الموت حق، وكل نفس ذائقة، غيب الموت في الأيام الماضية المربية المعلمة الديامية الفاضلة المرحومة- بإذن الله- السيدة الفضلى حرم أخونا الأُستاذ محمد سليمان ود العز، إثر علة لم تمهلها طويلاً، بعد أن أكملت تخريج أبناء روضتها، التي سكبت العرق والدموع بل العمر من أجلها. وقد كان وداع الديامة وأهلها استفتاء لجهدها وصبرها ومثابرتها ومشاركتها وزوجها في مجتمع الديوم الشرقية وما أعظم وفاء وتقدير وعِرفان الديامة لمن صنعوا لأطفالهم الحياة، وغرسوا الخير في أوساطهم ألا رحم الله المربية الفاضلة محاسن وأسكنها فسيح جناته والهم زوجها وأهلها الصبر والسلوان، «وإنا لله وإنا إليه راجعون» وسبحان الذي خلق الموت والحياة ليبلوهم أحسن عملا. ٭ عوفيت الأستاذ العالم عبد اللطيف الشيخ البشير اللهم رب الناس الشافي المعافي اشفِ وعافِ أخونا وحبيبنا ومعلمنا الأُستاذ الإمام الشيخ عبد اللطيف الشيخ البشير الأستاذ في جامعة أفريقيا العالمية والإمام الوريث للأستاذ جعفر محمد عثمان في إمامة جامع طيفور، وهو أصغر أولاد الشيخ البشير وأوسطهم المرحوم الأُستاذ أحمد الشيخ البشير معلم أجيال والابن الأكبر هو العالم الأستاذ الأديب الأريب الشاعر عبد الله الشيخ البشير، وثلاثتهم معلمون في المدارس الثانوية والجامعات وكلهم حفظة لكتاب الله وفطاحلة في اللغة العربية، وجميعهم تربوا في كنف تلك الجزيرة الوديعة «أُم درق» التي تغنى لها اليمني وقال: «والله طاريك يا أُم درق وطاري العشيرة والنفوس الطيبة ما كانت شريرة». حيث تربوا على مكارم الأخلاق والورع والزهد والتقوى، وعبد اللطيف ورث مولانا الشيخ جعفر محمد عثمان- رحمه الله- في إمامة جامعة طيفور، لعشرات السنوات حتى أنهكه المرض وأعياه اللهم اجعل معاناته مع المرض في ميزان حسناته وزاده أجرا وعافية. ورحم الله إمام الأئمة وحبر الأمة الإمام الشافعي الذي قال في حلاوة العلم: سهري لتنقيح العلوم ألذ لي من وصل غانية وطيب عناق وصرير أقلامي على صفحاتها أحلى من الدكاء والعشاق وألذ من نقر الفتاة لدفها نقري لألقي الرمل عن أوراقي وتمايلي طربا لحل عويصة أشهى وأحلى من مدامة ساقي وأبيت سهران الدجى وتبيته نوماً وتبغى بعد ذاك لحاقي. ٭ غيب الموت أخونا الشاب الصالح فريد فتاش صالح هذا الفتى الديامي الذي اعتصم بحبل الله المتين وجمع حوله ثُلة من الديامة وكونوا فرقة لدفن الموتى وتحضيرهم من تكفين وحفر مقابر وبناء البلاط ولم يقف جهده على ذلك بل كون فرقة أُخرى من الديامة وأسسوا فرعا من الطريقة السمانية وأقاموا لها حضرة ومولدا وليلة كل أسبوع أمام منزله. رحم الله فريد ذلك الأبنوسي البسيط الزاهد الذي يعمل ترزيا في سوق الديوم فهو قد سخر نفسه من أجل عمل الخير وحب الأخوان وتفقدهم، حتى فوجيء بهذا المرض اللعين الذي ألزمه أخيراً المستشفيات فلم يجزع لنازعة الليالي وتجد الدعوات دائماً على لسانه وكان إيمانه بالله قويا جداً حتى غيبه الموت في صبيحة يوم الأحد السابع من أبريل فأفل نجم أضاء سماء وحياة الديامة، وكان