غيَّبَ الموتُ الشاعر السوداني الكبير تاج السر الحسن، عن عمر ناهز 78 عاماً، بعد حياة حافلة بالعطاء الأدبي خاصة في مجال الشعر. ويُعد الراحل أحد رواد الحداثة والتنوير في الشعر العربي، وواحداً من الشعراء الكبار الذين أثروا ساحة الشعر والأدب في السودان. ويعتبر الحسن أحد الشعراء العرب الذين ثبتوا أركان قصيدة التفعيلة في الشعر العربي الحديث، بالإضافة إلى دوره في التحديث والتجديد، كما عُرف بعطائه وانحيازه لهموم وقضايا شعبه. قبسٌ من سيرته ولد الراحل في عام 1935 في جزيرة أرتولي بشمال السودان، ودرس مراحل التعليم الابتدائية والثانوية بولاية كردفان بوسط البلاد، قبل أن يلتحق بكلية اللغة العربية بالأزهر، ويتخرج فيها 1960. ؛؛؛ الحسن خصص دراسته بروسيا لسبر غور الأدب، سواءً كان روسياً، أم إنجليزياً، أم فرنسياً، أم إغريقياً. وتعرّف خلال هذه الفترة على الآداب الشرقية ؛؛؛ ثم سافر إلى موسكو والتحق بمعهد "ماكسيم جوركي" للآداب 1962، وتخرج 1966، ثم حصل على الماجستير من موسكو، ودرجة الدكتوراة في معهد العلاقات الدولية بموسكو، عن أطروحته الموسومة ب"الرومانسية في الشعر الحديث: بين الحربين- محاولة للكشف عن نظرة عربية شاملة لهذا الاتجاه في الأدب العربي الحديث"، ثم اشتغل بالتدريس في معهد العلاقات الدولية بموسكو في الفترة من 1967- 1973م. وقد خصص تاج السر دراسته بالاتحاد السوفيتي لسبر غور الأدب بمختلف مراحله، سواءً كان روسياً، أم إنجليزياً، أم فرنسياً، أم إغريقياً. وتعرّف خلال هذه الفترة أيضاً على الآداب الشرقية مثل الفارسية، والتركية، والآذربيجانية، والأوزبكستانية، وأعطته تلك المعرفة الواسعة نظرة أعمق مما كان يتصور عن الحياة، وأصبحت رؤيته للآداب الإنسانية أكثر رحابة، وعمقاً. نشاطٌ جم وقد صدرت له أثناء وجوده في القاهرةوموسكو مجموعات شعرية، واشترك في الندوات الأدبية والشعرية، وفي البرامج الإذاعية والتلفزيونية، كما أسهم بالكتابة في الصحف السودانية والمصرية والعربية. ؛؛؛ الشاعر بعد عودته للوطن هاجر إلى اليمن وعمل أستاذاً في جامعة عدن، وتبنى شباباً من الشعراء اليمنيين، اليوم لهم دورهم وأسماؤهم ؛؛؛وبعد عودته إلى أرض وطنه السودان في أوائل السبعينيات، لم يعمل بشكل رسمي فقد كان محارباً سياسياً ، فهاجر إلى اليمن وعمل أستاذاً في جامعة عدن في الأدب العربي الحديث من 1973- 1978م، وتبنى شباباً من الشعراء اليمنيين، اليوم لهم دورهم وأسماؤهم. ثم رجع من اليمن وشغل منصب الأمين العام للهيئة العليا للتعريب السودانية بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي من 1980- 1992م، ثم أحيل إلى التقاعد في يناير 1995م، وكان عضواً بهيئة التدريس بقسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة أم درمان الأهلية، وعضواً بالندوة الأدبية في أمدرمان، كما أنه عضو اتحاد الكُتاب السودانيين. إصدارات ودوايين شعرية من أبرز دواوينه الشعرية ديوان: "قصائد من السودان" الذي أصدره بالاشتراك مع صديقه الشاعر الراحل د. جيلي عبدالرحمن، وصدر عن دار الفكر بالقاهرة، في عام 1956م، والذي قدم له الشاعر المصري كمال عبدالحليم، وصور في كلمات بليغة دورهما في حركة التجديد الشعري العربي ومساهمتهما في إنزال الشعر من برج التقليدية إلى براح التجديد والحداثة. ؛؛؛ الشاعر المصري كمال عبدالحليم، صوَّر في كلمات بليغة دور الحسن وجيلى في حركة التجديد الشعري ومساهمتهما في إنزال الشعر من برج التقليدية ؛؛؛وكذلك ديوان: "القلب الأخضر" الذي أصدره عام 1968م، عن دار الجيل ببيروت، وديوان "قصيدتان لفلسطين"، الذي صدر عام 1991م، عن دار الجيل، وديوان "النخلة تسأل أين الناس"، والذي خصصه لتخليد مأساة أهالي مدينة حلفا في شمال السودان، والذين غرقت مدينتهم ومزارعهم بمياه السد العالي، فاختفت البيوت، وظل النخيل يسأل أين الناس. وكذلك ديوان "الآتون والنبع"، ولديه ديوان لم يطبع وحرص مؤخراً على إعداده إعداداً كاملاً، وجهزه بالدِّقة المعهودة فيه، وراجعه وسماه (الشعر في زمن القهر)، وسيصدر عن دار مروي السودانية. خبايا صنعة النقد من أبرز مؤلفاته كتابه: "الابتداعية في الشعر العربي الحديث"، الذي صدر عن دار الجيل ببيروت، وهو كتاب يكشف عن معرفة تاج السر الحسن الدقيقة، بخبايا صنعة النقد الأدبي، وقد تناول فيه حركة التجديد في الشعر العربي، وهذا الكتاب على قيمته العلمية والفنية في منجز النقد لم يلتفت إليه الدارسون والنقاد بعد، والكتاب غني بمصادره العربية، ثرَّ بمراجعة الأجنبية المكتوبة باللغتين الروسية والإنجليزية، وكشف الرصانة النقدية لتاج السر الحسن، ودقة مصطلحه، وانتباهه المعرفي إلى رواد حركة الإحياء والتجديد في الشعر العربي الحديث. ؛؛؛ كتابه: "الابتداعية في الشعر العربي الحديث"، يكشف عن معرفة الحسن الدقيقة، بخبايا صنعة النقد الأدبي، وقد تناول فيه حركة التجديد في الشعر العربي ؛؛؛ومن مؤلفاته كذلك: "بين الأدب والسياسة"، و" قضايا جمالية وإنسانية"، بالإضافة إلى نشره العديد من الترجمات من الروسية إلى العربية، وقد تُرجمت بعض قصائده إلى الروسية واليوغسلافية. دارسون عرب تناول شعره بالدراسة دارسون عرب وأجانب منهم: د. محمد النويهي في كتابه: "الاتجاهات الشعرية في السودان"، ود. محمد مصطفى هدارة في كتابه: "تيارات الشعر العربي المعاصر في السودان"، ود. علاء الدين سيد أحمد أغا أستاذ اللغة العربية بجامعة فرانكفورت، والذي صدر له في عام 2006م بجمهورية ألمانيا كتاب: "تاج السر الحسن وقضايا عصره"، وذلك بمناسبة اليوبيل الذهبي لإصدار الشاعرين جيلي عبدالرحمن وتاج السر الحسن ديوان: "قصائد من السودان"، كما كان موضوعاً لدراسات للماجستير والدكتوراة. ؛؛؛ دارسون عرب وأجانب تناولوا شعره بالدراسة منهم: د. محمد النويهي، د. محمد مصطفى هدارة، ود. علاء الدين سيد أحمد أغا أستاذ العربية بجامعة فرانكفورت ؛؛؛ انغمر في أعوام الشباب في التيار الثوري اليساري، لكنه احتفظ مع هذا بأصالته الوطنية واستطاع المحافظة على هوية الثقافة السودانية في شعره، وارتبط الشاعر إبان وجوده في موسكو بالوسط الأدبي الروسي والعربي على حدٍّ سواء. فكان له حضور في كلِّ محفل يقام في دار الكتاب السوفيت أو في جامعة موسكو ومعهد جوركي للأدب وغيرها. نماذج من شعره: مقطع لنيسان حدقت بي من جميع الجهات أجئت إليَّ عبوراً؟ أم أنك قد جئت دوماً للم الشتات؟ لتبهرني صور الضوء والخضرة المستحمة في الظل والنيل وألوانه قد أنارت دروب الحياة فأهلاً وسهلاً سلامي ليس له حدود ووجدي ليس له من ممات وأهلاً وسهلاً فإن الذي سوف يأتي سيصبح أجمل من كلِّ وقت من الدهر فات وأن الذي سوف يأتي سينقذنا من ظلام الدهور القديمة بنشرنا في جميع الجهات فنحن بنى (كوش) نحن بني العرب والزنج نحن بني الغد والذكريات ونحن الوجود ونحن الورود ونحن الصحارى المليئات بالمعجزات ونحن اليد ارتفعت نحو آسيا وصلت لأجل التحرر في (الكاب) نادت بإطلاق من قيدتهم سجون الطغاة فأهلاً بنيسان أهلاً بكل حدائقه الممرعات بكل تصاوير الأبيات وأهلاً بشعب أتانا بنيسان أهلاً به فهو شعب جدير بهذي الحياة نقلاً عن ديوان الآتون والنبع، دار الجيل، 1991