي في حد ذاتها كارثة سياسية كبرى حلت بالأحزاب لا عزاء لنا فيها ثم لا يمكن للساحة السياسية أن تظل هكذا تموج بالمشاكل والخلافات أمواجاً متلاطمة ، والوطن مثخن بالجراح والنواح وقادة كل الأحزاب بما فيهم المؤتمر الوطني يظلون يقفون عند منحنى الخلافات والمنازعات ولا نجد أبداً في فهرس الأحزاب السياسية كلها (مخرج سياسي واحد للخروج بالبلاد من تقف هذه الأزمات المتلاحقة الحديثة منها والمزمنة).