كتبت صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية الصادرة بتاريخ 4 يوليو 9891م أي بعد أربع أيام من وقوع الإنقلاب العسكري للإنقاذ الذي أطاح بنظام ديمقراطي منتخباً من قبل الشعب كتبت ما يلي «ليست الديمقراطية هي التي فشلت في السودان ولكن الديمقراطيون هم الذين فشلوا في السودان، فالديمقراطية هي الأشخاص القائمون عليها أو الناهضون بها ومن هنا ينبع الإلتباس في تحديد المسؤول عن الفشل ذلك لأن فشل المسؤولين يؤدي دائماً إلى الحكم بفشل العقيدة الديمقراطية. ولو كانت الديمقراطية في السودان مؤسسة أو طريقة لها تقاليدها وأعرافها وقيمها وتراثها الطويل لما كان بوسع الجيش أن يزيح الحكومة المدنية بهذه السهولة وكان بالإمكان معالجة القصور بالأسلوب الديمقراطي وبواسطة الديمقراطيين أنفسهم وليس المقصود بهذا الكلام إدانة المسؤولين السودانيين الذين أطاح بهم الإنقلاب الأخير، بل المقصود رد الإعتبار الى الديمقراطية التي كان يعتقد البعض بأن الإنقلاب كان عليها وليس على الحاكمين باسمها وما نتمناه للسودان في المرحلة الجديدة التي بدأت يوم الجمعة الماضي ألا يصبح الإنقلاب العسكري وسيلة تقليدية ومعترفاً بها للتصحيح!! جعلت بهذه الكلمات الشرق أوسطية مدخلاً لهذه السطور وفي الحقيقة الإنقلاب العسكري الذي وقع في 03 يونيو 9891م كان انقلاباً على الديمقراطية ذاتها وعلى الحاكمين باسمها هذه هي الحقيقة الأمر كان مُبيتاً منذ ظهور مسألة «قنطار الذهب» الشهيرة التي كانت بالطريق للتمهيد للإنقلاب ثم للأسف الشديد أصبحت الإنقلابات العسكرية في السودان الوسيلة التقليدية لتصحيح الواقع السوداني يقول ذلك فكم من محاولات انقلاب عسكري جرت ضد نظام الإنقاذ العسكري وكم من دماء سفكت بسبب المحاولات الإنقلابية المتكررة التي جرت من خلال نظام الإنقاذ الحالي. فالخروج أي خروج السودان نهائياً من نفق الإنقلابات العسكرية المظلم هو الإحتكام إلى الشعب السوداني بل الإحتكام الى صوت الشعب السوداني لأنه يعتبر هو الشرعية الدستورية ولا شرعية غير شرعية الشعب وشرعية الديمقراطية هما شرعيتان أساسيتان منذ إجراء أول إنتخابات ديمقرطية في السودان في شهر ديسمبر 3591م هذه الإنتخابات إستمدت شرعيتها السياسية من قبل الشعب السوداني الذي اختار حكومة ديمقراطية نابعة من أعماق القواعد الشعبية في التاسع من يناير عام 4591م. والتي كانت برئاسة رئيس الوزراء إسماعيل الأزهري ولأول مرة في تاريخ السودان يقوم حزباً واحداً بتشكيل أول حكومة وطنية لوحدة وإئتلاف مع أي حزب آخر وكان هذا بمثابة شهادة سياسية تاريخية لقوة ووزن الحزب الوطني الإتحادي الذي كان يرأسه السيد اسماعيل الأزهري وكان هذا فخراً كبيراً للإتحاديين، فحكومة تكونت من «21» وزيراً بما فيهم رئيس الوزراء إثني عشر وزيراً فقط تحملوا المسؤولية التاريخية وقادوا البلاد من مرحلة الإستقلال الى مرحلة النهضة الزراعية والتنمية الصناعية وقيام المشاريع الزراعية والإهتمام بها، فكان مشروع الجزيرة يشكل العمود الفقري للإقتصاد السوداني حيث كان الذهب الأبيض «القطن سيد المحاصيل السودانية» فركزت حكومة الزعيم الأزهري على تطوير نهضة هذا المشروع الزراعي الذي كان يعتبر أم المشاريع الزراعية في السودان فانتعش الإقتصاد السوداني في ظل نظام ديمقراطي كان من خلال العاملين بالدولة بداية من رئيس الوزراء ونهاية بالخفراء كانوا كلهم ملتفون حول الديمقراطية يحترمونها ولا يسيئون اليها بل ظلوا يتمنطقون بمنهجها القويم لأنهم كانوا يعتبرون إن الإساءة الى الديمقراطية هي إساءة للوطن قبل الإساءة إليهم وأنهم طالما وضعوا الوطن في حدق العيون فإنهم عاهدوا أنفسهم وعاهدوا الشعب السوداني أن يكونوا خدامه لا فوقه يخدمون الوطن والشعب معاً فشتان اليوم ما بين حكومة ديمقراطية كان ميلادها التاسع من يناير عام 4591م وحكومة شمولية حالياً تتربع على مقاعد السلطة، شتان ما بينهما لامقارنة أبداً بينهما لا من قريب ولا من بعيد وإن كانت الحكومة الحالية تحرص على وجود الإستقرار السياسي والإقتصادي والإجتماعي في البلاد فعليها أن تحتكم الى الشعب.. ولكن ليس عبر صناديق الإقتراع التي تقوم هي بإعدادها إنما عليها أن تحتكم الى صناديق اقتراع من صنع حكومة إنتقالية لا علاقة لها بالإنقاذ ولا بالأحزاب ولا بالقوى السياسية الأخرى هي التي تقوم بتهيئة المناخ السياسي في البلاد لإجراء إنتخابات حُرة ونزيهة تقود البلاد إلى عودة الديمقراطية الحقيقية أما مسألة تعديل وزاري أو إعادة تشكيل حكومة جديدة تحت مظلة المؤتمر الوطني. فهذه مسائل مرفوضة سلفاً ومضيعة للوقت وتقاليع سياسية بائدة شرب عليها الدهر وتمضمض وإستنشق وبدعة شمولية مهترئة أوراقها وباتت ذات لون أصفر لا قيمة لها بائع الألبان وهو يطرق الأبواب عند الصباح الباكر ليمدنا بالألبان مثلما كانت في الماضي عربات الألبان التابعة لرجل الأعمال «عزيز كافوري» يمد المواطنين بالألبان عبر هذه العربات يمدهم «باللبن المبستر» يوم أن كانت البلاد مبسترة بالديمقراطية والحرية.