سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
معاوية أبو قرون يقطنها المجاذيب وهم فى أصلهم من عرب الحجاز
أيا دامر المجذوب لا أنت قرية تبين بداوتها ولاأنت بندر
الدامر واحدة من عشر مدن بالعالم لم ينقطع منها الاستيطان البشرى
المدينة بها روحانيات التدين وعبق التصوف
كلما دخلت هذه المدينة « دامر المجذوب» شعرت برهبة تتحرك فى دواخلى لا أدرى سرها، فهى مدينة ساجدة عابدة تزينها المساجد والخلاوى والمسايد، ناسها كلهم كأنهم من عجينة واحدة « زاهدون حامدون شاكرون طيبون كريمون»... الداخل اليها لايحس بغربة المكان، والوافد إليها لايحس بنظرية الوافد الغريب، فهم كما السودان ترحب بالجميع وتسع الجميع. المدينة روحانيات التدين عند ناسها عالية جداً، يهتم أهلها بالعلم، ففى كل بيوتها الكبيرة المكتبات أرففها ممتلئة بالكتب والوثائق والمخطوطات، فالعلم فيها رجل يمشى برجلين، والتصوف فيها رايات طرقه تسد الأفق، زرت مدينة الدامر عاصمة ولاية نهر النيل مرات كثيرات وفى كل مرة أكتشف أن عبقرية المكان قد تجسدت فيها... تأثير المجاذيب بعلمهم وتصوفهم ومسيدهم وتقابتهم بنيران القرآن الكريم يلحظه الزائر لها من أول وهلة وهو من التأثيرات التى لاتخطئها العين... أصل التسمية.... الدامر مدينة تزاوج بين الاصالة والمعاصرة، فأهلها محافظون لكنهم منفتحون على العالم بحثاً عن صيغة تزاوج بين « الاصل والعصر» ... وبالفعل صدق فيها قول القائل: « أيا دامر المجذوب لا أنت قرية تبين بداوتها ولا أنت بندر»... فهى أذن تأخذ روح الدين وريحان الدنيا... وثمة سؤال يطرحه الكثيرون: ما أصل تسمية الدامر ومن أين جاء أهلها وناسها؟ الروايات كثيرة حول أصل الاسم فالعلامة البروفسير عبدالله الطيب يقول ان أصل التسمية من دامر الليل كله أى إذا أقامه عابد، وما أشبه أن يكون اصل الدامر من الدميرة او الفيضان، وذلك أنه يصلها فيضان نهرين عظيمين هما نهر النيل ونهر عطبرة « نهر الاتبراوى» وفيضان النهرين يكون عند الموسم كبيراً وضخماً وكون معنى الدامر على هذا يعنى « صانع الفيضان أو مكان صنع الفيضان» ويطلق أهل البوادى فى دارفور وكردفان لفظ « الدمر» على المنطقة التى تتجمع فيها المياه فمثلاً فى ولاية شمال دارفور الى القرب من محلية كتم هناك منطقة تسمى « دامرة أم سيالة» وتقطنها مجموعات سكانية من الرحل فى ايام الخريف لأن الدمر الذى حولها تتجمع فيها مياه الأودية لتصنع منه دمراً للمنطقة حيث سماها أهليه من عرب تلك البوادى بدامرة أم سيالة. ويضيف البروفسير عبدالله الطيب قائلاً ولعلّ الدامر اسم عربى نقله العرب الى النيل منذ دهر قديم... وفى جزيرة العرب بلغنى موضع يسمى الدامر قريب من دومة الجندل... ومدينة الدامر من أقدم المدن السودانية وتقع الى الشمال من العاصمة القومية « الخرطوم» على بعد 300 كيلو متر ويربطها خط السكة حديد وطريق التحدى ويفصل بينها وبين مدينة عطبرة كوبرى السكة حديد القديم الواقع على نهر عطبرة « الاتبراوى» تم تشييد كوبرى حديث يربط بين المدينتين يقع أيضاً على ذات النهر... والدامر هى العاصمة التاريخية للمديرية الشمالية والتى أصبحت لاحقاً الاقليم الشمالى والذى تم تقسيمه لاحقاً لولايتين الاولى باسم ولاية نهر النيل وإحتفظ فيها الدامر بالعاصمة والثانية باسم الشمالية وعاصمتها دنقلا... كما ان بالدامر اكبر سوق للابل ومركز تجارى هام. الدامر والتأسيس: أرجح الأقوال ان مدينة الدامر بشكلها الحديث قد أسسها الفقيه « حمد» والذى تلقى علم أصول الفقه وعلم الفقه وعلم الاصول الشرعية على يد والده عبدالله راجل درو والذى توفى ودفن بقرية الشعديناب حيث رحل الابن حمد من مقر والده واستقر فى