بقلم: ياسر فائز صحفي وكاتب استضاف مركز الثقافة والحوار، بالتعاون مع مطعم بابا كوستا السياحي، السبت الماضي 4 يناير، المؤرخ البروفيسور معتصم أحمد الحاج في ندوة حول (دور الجميعات الأدبية والثقافية في صنع استقلال السودان)، أدارها الأستاذ أبّو باهي. الحركة الأدبية والثقافية ودورها في تحقيق الاستقلال، هو موضوع كل حركات التحرر في العالم، إذ تبدأ بالثقافة والأدب. فهي حركة تنوير كبيرة يعقبها اتضاح للرؤى واتخاذ الخطوات العملية لتحقيق الاستقلال. خير مثال على ذلك الثورة الفرنسية التي برز فيها الكثير من الأعلام الذين هيأوا الأمة لهذه الثورة التي شغلت العالم، وحين نتحدث عن حركة الأدب والثقافة في السودان، فإنها لا تنفصل عن ذلك، لأن الإدارة البريطانية، على الرغم من الأغراض الاستعمارية. إلا أنها صنعت الدولة الحديثة في السودان، وأيضاً أنشأت نظاما تعليميا الغرض منه إعداد جيل من المتعلمين لخدمتها، عبر قيام كلية غردون إلا أنه مع الدفعة الأولى (1902 – 1908) بدأت تتضح معالم طبقة جديدة: الطبقة الوسطى. وهي طبقة المتعلمين، خاصة مع ازدياد عدد الخريجين. وجاءت هذه الطبقة على غير ما أرادت الإدارة البريطانية، فقد شعر المتعلمون بأن التعليم الذي نالوه لا يكفي، وعملوا على تثقيف أنفسهم، وأصبح الخريجون على إلمام كبير بحركة الثقافة والأدب في العالم وعلى إلمام كبير بحركات التحرر في العالم. قيام الجماعات الأدبية في جانب آخر، هناك حركة مقاومة للإدارة البريطانية نشأت في المعهد العلمي بأمدرمان، في 1912، وعلى خلاف ما يعتقد البعض بأن هذا المعهد معقل للتخلف والرجعية، فإن من يغوص في تاريخ المعهد يكتشف أنه إحدى المؤسسات التي قادت حركة التجديد في السودان، خاصة في جوانب الأدب والثقافة. ؛؛؛ الحركة الثقافية ودورها في تحقيق الاستقلال، هو موضوع كل حركات التحرر، إذ تبدأ بالثقافة والأدب، فهي حركة تنوير كبيرة يعقبها اتضاح للرؤى ؛؛؛ ونشأت أولى الجماعات الأدبية في حي السوق بأمدرمان، في 1918، على يد بعض طلاب المعهد العلمي، أبرزهم الشيخ مجذوب مدثر، والشيخ محمد المبارك عبدالله، الذي أصبح فيما بعد أستاذاً في الأزهر ودَرَس على يده الشيخ متولي الشعراوي. وظهرت جمعية (الاتحاد السودانية) في1922 أول جمعية أدبية لها مرامٍ سياسية، وكانت أول تنظيم منتشر في أنحاء السودان في شكل خلايا، وعملت على توسيع قاعدة التعليم العالي عبر تهريب البعض للدراسة في مصر، الذين أكمل بعضهم دراسته العليا في أوروبا. نشوء حركة التعليم الأهلي بعض أعضاء (الاتحاد السوداني) رأوا أنه لا بد من السفور في مواجهة الاستعمار، فأسسوا جمعية (اللواء الأبيض) السياسية، التي كان الأدب رافداً لها، فالذين كانوا يخرجون في المظاهرات يهتفون "نحن الشرف الباذخ..."