ربما تكون المبادرة الوطنية الخالصة التي بادر بها الاستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية السابق والتي طلب فيها من السيد رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير إعفاءه من مناصبه الدستورية والسياسية برئاسة الجمهورية وحزب المؤتمر الوطني هي النقطة المهمة والراكزة والأساسية في ملامح تغيير واسع على مستوى رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء وقيادة البرلمان، حيث اختصرت هذه المبادرة سباقاً لمسافات طويلة كانت ستقطعها قيادات في الدولة وحزبها الحاكم«المؤتمر الوطني» من أجل البقاء في مناصبها أو إبدالها بمواقع اخرى سواء على مستوى الحكومة الاتحادية أو السلطة التشريعية وهذه الخطوة كما وصفها الدكتور نافع علي نافع بعد فراغ المكتب القيادي للمؤتمر الوطني من إجتماعه الخاص بإجازة الترشيحات الخاصة بشاغلي مناصب رئاسة الجمهورية والوزارات الخاصة بحصة المؤتمر الوطني حيث قال: (إنها خطوة حتمية وطبيعية وليست لها أي ظلال سالبة وكان لابد لها أن تتم إذا ما كنا جادين في التغيير). التغييرات التي طالت رئاسة الجمهورية أكدت إنها قادت التغيير وكانت رأس رمحه حيث خرج منها بشكل طوعي الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية والدكتور الحاج آدم يوسف نائب رئيس الجمهورية السابق والدكتور نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية السابق. ولكن ماذا عن الوجوه القادمة لرئاسة الجمهورية فبالنسبة للفريق أول ركن بكري حسن صالح فهو الوحيد من أعضاء مجلس قيادة ثورة الانقاذ الوطني ظل باقياً بجوار رئيس الجمهورية في القصر الجمهوري حيث عمل وزيراً لرئاسة الجمهورية لثلاث فترات ومستشاراً أمنياً علاوة على توليه حقيبة وزارة الدفاع الوطني لبضع سنوات. ويبدو أن الإختيار لهذا المنصب حتمته ضرورة بقاء رمزية القوات المسلحة في رئاسة الجمهورية بإعتبار أنها معادل مهم في السياسة السودانية لا يمكن تجاوزه بأي حال من الاحوال كما إنها كانت الاداة المفصلية التي تمت بها عملية التغيير السياسي في صباح الجمعة 30 يونيو 1989م وثمة مؤشرات كثيرة الفريق أول ركن بكري حسن صالح جعلته يتقدم على غيره لتولي هذا المنصب الهام ومنها: إدارة ملفات بالغة الحساسية ذات علاقة بقضايا الحرب والسلام كرئاسة المجلس الأعلى للسلام بجبال النوبة ورئاسته للمجلس الاعلى لإعادة الدمج DDR وهو أحد مطلوبات مصفوفة إتفاقية السلام الشامل الموقعة بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية في 9 يناير 2005م. ٭ أحد أبرز الواضعين والموقعين على مذكرة العشرة التي أطاحت تداعياتها اللاحقة بقيادة الدكتور حسن الترابي للحركة الاسلامية والتي خرج منها مغاضبا فانشأ مع آخرين المؤتمر الشعبي كبديل للمؤتمر الوطني الذراع السياسي للحركة الاسلامية. ٭ إنتخابه في المؤتمر الأخير للحركة الاسلامية نائباً للأمين العام لها ٭ إضطلاعه بمهام ذات طبيعة تنسيقية بهدف احكام العلاقات بين الكثير من الجهات ذات الملفات المتداخلة والمتشابكة الخاصة بالقضايا الوطنية الاستراتيجية ٭ قدرته على إقامة شبكات علاقة متعددة ومتنوعة فداخل المجتمع العسكري ظل متواصلاً مع ابناء دفعته الدفعة«24» وأسر الذين إنتقلوا منهم إلى رحاب الله تعالى كما انه يتمتع بعلاقات ووشائج صداقة مع قطاعات واسعة من ضباط وضباط صف القوات المسلحة والشرطة وجهاز الأمن والمخابرات الوطني ٭ تجاربه العملية من خلال المهام التي قام بها كوزير لرئاسة الجمهورية «لجان عليا للإحتفالات القومية» وتهيأته لبيئة العمل داخل رئاسة الجمهورية فكان وراء القاعة الرئاسية الجديدة بقاعة