الدامر الحالية وتحديداً فى المنطقة المقام فيها مسجد الامام « السهيلى» الحالى فاقام فيها حمد تقابة للقرآن الكريم... وظلَّ أتباع الشيخ «حمد» يذهبون الى الشعديناب ويسألون عنه والده فيرد عليهم « حمد دامر»، أى استقر فى المكان الذى ذهب اليه... و» حمد دامر» يعتبر المؤسس الفعلى لمدينة الدامر بشكلها الحضارى والتراثى الماثل الآن والذى لحقه كثير من التطوير والدامر مدينة من المدن السودانية ذات البعد الانثربولوجى فى عصور الثقافة العربية. الدامر والمجاذيب: إرتبطت الدامر بالبيت الصوفى الكبير المعروف بالمجاذيب وهم أهل قرآن وتقوى وعلم وفقه وإرتبطت المدينة بجدهم الكبير الشيخ المجذوب واصبحت لاتذكر إلا يذكر ولايذكر إلا تذكر « دامر المجذوب» حيث من الثابت ان الشيخ الفقيه عبدالله النقر أحمد جلال الدين وفى اوائل عهد الفونج قد أستقر فيها وأسس سجادة المجاذيب وبينهم الصوفى المعروف وقد رجح أنه القائل « ان فقراء الدامر كانوا بها قبل قيام دولة الفونج» ولعل فى ذلك اشارة واضحة الدلالة الى المعاهد والخلاوى القرآنية التى كانت ولم تزل تشتهر بها فى عهد الحاج عيسى وقبله. إذاً المجاذيب سكنوا وقطنوا فى مدينة الدامر منذ ذلك الوقت وهم فقهاء فى الاغلب الأعم وهم من الارجح يعود أصلهم على ما أورد العلامة البروفسير عبدالله الطيب وعدد من الباحثين فى هذا الصدد- الى عرب الحجاز ومدينة الدامر تعتبر مركزاً من مراكز الاشعاع الثقافى والدينى ويرجع الفضل فى ذلك لبيت المجاذيب الذين طال لهم المقام فيها منذ فترات طويلة كما ذكرنا... الدامر حاضرة فى وثائق الرحالة: مدينة الدامر حظيت باهتمام الكثيرين من الرحاَّله الاجانب الذين زاروها وكتبوا عنها فى وثائقهم ومذكراتهم... وقد أورد الرحالة « جيمس بروس» فى مدوناته التى خطها عن الدامر إبان زيارته لها عام 1771م وكتب فى كتابه المعروف باسم « اكتشاف منابع النيل» « جئنا الى مدينة الدامر مدينة الفقيه ود المجذوب وقال وفقاً لعبارته ود المجذوب وهو « قديس» من الطراز الاول والفريد لدى مجموعات قبيلة الجعليين... وكذلك زارها الرحالة بيركهارت فقد كتب فى مدونته عن مدينة الدامر « أنها مدينة كبيرة فيها حوالى الخمسمائة بيت ولم يكن فيها مبان خربة، وكانت نظيفة بالقياس الى بربر وشوارعها منظمة، وذكر أن الدامر يرجعون فى أصلهم الى عرب الحجاز وهم فى الاغلب الأعم فقهاء» مشاهير الدامر: مدينة الدامر كما أسلفنا فهى مخزون دينى وثقافى وتراثى كبير وبالتالى فان ذلك يعنى انها تمثل محضناً للمشاهير فبالاضافة لمشاهير بيت الشيخ المجذوب بكل أجيالهم إلا ان العلامة البروفسير عبدالله الطيب يمثل من المشاهير الذين جاءت بهم مدينة الدامر، والبروفسير مدثر عبدالرحيم المقيم الآن بماليزيا حيث يعمل بجامعاتها بعد أن عمل فى جامعة الخرطوم وجامعة ام درمان الاسلامية وغيرهما وله من المؤلفات الاكاديمية والتاريخية والسياسية. وأيضاً من مشاهيرها آل قدور وعلى رأسهم الاستاذ الشاعر المسرحى القاص الاعلامى السر أحمد قدور وشقيقه الدكتور الفريق شرطة الاديب عمر أحمد قدور استاذ القانون بالجامعات السودانية. متحف وادى النيل بالدامر: يعتبر متحف وادى النيل بمدينة الدامر من المعالم البارزة فيها فهو يمثل محضناً لكل مظاهر بعدها الحضارى والتراثى فهو يحتوى على عدد من الآثار المروية والكوشية القديمة والمتمثلة فى الأوانى وأدوات التراث الشعبى والموروثات الثقافية الأخرى. وبرغم ذلك تظل العديد من الآثار والموروثات الشعبية والثقافية غير مكتشفة برغم وجود مؤشرات ذلك فى مناطق والقرى التى تشكل جزء من المدينة وتاريخها مثل قوز الشعديناب وقوز العشير وقلعة ودعيسى وقلعة ود سليمة» .