، كما هتف طلاب الكلية الحربية في مظاهرتهم ب"يا أم ضفائر قودي الرسن، اهتفي فليحيا الوطن".. بعد قمع الاستعار انتفاضة 1924، لجأ المتعلمون إلى أسلوب المفكرين والدعاة، بحجة أنه لا قِبَل لمواجهة الآلة الاستعمارية، فالأجدى توعية الشعب عبر توسيع قاعدة التعليم، لذا قامت حركة "التعليم الأهلي" الكبيرة، التي تفوقت في عددها على المدارس الحكومية، وكانت ملحمة وطنية، عبر المعلمين الذين بثوا القيم الوطنية. كما رُفِد التعليم الأهلي بحركة أدبية كبيرة، حيث تقام المسرحيات والحفلات ويعاد رعيها لتوسيع التعليم، وظهر أثناءها النشيد الوطني "في الفؤاد ترعاه العناية"، ويَرِد فيه "ما بخش مدرسة المبشِّر.. عندي معهد وطني العزيز". ؛؛؛ الاتحاد السودانية أول جمعية أدبية لها مرامٍ سياسية، وكانت أول تنظيم منتشر في أنحاء السودان في شكل خلايا، وعملت على توسيع قاعدة التعليم العالي ؛؛؛ صدور مجلة الفجر تبع ذلك حركة نشطة في القراءة والمناقشة، فبدأت تنشأ في الأحياء الجماعات الأدبية، وكان بعضها مؤثراً، وأصبحت قائدة لحركة التنوير في السودان؛ منها (أبروف الأدبية) و(الهاشماب) و(الموردة). وعندما أحست الإدارة البريطانية بخطرها نقلت بعض الموظفين المنتمين للجماعات إلى خارج الخرطوم، وكان منهم الذين نقلوا إلى ود مدني، فالتحموا بالمتعلمين هناك، وحوّلوا اسم (نادي الموظفين) إلى (نادي الخريجين) ثم أنشأوا (جميعة ود مدني الأدبية) التي هي امتداد أو امتزاج مع جماعة أبروف. وتهيأ لجماعة الهاشماب أن ينشئوا مجلة (الفجر)، التي ترك أثراً اجتماعياً وثقافياً وسياسياً، وقد ناقشت قضية الهوية، ثم أعلنت توقفها ليشارك الناس في القضية الوطنية الكبرى. مؤتمر الخريجين ومهرجان الأدب وحين توقيع المعاهدة المصرية – البريطانية، في 1936، دون ذكر لمستقبل السودان، الذي ظل تحت إدارة الحكم الثنائي، أثار الأمر حفيظة الخريجين، وعملوا في ود مدني على تنظيم سلسلة من الندوات والمحاضرات تحت ثيمة (بعد المعاهدة). أبرزها محاضرة (واجبنا السياسي بعد المعاهدة) تحدث فيها الأستاذ أحمد خير، بأن على الخريجين أن يتجمّعوا، ونشرت المحاضرة بمجلة (الفجر). ودار نقاش حولها، حتى تبلورت فكرة (مؤتمر الخريجين)، في 1938، الذي صار وعاءً جمع آمال ذلك الجيل، ليعبر عن قضيتين، هما: مصلحة الخريجين، ومصلحة الوطن. وبعد سنوات حذفت القضية الأولى. من أهداف المؤتمر كان دعم حركة الثقافة والأدب فأنشأوا في 1939 أول مهرجان أدبي بود مدني، وناقش المهرجان – إلى جانب الأدب – قضايا الاقتصاد والهوية والتخلف وغيرها. وقامت النسخة الثانية من المهرجان، تباعاً، بأمدرمان في 1940 والثالث في نادي الخريجين بالخرطوم، وقد منعت قيامه الإدارة البريطانية، والرابع كان بالأبيض. عبر مؤتمر الخريجين، تبلورت فكرة حق تقرير المصير في أبريل 1942، وتحدث الأستاذ محمد محجوب بأن الأدب يعتبر خيانة، بعد فكرة تقرير المصير، التي عملوا عليها بوصفها قضية مركزية.