الصداقة والقصر الرئاسي الجديد ودار العاملين برئاسة الجمهورية علاوة على إهتمامه الشخصي بدولاب العمل في أهم مرفق من مرافق الدولة ٭معرفته التامة بمناطق النزاعات خاصة في جنوب كردفان والنيل الازرق ودارفور وإلمامه بتفاصيل شواغل قياداتها الأهلية وفنيات فض النزاعات الأهلية وفنيات الجودية ٭تمتعه بعلاقات واسعة مع قطاعات الفنانين والرياضيين والمثقفين والمبدعين ٭ إلمامه الواسع بمجريات الاحداث الاقليمية والدولية وتأثيراتها على قضايا السودانية الإستراتيجية ٭ إهتمامه الشخصي بهموم وتطلعات المواطنين العادية حيث ظل مواصلاً لأهله وجيرانه ومعارفه في كل مناسباتهم الاجتماعية كما عرف عنه أنه يلبي حاجة كل محتاج يطرق باب منزله أو مكتبه. أما الدكتور حسبو محمد عبدالرحمن نائب رئيس الجمهورية فيبدو أن إدارته لبعض الملفات التنفيذية على مستوى الحكومة والحزب بشكل ممتاز هي التي جعلته مقدماً على غيره من المرشحين على ذات المنصب الذي خلف فيه الدكتور الحاج ادم يوسف، فالدكتور حسبو محمد عبدالرحمن والذي تعود جذوره لولاية شرق دارفور عمل مفوضاً للعون الانساني وقدم من خلال هذا ا لمنصب الكثير من الانجازات في أوقات بالغة الحساسية حيث تزامن عمله في مفوضية العون الانساني مع تداعيات النزاعات الذي شهدتها ولايات دارفور بسبب حركات الإحتجاج المسلح فعلى الصعيد الداخلي كان أقرب المسئولين من خلال عمله بالمفوضية للنازحين والمتضررين من النزاعات وعلى الصعيد الخارجي كان من اكثر المسؤولين تعاملاً مع المنظمات الدولية والاقليمية العاملة في المجالات الانسانية حيث تعامل مع كل واحدة منها بحسب ما تقوم به من أدوار سواء كانت ايجابية أو سالبة. وقد كان الأكثر وعياً بقضية دارفور بتفاعلاتها المختلفة وكان الأقرب لمجتمعات دارفور وكان من خلال تقلده منصب الأمين السياسي للمؤتمر الوطني ا لأكثر حرصاً على التواصل مع مكونات المؤتمر الاخرى على المستوى الرأسي والأفقي كما إنه في ذات الوقت كان حريصاً على خلق علاقات متوازنة مع الاحزاب السياسية الاخرى أما تجربته في المجلس الاعلى للحكم اللامركزي فعلى إمتيازها ينقصها التوثيق الإعلامي فقد قدم إنجازات كثيرة غير مرئية ويبدو ان تكليفه قبل شهرين لصديقنا الأستاذ جمال عبدالقادر البدوي الاعلامي والصحفي المعروف قد جاء لتحقيق هذا الغرض المهم. أما البروفسير ابراهيم غندور الذي دخل مؤسسة رئاسة الجمهورية مساعداً لرئيس الجمهورية فيبدو أن هذه الخطوة قد جاءت في وقتها حيث انه يتمتع بقدرات وعلاقات متشابكة مع كل أطياف السودان السياسية والمجتمعية وقد قال لي بالأمس أحد موظفي المجلس التشريعي بولاية الخرطوم ان إختيار البروفسير غندور لهذا المنصب يعني الإنحياز لعمال السودان والذين ترأس إتحادهم لسنوات طويلة قدم من خلالها مكتسبات خدمية واجتماعية ومهنية كانت السبب الأساسي لتمسك العمال بوظائفهم مهما علت أو دنت درجاتها كما أن اضطلاع البروفسير غندور بمهام حزبية كبيرة في المؤتمر الوطني خلال الفترة الماضية ستعينه في الاضطلاع بمنصب مساعد رئيس الجمهورية والذي قطعاً سيوظفه راسياً وافقياً داخلياً وخارجياً لما ينفع البلاد والعباد. عموماً ان مهاما كثيرة تنتظر مؤسسة رئاسة الجمهورية الجديدة والتي لا نملك إلا أن نقول لمن ترجلوا عنها«الاستاذ علي عثمان محمد طه- الدكتور الحاج ادم يوسف- الدكتور نافع علي نافع» شكراً لما قدمتم فقد أديتم المهام على أكمل وجه وقدمتم سنة جديدة في العمل العام وهي إفساح المجال للغير بمحض ارادتكم وبشكل سلس قدم تجربة جديدة متفردة نادرة الحدوث في عالم يعشق كل يصل فيه للسلطة التشبث بها ولا يفصلها منها الا القبر.