لقد كنت محظوظ جداً، أن خدمتني الظروف، في نهاية عقد سبعينيات القرن الماضي أن أكون قريباً من هذا المبدع المدهش العملاق المارد الجسور الحاسم القامة الراحل المقيم مهدي مصطفى الهادي، فقد عملت مساعداً مع زمرة من الأخوان الكرام البررة على رأسهم الأخ الكريم الأُستاذ أحمد حسب الرسول بدر والمرحوم العصامي أخينا محمود أبوبكر حبشي والمرحوم المعصوم بإذن الله الصوفي أحمد عبدون محمد، أخانا أحمد اسماعيل والسيدة الفضلى الأستاذة محاسن جيلاني أمد الله في عمرها والمرحوم الأمين الشاب الضابط الإداري علي محمد صديق طيب الله ثراه، والأستاذ الكبير حسن محمد «استيف» وثلة من الأخوة في المناطق «المرحوم كمال شرف من أم درمان وأحمد الزبير الرشيد رحمه الله بحري والمرحوم ابراهيم المثير شرق النيل والمرحوم عكاشة مضوي محمد بين النيلين وكان اخونا الإداري المحنك أحمد شيخ ادريس مناع نائباً للسيد مهدي مصطفى الهادي وكان الصديق الأستاذ زاكي الدين بلال المساعد الشعبي يحرك المكتب التنفيذي في المديرية اخوة كرام شباب في غاية المسؤولية والزكاء وسرعة الإنفاذ على رأسهم المرحوم الأستاذ عمر محمد الحسن «الكاهن» ومن أطلق عليه هذا اللقب السيد مهدي فقد كان خازن معلومات ومستغيها مؤكد مصادرها ولا نحيب أبداً ، يعاونه الأخ بابكر محمد الطيب هؤلاء هم الرجال الذين كانوا حول القامة الإدارية الفذة ويشهد الله انني تعلمت الكثير من العمل معه وكان تاركاً لىّ حرية العمل وموكلني بكثير من التكليفات ويحرص على المتابعة وأكثر ما يعجبني في عمله أن لا يختار إلا الأقوياء ولا يعرف إلا الحق والشفافية والأمانة والإتقان والإنجاز والمتابعة والتدقيق، كان ادارياً لم ير مثيلاً له ودبلوماسياً نافذاً لا يحرجك حتى تشعر من تلقاء نفسك انك قد أحرجت نفسك وسياسي يهتم بالمصلحة العامة أحب الخرطوم وعلمنا كيف نعشقها ونخلص لها محباً للبسطاء من أبناء الشعب السوداني حتى في مرات كثيرة عمل شباب البناء بقيادة د. مندور ولبابة الفضل وهو يدرك انهم من شباب الإسلاميين كنت أصحبه دائماً في تحركاته الشعبية لذا كانت لي معه حكايات جالت بخاطري وذكرتني أيام الزمن الجميل والرجل الجميل الذي يجبرك على حبه واحترامه، فقد كان أمة لوحدة، ومن الشخصيات التي يندر أن يجود بها الزمان.. كان كل همه أن يرفع عن كاهل، خدمات توزيع الأراضي ليتخارج من الوساطات العليا ويسلمها لوزارة الإسكان الإتحادية كان يقول لي عندما يفرغ من احتياجات الولاية من المرافق التعليمية والصحية سيغسل يده من الأراضي ويسلمها. أذكر في مرة كان يجتمع معه الأخ الكريم بدر الدين سليمان ود. احمد عبد الحليم رحمه الله وكنت مقرراً لهذا الإجتماع لكتابة أحد خطابات المرحوم المشير نميري التي كان يلقبها فيما سمي باللقاءات الشهرية وسمعنا صوت جلبة في مكتب السكرتارية وخرج المحافظ بنفسه وعرف أن هناك عميد من القوات المسلحة يحمل رسالة من النائب الأول فأدخله واستلم منه الرسالة، وقرأها وقال للسيد العميد سأرد عليه لاحقاً وأصر العميد أن يحمل في معية الرد، فما كان من المرحم مهدي إلا أن قال زي ما أنت مرسال أنا كمان عندي مرسال، وأمام إلحاح العميد قال المحافظ «يا أخي بصراحة أنا ما عندي أراضي سكنية؟؟؟؟ وكان لا يخشى في الحق لومة لائم ومن خلالنا تعرف على الديامة عن قرب فأحبهم وكان يقول لىّ إنهم خليط عجيب يمثل تلاقح الشعب السوداني في وحدة الوطنية.. وقد شهد لكم بالعمل الشعبي الطوعي في بناء المدارس لذلك منحهم قطعة ارض أقاموا عليها دار العمل الوطني بإسم مجلس مدينة الديوم الشعبي ملحقة قصة وحدة الديوم ومحكمة ومركز بوليس ودفع مبلغ ربعين الف جنيه لبدء العمل ثم قام بتهديم مباني الإندايات وعوضهم ثم أغلق بيوت الدعارة في حي كوريا ومنح احياء القنا والمايقوما اراضي أقاموا عليها دار العمل الوطني ثم ساهم في بناء مدرسة الديوم المتوسطة لأول مرة مدرسة ذات طوابق متعددة على مقابر بلاع شارك الديامة في اليوبيل الفضي لرابطة الديوم الشرقية وكرم المرحوم عمنا محمد طلعت فريد رحمه الله. رحم الله أخانا مهدي فقد تعلمنا على يديه السياسة والإدارة كيف لا وهو ذلك الخطير المكير الداهية العفيف النضيف.. لا يتخذ قراراً إلا يكون اول من تابعه وكان في غير جهوية وعنصرية يقول اولاد الخرطوم وأهلها أهل حضارة وأذكر كنا جلوساً في مكتبه نتابع حدى التشكيلات الوزارية ودخل عليه الشاب حنيذاك «أبونا ملول» وقال بعربيه البسيط معقول يا سيد مهدي الرئيس يكون حكومة كلها من الربابيط ومن جزيرة واحد جزيرة مقرات.. وأذكر انه يحب أحد شاوشية البوليس خطاط جداً جاد إليه يخبره انه قدم للإعارة إلى أبوظبي وقال للمحافظ ساعدني وهم كانوا عاوزين تعلمجية فوعده مهدي خيراً وبعد مدة جاد له وقال له الجماعة ما أخذوني فقال له ما عرفت ليه، قال قالوا ما عندي شهائد فقال له هذا هو السبب لأن اسمها الشهادات ، فكان رحمة الله عليه لا يفوت كلمة غلط إلا وأصلحها، وكان دائماً يقول الله يقلع مني اراضي المديرية السكنية لأنه لا يحب الوساطات وفعلاً بعدما استكمل التعويضات وأقام الأسواق والمرافق العامة، صدر قرار تشكيل وزاري جديد وأبعد من المحافظة، أكملنا نحن دورتنا مع الأخ احمد شيخ ادريس مناع أطال الله عمره ونائبه الأخ الهمام ود الشيخ النا ظر مجذوب طلحة ويومين فقط كان قد سلم كل شىء حتى العربات التي يستعملها كانت في المحافظة أو من المكتب السياسي وأذكر أن صديقه الحميم «أبوبكر محمد صالح» قد سلفه عربة مرسيدس، وأبو بكر، بدر الدين، د.. احمد عبد الحليم هؤلاء أصدقائه في التنظيم السياسي، اما صاحبه وهو على غير حزبه هو الأخ مصطفى حسن احمد طيب الله ثراه والد الفنان جمال فرفور، وكنا كثيراً ما نمشي له في الصبابي والتقينا في جمهورية مصر العربية وبعد.. ولي عودة