الصراع الدائر في جنوب السودان على درجة كبيرة من التعقيد، ولا يمكن أن يكون قد انفجر هكذا عفو الخاطر، فلابد أن تكون هناك قوة خارجية وراء الذي يجري. ولمعرفة من وراء الذي جرى، طرحنا السؤال الآتي: من الذي له مصلحة وراء الذي جرى والذي يجري الآن على أرض الواقع؟ إن أصابع الاتهام تشير إلى أربع دول، هي: السودان، إسرائيل، يوغندا والولاياتالمتحدة. وتناولنا في وقت سابق مسببات اتهام السودان بالتحليل، وتوصلنا إلى أن مصلحة السودان مع استقرار الجنوب، ولن يتهم السودان إلا صاحب هوى، كما فعل إدوارد لينو، وسنتناول في هذه الحلقة بقية المتهمين. أولاً: تشير أصابع الاتهام إلى إسرائيل بأنها وراء هذه الأحداث، ولكن اتهام إسرائيل هكذا لا يخلو كذلك من عدم الموضوعية، فاستراتيجية إسرائيل مبنية على استخدام دولة الجنوب لتفكيك ما تبقى من السودان. ولا يتأتى هذا إلا إذا كانت بندقية الجنوب موجهةً للشمال، داعمةً لأي حركة تمرد تعمل على زعزعة أمن واستقرار الخرطوم، وهو الهدف الثاني لإسرائيل تجاه السودان. مهادنة سلفاكير لكن الدور الإسرائيلي يأتي بالتأكيد بصورة غير مباشرة، وذلك لأنها كانت غير راضية على مهادنة الرئيس سلفاكير ميارديت للخرطوم. ؛؛؛ الدور الإسرائيلي يأتي بصورة غير مباشرة، وهي ضد مهادنة الرئيس سلفاكير للخرطوم وأن أولاد قرنق ورياك مشار كانوا خيارها في تنفيذ مخططها ضد الخرطوم ؛؛؛ وأن أولاد زعيم الحركة الشعبية الراحل د. جون قرنق ورياك مشار كانوا هم خيار إسرائيل في تنفيذ مخططها ضد الخرطوم عبر الجنوب. لذلك كانت إسرائيل داعمة لأولاد قرنق ومشار للإطاحة بسلفاكير، وكانت تعتقد - حسبما وصلها من معلومات - أن ذلك سيتم بسهولة. ولكن اتضح أن سلفاكير كان أقوى مما توقعت إسرائيل، وبالتأكيد فإن إسرائيل الآن قلقة مما يحدث، ومن الذي قامت به بطريقة غير مباشرة، وذلك إذا استمرت الحرب واتسع نطاقها، فسيكون ذلك على حساب الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه السودان. فالولاياتالمتحدة كذلك متهمة بأنها وراء هذا الصراع، وذلك لعدة أسباب أهمها: إنه في حالة حدوث الحرب فسوف يؤدي ذلك لانسحاب الصين، وبالتالي يخلو الجو للشركات الأميركية لتحل محل الشركات الصينية وشركات شرق آسيا، بل لعل شركات البترول الأميركية هي التي مارست ضغوطاً على الإدارة الأميركية لعمل ذلك. خيار أميركا كان خيار الولاياتالمتحدة الأميركية لحكم الجنوب هو رياك مشار وأولاد قرنق، وتتفق الولاياتالمتحدة مع إسرائيل في هذه النقطة بأن سلفاكير قد أدى دوره، بتحقيق الانفصال، وعليه الذهاب ليحل محله من يقوم بتنفيذ السياسات التي تتناسب مع المرحلة الجديدة. وتهدف الولاياتالمتحدة بإثارة هذا الصراع بأن يعطيها الغطاء لاحتلال الجنوب، وذلك كما حدث في أفغانستان، وذلك لتنفيذ عدة أغراض أهمها الاستحواذ على خيرات الجنوب وموارده الضخمة خاصةً في مجال النفط. ؛؛؛ الولاياتالمتحدة