عندما تريد أن تكتشف شخصية ما بطريقة موضوعية ومنطقية فأنت مطالب بمعرفة طريقة تفكيرها وموازناتها للأمور كلها ومن ثم تحليلها وفقاً لمقتضيات الظرفية التي تحيط بها.. مولانا الميرغني – زعيم سياسي ومرشد ديني- بهذين الجناحين بيننا على محيط الوطن، يتفاعل بكليهما، يُقيِّم الأشياء وفقاً لمرتكزات مرجعيتهما (سياسة،دين)، وهكذا قياسات الأشياء موضوعياً، وبالضرورة الفصل الحقيقي بين زعيم سياسي ومرشد ديني تقييماً وقياساً.. وتكتشف كل زعماء السياسة عندما تعمل معهم (إعلامياً)،هنا يتم الاكتشاف الحقيقي للشخصية (ديمقراطيتها) احتمالها للرأي الآخر، تفاعلها (إعلامياً)، سلطتها القاهرة حزبياً .. كيف ينظر مولانا الميرغني للصحيفة، والنقطة المفصلية هل تكون أقرب للمعارضة أم السلطة، وكيف تتعامل مع فرضية المشاركة في حكومة القاعدة العريضة؟ قناعتي أنا كرئيس تحرير بالإنابة للصحيفة أن المشاركة قضية حزبية ببعد قومي مؤثرة بلا شك في الحراك السياسي العام داخلياً وخارجياً، لكنني وضعت بما يشبه الرؤية إن المشاركة وما فيها يجب أن تشتعل بها مؤسسات الحزب الكلية والفرعية، المركزية والولائية نقاشاً وجدالاً بديمقراطية فاعلة ومؤسسية راسخة، والصحيفة قلت إنها (قومية) والمشاركة قضية (فرعية)، فمن المفترض أن تجعل الصحيفة صوتاً لنقد وفحص وتقييم تداعيات المشاركة والسلطة كلها، وليس لنقاش الشأن الحزبي حولها لأن هذا يمكن أن يفتح الباب لتحطيم مؤسسية مؤسسات الحزب، ويصبح الحزب بيتاً بلا رقيب ديمقراطي ومنهاجي،ولعل هذه الرؤية كانت في اتفاق مع رؤية مولانا الميرغني بلا لقاء ولقيا حولها ولعل أدبيات الحزب هي التي قادت لهذا التوقيع غير المكتوب بيننا حول فتح الصحيفة لقضايا الوطن الكلية، لأن هنالك مرحلة صعبة يمر بها المواطن ومرحلة مفصلية تحيط بالوطن تحتاج للصحافة الحقيقية بالرؤية القومية، وقد كانت كذلك.. وأصبحت كل الموضوعات التي تعني بالمشاركة أعلق عليها بقولي (إلى مؤسسات الحزب فهنالك ما يكفي من الحريات وتدافع الآراء واشتعالها)، حتى وإن كانت بتوقيعات من أعضاء هيئة قيادة الحزب، وللحقيقة والتاريخ لم يفتح مولانا الميرغني باباً لأي من هيئة قيادة الحزب ليكون (سيد القلم) في الصحيفة، (إنما كنت أنا)، أمارس المهنة وفق رؤيتي، وقراءاتي للأشياء قومية أو حزبية، بل إنني كثيراً ما أرفض نشر مقالات كتبها عضو هيئة قيادة، وللتأريخ فقد رفضت نشر مقال للبروفيسور محمد زين العابدين لقناعاتي المهنية التي ترفض ذلك، وقادت الصحيفة خطاً أقرب للمعارضة العنيفة والصاخبة لأنها لسان حال المواطن، والمواطن هو الوطن، ثم إن تداعيات المشاركة وتعقيداتها يمكن أن يتم تشريحها بمنتوجها وليس هي كفكرة، فأنا ضد (المشاركة