يقول الفيلسوف اليوناني أديسون «أمي صنعتني» تعبيراً عن حبه ومودته وبره وامتنانه إليها والاعتراف بفضلها وجميلها وإحسانها عليه.. إذن كيف تصنع الأم أبناءها سؤال لا يحتاج إلى إجابة فهي التي تبذل جهدها ووسعها لراحته وسعادته وتقدمه ونجاحه الذي لا يتأتى إلا بغرس القيم الفاضلة والمثل والمبادئ منذ نشأته فيشب سوياً وقوياً في سلوكه وخلقه ودينه. والأطفال هم الذين يزينون الحياة ويجملونها نلمح في وجوههم الغضة معاني الطيبة والنقاء والصفاء.. والأمل والرجاء الأمر الذي يتوجب رعايتهم والاهتمام بهم ومع قسوة الحياة ورهقها تقلصت مطالبهم وتبددت أحلامهم التي كانت تنحصر في شراء لعبة يتلهون بها أو قطعة من الحلوى أو كوباً من الحليب الذي كان متوافراً ومتاحاً بفضل «السعية» من الأغنام وغيرها التي كانت تربى في المنازل.. لذا صاروا يعانون الأسى والحرمان الذي أضحت تنوء به أجسادهم النحيلة وعقولهم الصغيرة.. إذ بات سعر رطل الحليب «المغشوش» أكثر من ثلاثة جنيهات فضلا عن احتياجاتهم الأخرى من الأغذية كما تزيد نموهم وتقوي عودهم.. من أجل هذا لم يعد الأطفال كما كانوا بالأمس الذين «شبعوا» من الجري واللعب والنطيط وعاشوا طفولتهم بطلاقة ووداعة وكانت طموحاتهم تنحصر في عمل «عروسة» من القماش البالي تسمى «بت أم لعاب» تصنع في شكل أنثى بكامل هيئتها وتجهز لها الملابس الزاهية والحُلي وهي الأداة الوحيدة للعب وعلى ذات النهج يصنع أيضاً العريس من القش وأعواد الكبريت وامتداداً لهذا اللعب تقام لهما حفلة عرس يجتمع فيها كل أطفال الحي والجيران ويستمتعون بأكل الفول والبلح الذي كان يقدم في أغطية «الليمونادة» وهي صنف من المياه الغازية وكانوا يتغنون بأُغنيات بسيطة في مفرداتها وألحانها تعبّر عن الفرح والمرح والعفوية والسذاجة التي كانوا يتمتعون بها. اللول لالك يا العروس العريس بي شمالك يا العروس البنات بي حالك يا العروس خُتي القون في بالك يا العروس فمثل هذه الأُغنيات كانت تعبّر عن الثقافة والمفاهيم التي كانت تسود المجتمع آنئذٍ بل تعدّ إرثاً فنياً يتناول في بيوت الأُفراح وليته كان متداولاً ومتناولاً حتى اليوم خاصة في الصالات التي أصبحت فيها «زفة العروس» «مسخاً» يشوه ويخالف عاداتنا وتقاليدنا وحياءنا وأصولنا وأيضاً عقيدتنا إذ أصبح الرقص بين العرسان شيئا يدعو «للخجل» وسط الأغاني الصاخبة الغربية والعربية «أتمختري يا عروس» والحبشية.... أين أغنيات السباتة مثل «المهيرة عقد الجلاد» وأُغنيات السيرة التي تمجد العريس وتدفع من قدره وتعزز أصله ونسبه «وعريسنا ورد البحر يا عديلة» ونعود للأطفال الذين كانت تتقد أذهانهم بأحاجي الحبوبات فاطمة السمحة وود النمير وحكايات الغول يستمعون إليها بنهم وشغف وشوق حتى يدركهم النعاس فقد كانو يستلهمون منها المواعظ والعِبر ويتعلمون منها الشجاعة والفروسية والمروءة والشهامة والنُبل. وفي ظل التطور والتقدم والحداثة التي طرأت على حياة الفرد والمجتمع وبالولوج والغوص في نفسية الطفل وتركيبته نلمح تلك الاختلافات التي ألقت بظلالها على الأطفال وعالمهم النضيد بعضها موجب والآخر سالب فقد تغضنت براءتهم واعتراها الذبول وخمد فيه ذلك البريق الذي كان يشع بالحيوية والتلقائية واختلفت وسائل وطرائق تفكيرهم ولعبهم ولهوهم وتسليتهم فصار الواحد منهم ينفق الساعات الطويلة أمام القنوات والفضائيات يلتقط منها كل شيء حتى الغث والرخيص وكل ما يثير فيه الرُعب والعُنف وأحياناً الغرائز يحدث هذا في غفلة من أبويه اللذين إما شغلتهما الحياة برهقها ونصبها وشظف عيشها وإما من الأسر الميسرة و«المنحدرة» ودعوني أصفها «المتفككة» حيث تفرد غرفة لكل فرد من أفرادها «يغلقها» عليه ويفعل ما يحلو له بداخلها ولا يتجرأ أحد أن يتدخل في شؤونه.. وكما هو معلوم فإن الأطفال يتفاعلون سريعاً ويقلدون كل ما يحدث ويدور حولهم لذا ينبغي على الآباء تشديد المراقبة على أبنائهم ورصد خطواتهم حماية لهم من خطر الفضائيات حتى ينعموا بحياة آمنة ومستقرة ملؤها الحب والجمال والسلام.