كيف يحكم السودان؟ سؤال كبير مطروح منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا لم توجد له اجابة شافية، آخر المحاولات الجادة للاجابة على السؤال «الاختياري» قدّمها البروف حسن الساعوري في كتابة «حوار النخب والسلطان حول كيف يحكم السودان « ولم تكن محاولة الساعوري هي الأولى، فقد سبقه من قبل الزعيم الراحل اسماعيل الازهري في كتابه «الطريق الى البرلمان « تلاه محمد خير المحامي في كتابه (كفاح جيل) والملاحظ أن الكتب الثلاثة اتفقت على ثوابت رئيسة في خطوطها العريضة لكيفية حكم السودان بالتركيز على الديمقراطية . البروف الساعوري برأ نفسه في الكتاب من أي اتجاه سياسي يحسبه على الاسلاميين أو هوى للختمية كمنطلق فكري قديم لازم الكاتب ردحاً من الزمان، حيث أشار الى أن الصدفة وحدها هي التي جعلت كتابه يصدر متزامنا مع مبادرة الرئيس للحوار الوطني، وقال الدراسة العلمية التي خلص لها أكدت فشل كل الأنظمة السياسية التي حكمت السودان منذ الاستقلال وحتى الآن، وأضاف لم ننعم طوال هذه السنين بالاستقرار السياسي إلاّ لفترات قليلة ما لبثت أن شهدت اضطرابات متواصلة الأمر الذي قلل من فرص التنمية والسلام بالبلاد. وأكد البروف حسن الساعوري على فشل كل الانظمة السياسية بالبلاد بما فيها التجارب العسكرية الثلاث في تطبيق مخرجات الكتب العلمية «الثلاثة» التي تناولت قضية الحكم، مشيراً الى أن السلطة في البلاد قامت تأريخياً على ميراث تحالف القبائل لإقامة مملكة والمحافظة على تلك المملكة بأي شكل وهو ما كان يصطدم دائماً بالشخصية السودانية العاشقة للحرية، قائلاً هذه نقطة بالذات يجب أن تراعيها جميع الانظمة السياسية. وانتقد الساعوري تكوين الاحزاب السودانية الرئيسة قائلاً إنها قامت على أساس عقائدي الولاء فيها «للزعيم « وهذا تناقض مع فكرة وجوهر الديمقراطية، حيث نشأت على أثرها ما يعرف بالديمقراطية الطائفية، كما انتشرت بالبلاد الجهوية التي بدأت منذ الستينيات بمؤتمر جبهة الشرق ثم جاء اتحاد عام جبال النوبة وتدهورت معظم الاحوال السياسية جراء ظاهرة «الكيد» السياسي لافتاً الى أن الانقاذ علمت أن الشعب لا يحكم بالقهر فعمدت في بداياتها لأسلوب المؤتمرات أعقبته بالتوالي السياسي، مؤكداً أن كل الأحزاب السياسية بالبلاد تصدعت وتقسمت بما فيها الحركة الاسلامية والحزب الشيوعي السوداني وبدأت تتزايد ظواهر القبلية والنفوذ الاجنبي على الاحزاب وهو أمر كان سابقاً يعد من المحرمات السياسية فصار حالياً سلوكاً يمارس جهاراً نهاراً. واقترح البروف الساعوري خلال تقديمة لكتابه «حوار النخب والسلطان حول كيف يحكم السودان « خلال ندوة نظمها مركز تحليل النزاعات بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة أمدرمان الإسلامية اقترح الاتفاق على ديمقراطية سودانية بين القوى السياسية لتخفيف درجة الصراع الى أدنى مستوى لها وإقامة نظام حكم لا يقصي الآخر، وقال إذا لم نطبق ذلك ستسقط الديمقراطية الرابعة كسابقاتها، داعياً لاعتماد التمثيل النسبي في النظام الانتخابي القادم لجهة أنه يمكن أن يساعد في توحيد الاحزاب «المتشظية» لدخول الانتخابات في قائمة واحدة وفقاً للتمثيل النسبي الذي سيحدد في النهاية الوزن الحقيقي للاحزاب السياسية واقترح الساعوري أيضاً ما سماه «بالعتبة « السياسية لدخول الحكومة، وأوضح أن الاحزاب التي تحرز ما نسبته 10 % في الانتخابات يحق لها الدخول في الحكومة من غير مفاوضات بجانب قيام مجالس مهنية لكل الوزارات يديرها العلماء والخبراء بعيداً عن السياسيين على أن يستمر هذا النظام بمقترحاته المذكورة لمدة 25 عاماً بما من شأنه أن يغرس ثقافة جديدة للأجيال الجديدة بعيداً عن صراع السلطة . من جانبه وصف صديق يوسف عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني الكتاب بالقيم وقال طوال تاريخ السودان كانت الأزمة هي من يحكم ولم يتحدث أحد عن كيف يحكم السودان، وقال الخروج من المأزق يتطلب الاجابة على السؤال الأول، مؤكداً على أهمية مبدأ الديمقراطية الراسخة والتنمية المتوازنة والسلام الدائم كأساس للحكم، وقال نتطلع في الحزب الشيوعي لمؤتمر جامع لقضايا السودان لا يعزل فيه أحد عن المشاركة نحدد فيه كيف يحكم السودان. ودمغ البروف حسن عباس مدير جامعة أمدرمان الإسلامية كل الاحزاب السياسية خاصة التقليدية بأنها تحمل في طياتها الكراهية، وقال لازالت هذه الاحزاب تعيش تحت لافتة الحقد والكراهية حتى في التعبير عن آرائها السياسية مما عمق من جذور المشاكل وعقد الحلول لازمة الحكم، وأضاف الحوار الذي يجري حالياً ليس مهماً في حد ذاته ولكن المهم هو توفر الإرادة لحل المشاكل بقلب مفتوح بعيداً عن استخدام الحوار كتكتيك لاضاعة الوقت. ورأى د. حسن حاج علي عميد كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم أن ما طرحه الساعوري من حلول في جانب التمثيل النسبي قد لا تكفي أوقد لا يلتزم به إذا حدث انقلاب عسكري على قرار ما تمّ ابان انقلاب يونيو1989م حيث تناسى الجميع « ميثاق حماية الديمقراطية « مشيراً الى أن سياسية حكومة الانقاذ الحالية أزمت من المشكلة بعد أن سيطرت على جميع مفاصل الدولة، فأما أن تكون داخل الحكومة أو في الخارج مع الهامش، وهذه ثقافة خطيرة لها انعكاسات سالبة على قضية الحكم في السودان. .