لماذا، المشاركة أضعفتنا، المشاركة تُقسِم الحزب، المشاركة إنما فعل سلطوي لتقسيمنا جزئين، جزء مع وجزء ضد، المشاركة إنما فكرة سلطوية لجعل جماهير الحزب تتفاعل ضد مولانا الميرغني) كل هذه أفكار موضوعية وقد تكون صحيحة وواقعية حتى، لكن السؤال المهم : (هل حزب بكل هذا التاريخ يُقسِمه أمر كهذا، وسؤال أكثر جرأة، إن كان المؤتمر الوطني حزب فعله الرئيسي تقسيم الأحزاب إلى شظايا، لماذا لا تقوم جماهير الحزب بالفعل المضاد الحقيقي الذي مفاده، نعم المشاركة أضعفتنا، لكنها لن تُقسمنا)، أليس هذا نجاحٌ كثيف أمام كل المؤامرات واتجاهات الطرف الآخر (إن كانت حقيقة أو غير ذلك).. وما زلت على قناعة واسعة إن المشاركة ليست السيف الذي يُقسِم الحزب أو الرمح الذي يمكن أن يصرع الحزب أرضاً، بل إن خيرها كثيف وجدالها أصعب وتعقيداتها فتحت كل الأبواب للرأي الجريء والحقيقي من الجماهير، فهي التي جعلت كل جماهير الحزب تصدح برأيها ليس فيها، بل في كل تفاصيل العمل الحزبي، لو أن المشاركة لم تكن ، لكان كثيفاً الصمت في ثنايا الحزب، وكل قضية محورية حزبية مطلوبة لتدافع الآراء وصراعاتها وجدالها لتبين الديمقراطية الحقيقية، فقبل المشاركة كان (الصمت) طريقة جماهير الحزب، وقد لا يكون صمتاً كاملاً ، لكن المشاركة جعلت كل القاعدة الحزبية تجهر برأيها (مع أو ضد)، أليس في هذا فعل حزبي جميل يستحق المؤتمر الوطني الشكر الجزيل عليه. موضوعياً، ما فعلته المشاركة من خلق لتيارات رافضة لها، ورافضة لأشياء داخل منظومة الحزب بقناعاتها هو النجاح الذي كان ينتظره الحزب (الأصل) أو كل تياراته أو بعضها، فهذه هي المرحلة الوحيدة في تاريخ الحزب التي جعلت كل عضو فيه يصرخ برأيه، يصدح به، يقوله بجرأة، وهو لا يزال عضواً أصيلاً، فعبارة (أنا ضد المشاركة، وضد المؤتمر الوطني)،هي عبارة الأغلبية أو الأقلية (تقسيماً بمنظور الموافقين أو الرافضين للمشاركة)،هي الأجندة التي يحملها العضو ثم يكمل (لكنني ما زلت حزبياً أصيلاً) إذن زلزلة المشاركة لم تكن تقسيماً، بل كانت حراكاً جماهيرياً متدافعاً، وهذه قوة للحزب وإن ظن بعضنا أنها ضعفاً حقيقياً.. وقناعاتي أن المشاركة خلقت تمريناً ديمقراطياً حقيقياً للجميع قيادة وقاعدة، حتى وإن حاصرتها الاشاعات من هنا وهناك وتدفقت حولها مياه كثيرة كلٌ من منبع مختلف، حتى وإن قالوا إن من قام بها أصحاب مصلحة مع الحزب الحاكم.. قولي إن مولانا الميرغني زعيم لا يستطيع أحد أو حزب أو كيان إملاء شروط أو اتفاقيات عليه، أو اضعافه حزبياً وجماهيرياً، وموضوعياً .. لو علم مولانا الميرغني إن هذه المشاركة تُضعف حزبه أو تُضعفه كزعيم سياسي ومرشد ديني لما فعلها لأنه لا يوجد من يُضعِف نفسه وحزبه وجماهيره..