تعلمنا من التجارب السياسية أن أسوأ وسيلة للوصول الى عرش السلطة هي وسيلة الإنقلابات العسكرية، فالدكتاتور السوري حسن الزعيم عندما قام بأول انقلاب عسكري في سوريا بل كان أول انقلاب عسكري يقع في العالم العربي عام 5491م، قام الدكتاتور حسن بعد قيامه بالإنقلاب بإستدعاء الدكتور فارس الخوري السياسي المخضرم، وكان وقتها يعمل أستاذاً بمدرسة الحقوق بدمشق والذي أسسها وتحولت فيما بعد الى كلية الحقوق بجامعة دمشق، قام بإستدعائه وطلب منه تشكيل حكومة برئاسته أي أن يصبح فارس الخوري رئيساً للوزراء وتكون الحكومة مسنودة من قبل العسكرتارية.. لكن الدكتور الخوري إعتذر وقال للدكتور حسن الزعيم «لقد فتحت باباً للإنقلابات العسكرية يصعب اغلاقه في العالم العربي» وصدق الخوري في مقولته، وعندما رفض عرض الدكتاتور زجوا به في السجن فقال عند دخوله المعتقل «السجن أحب وأرحم مما يدعوني اليه» وتحت الضغوط على حكومة العسكر تم اطلاق سراحه.. إن الإنقلابات العسكرية ما كانت أبداً الوسيلة القويمة والشرعية للوصول إلى هرم السلطة، فالوصول الى السلطة عمليتها تتم عن طريق إجراء الإنتخابات الحُرة والنزيهة على أن تكون المنافسة حرة وشريفة طريقها يؤدي الى قيام حكومة ديمقراطية خالصة لوجه الوطن والمواطن ديدنها وهدفها الرئيسي الصعود بالبلاد الى مرتبة سياسية وإقتصادية وإجتماعية كُبرى فالشىء الملاحظ في حالة الأنظمة الديمقراطية يظل الإقتصاد محافظاً على مدى قوته وتحمله للصدمات الإقتصادية ومحاولة هذه الأنظمة النهوض بالبلاد من عثرة كبوتها التي إستمرت 42 عاماً من الزمان. عانى من خلالها الناس في كل شىء فالديمقراطية هي محراب الحرية والتعددية الحزبية الأصيلة وليست التعددية الحزبية المدفوعة لها الأجور السياسية لتمارس نشاطها وفق سياسة المؤتمر مثل هذه الأحزاب المتآكلة الأطراف المتحالفة مع الإنقاذ والمشاركة في كل خطواته هي أحزاب مصالح ذاتية معطلة الإرادة شاركت في السلطة تحت غطاء «حتى يبقى الوطن» ولكنه غطاء وهمي، إن النظام الديمقراطي السابق احترم حقوق الإنسان وبسط كل الحريات وكان النشاط السياسي لكل الأحزاب والهيئات يمارس بكل حرية وديمقراطية لا قيود ولا سدود ولم تكن هناك فوضى إضرابات عن العمل مثلما كانت تدعى الجبهة الإسلامية التي كانت هي تحرض على الفوضى لإهتزاز النظام وعندما جاءت مذكرة القوات المسلحة طغت الفرحة على وجوه قادة الجبهة الإسلامية ومضى بعدها قطار وعملية «قنطار الذهب» وهي التي مهدت للإنقلاب العسكري العقائدي حينما قام بعض قادة الجبهة الإسلامية في زيارة الى الجنوب بحجة تفقد القوات المسلحة وبقية اللعبة السياسية مكشوفة ومعروفة وأمام البرلمانات، قال السيد رئيس الوزراء الصادق المهدي بعد رفع مذكرة الجيش الى رئيس مجلس السيادة السيد احمد الميرغني قام أمام نواب البرلمان بل أعلن أنه سيستقيل من منصبه كرئيس للوزراء ما لم يتلقَ تأكيداً من القوات المسلحة بالإلتزام بالشرعية الدستورية، وأن كل المسائل المتعلقة تعالج من خلال مجلس الدفاع الوطني إضافةً للتأكيد من الإتحادات النقابية بألا تلجأ الى الإضراب وعليها أن تحصل على مطلبها من خلال العقد الإجتماعي، وقال سيادته إنه يتطلع لتجاوب عسكري وسياسي إلا فإنه سيتقيل على أن تتولى أكبر كُتلة برلمانية ترشيح زعامتها لقيادة الحكومة، وأعلن سيادته ان القوات المسلحة ستحصل على طائرات ودبابات وراجمات صواريخ ومدفعية بعيدة المدى ونظام كامل للنظام الجوي وزوارق حربية ولم يحدد مصدرها، وأكد السيد رئيس الوزراء إلتزامه بالديمقراطية وشرعية القرار.. وحول مذكرة القوات المسلحة قال إن الحكومة قبلتها بشقيها العسكري والسياسي بموضوعية ولا بد من مناقشتها في حوار عسكري مدني هذا بإختصار البيان الذي القاه المهدي أمام البرلمان وصدقوني لو كان وقتها النظام الحاكم نظام شمولي لأحال كل هيئة القيادة بما فيهم الفريق أول بحري فتحي أحمد علي الى التقاعد.. لكن النظام كان نظاماً ديمقراطياً يحترم الدستور ويحترم القوات المسلحة. لكن المناؤين للديمقراطية عجلوا بقيامهم بالإنقلاب العسكري في الثلاثين من يونيو عام 9891م وكان الأستاذ حسين خوجلي رئيس تحرير صحيفة «ألوان» قد كتب في صحيفته (ولألوان كلمة) بالصفحة الأولى الإفتتاحية أي كلمة الإفتتاحية بالصحيفة الصادرة يوم الثلاثاء الموافق 82 فبراير 9891م كلمة بعنوان «وما أدراك ما الثلاثين» فهل كان الأستاذ حسين على علم سلفاً بتوقيت الإنقلاب أم جاءت كلمته «خبط عشواء» أو صدفة ورب صدفة خير من ميعاد أو خبطة صحفية مبكرة؟ والشىء المؤسف قامت كل الأحزاب بالتوقيع على «ميثاق الدفاع عن الديمقراطية» بعد رفع مذكرة الجيش، فكل الأحزاب السياسية وقعت على هذا الميثاق ما عدا الجبهة الإسلامية لم تشارك في الإجتماع ولم توقع على الميثاق وهذا دليل واضح أن هناك لشىء في نفس يعقوب من قبل قادة الجبهة الإسلامية.. لكن قادة الأحزاب للأسف لم يفطنوا لذلك حتى وقعت الطامة الكبرى.. أسئلة كثيرة حائرة لا يجد القارىء إجابة عليها صريحة، فالمهم في الأمر في نهاية المطاف أقول لا بديل للديمقراطية في بلادنا فأرض السودان لن تصبح خصبة إلا عبر بذور الديمقراطية وغير ذلك صحراء قاحلة وأراضي جرداء حزينة كحزن سيف الدولة على مقتل شاعره أبا الطيب المتنبىء في بغداد، بل وكحزن «خولة» شقيقة سيف الدولة على رحيل المتنبىء من حلب الى بغداد.. وأخيراً في إعترافات الدكتور حسن الترابي قال «إنقلاب 03 يونيو كان خطيئة الإنقاذ ، ثم قال لقد تأذينا وتأدبنا من الإنقلابات العسكرية»...