تشييعه استفتاء لغرسه في الحياة الدنيا والأخرى وما أكثر دعائه وترحمه على الموتى في المقابر فاليوم ندعو له رب الناس، الفعال لما يريد أن يحشره في زمرة المساكين والصديقين والنبيين والشهداء وحسن أولئك رفيقا اللهم اجعله من أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة، لا مقطوعة ولا ممنوعة، وفرش مرفوعة، «وإنا لله وإنا إليه راجعون»، «وكل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام». صدق الله العظيم. ورحم الله سيدنا ومولانا الإمام الشافعي ورضي عنه الذي قال: يا من يعانق دنيا لا بقاء لها يمسي ويصبح في دنياه سفارا هلا تركت لدى الدنيا معانقة حتى تعانق في الفردوس أبكارا إن كنت تبغى جنات الخلد تسكنها فينبغي لك أن لا تأمن النارا. ٭ الله رب الناس ارفع البأس عن أخونا عباس الصبيان الأخ الكريم عباس محمود عبد الله لا أعرف من الذي أطلق عليه عباس الصبيان ولكننا أطلقنا عليه ألقاب كثيرة- ركس، الطوربيد. كان الصديق عباس قد نشأ في أُسرة بسيطة في مدينة الديوم مع والديه عمنا محمود والوالدة مريم حياة كريمة مع شقيقته المرحومة بإذن الله «فضل العزيز» وأخيه يوسف بدأ الرجل حياة شاقة «حداد مسلح» ثم مال إلى مهنة نسيبه المرحوم عبد الله في السمكرة والبوهية، عباس رياضي مطبوع اشتهر بالسرعة والتسديدات القاتلة لعب لفريق القصر الرياضي للناشئين فكان ذلك القوي الذي تهابه كل الفرق وبالأخص حراس المرمى كان من نجوم الرياضة الأفذاذ الأقوياء وسبحان الله القائل: «إن من بعد ضعف قوة ومن بعد قوة ضعف»، ثم لعب أخونا عباس لفريق العلمين الرياضي فكان طوربيد ميدان الليق كان الصديق عباس من أوائل المهاجرين إلى المملكة الليبية في عهد الملك السنوسي وعاد في إجازة سنة 9691م وتزوج من مدينة أبو قوتة الأخت «شامة» ورزقهما الله بالبنين والبنات، وأستمرأ الرجل حياة الغُربة فهاجر إلى المملكة العربية السعودية وأُصيب بمرض الفشل الكلوي اللعين وجاء يعاني منه في السودان والغسيل والحمد لله ظل ينتقل من مستشفى إلى مستشفى حيث ضعفت البنية فالرجل عانى ويعاني وما زال «قادر الله» فيا إله الناس ارفع عن أخونا عباس ذلك العبد الراضي بقضائك وقدرك المبتلى الصابر المحتسب ويا أبناء عباس وأُسرته هيثم وهاني وهالة وبقية العقد الفريد مهما تعملوا لا تجازون هذا الرجل فيما نافح وكافح وناضل من أجلكم فأبقوا عشرة عليه وتسابقوا لرعايته فالله وحده ناصركم وآجركم، وصدق الإمام الشافعي الذي قال: ولرب نازلة يضيق لها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج. وقال: صبراً جميلاً ما أقرب الفرجا من راقب الله في الأمور نجا من صدق الله لم ينله أذى ومن رجاه يكون حيث رجا. وقال في رضاه بما حكم الدهر: وما كنت أرضى من زماني بما ترى ولكنني راضٍ بما حكم الدهر فإن كانت الأيام خائنة عهودنا فإني بها راض ولكنها قهر. اللهم ارفع إليك يدي الضراعة أن تشفي أخانا عباس وترفع عنه البأس وأن تجعل معاناته في ميزان حسناته فنعم المولى ونعم النصير.