كان خيارها لحكم الجنوب رياك مشار وأولاد قرنق، وتتفق أمريكا مع إسرائيل في هذه النقطة بأن سلفاكير قد أدى دوره، بتحقيق الانفصال ؛؛؛ وثانياً لأقامة القيادة الأميركية الأفريقية في جنوب السودان (أفريكوم) لتكون قادرة على السيطرة على منطقة البحيرات ومنطقة القرن الأفريقي. ويبدو أن القرائن والبينة الميدانية ضد الولاياتالمتحدة قوية، فقد انسحب الصينيون وشركات شرق آسيا من مناطق البترول، خاصة في ولاية الوحدة، على الرغم من أنهم لم ينسحبوا في ظروف سابقة كانت أعنف من هذه، الأمر الذي يترك عدداً من علامات الاستفهام. قوات أممية وبدأت الولاياتالمتحدة تتكلم عن ضرورة إرسال قوات أممية للجنوب، وبالتأكيد ستكون لها القيادة والقدح المعلى في هذه القوات، إضافة إلى القوات الأميركية التي أرسلها الرئيس باراك أوباما الآن، زاعماً أنها للمساعدة على إجلاء الرعايا الأميركان من الجنوب وحماية السفارة الأميركية في جوبا. ومن ذلك نستطيع أن نقول إن الولاياتالمتحدة مع مشار وضده، ومع سلفاكير وضده، وهذا يرجع إلى أن الولاياتالمتحدة خلف الذي جرى، وهي تسعى جاهدة لخلق الفوضى الخلاقة. هذا على الرغم من أن الولاياتالمتحدة كانت خلف انفصال الجنوب، وكانت داعمة في هذا الاتجاه بعد أن كانت مع خيار الوحدة، وبالتالي استقرار دولة الجنوب وقيام الدولة الوليدة ونموها يكون فيه نجاح للسياسة الأميركية، وخاصة الرئيس أوباما. ونأتي ونقر بأن الاستراتيجية الأميركية تجاه الخارج متغيرة مع المصالح الأميركية. ؛؛؛ المصالح الأميركية تجاه الخارج متغيرة، فإذا كانت مصالح أمريكا مع وحدة السودان، فهي داعمة للوحدة وإذا تغيرت مصالحها وأصبحت تحقق بالانفصال فهي مع الانفصال ؛؛؛ فإذا كانت مصالح الولاياتالمتحدة مع وحدة السودان، فهي داعمة للوحدة وإذا تغيرت مصالحها وأصبحت تحقق بالانفصال فهي مع الانفصال، وإذا أصبحت مصالحها مع حريق الجنوب، فهي مع حريق الجنوب ولا يهمها الجنوب ولا مواطنيه. وسنحاول أن نستبين ذلك عندما نتناول موقف الولاياتالمتحدة الآن من هذه الحرب. أقوى المتهمين أما يوغندا، وهي التي تمثل أقوى المتهمين لإشعال الحريق في الجنوب السوداني لعدة أسباب، منها أنها تطمع وتعتقد أن ولاية الاستوائية هي تابعة ليوغندا، وبالتأكيد لن تستطيع ضمها في وجود حكومة قوية أو في وجود جنوب مستقر. ويعتقد موسفيني أن رياك مشار داعماً لجيش الرب الذي ينطلق من أراضي الجنوب ضد الشمال اليوغندي. ؛؛؛ المتهم الرئيسي فى إشعال حرائق الجنوب هى يوغندا لأسباب، منها أنها تعتقد أن ولاية الاستوائية يوغندية ، ولن تستطيع ضمها في وجود حكومة قوية ؛؛؛ وسلوك يوغندا في منطقة البحيرات عموماً وفي الصراعات القبلية في هذه المنطقة، دائماً ما تكون يوغندا داعمةً لأحد أطراف الصراع القبلي، فقد كانت خلف الصراع في بورندي ورواندا والكونغو. ولذلك دعمها للصراع القبلي في جنوب السودان يشبه السلوك اليوغندي، كما أن سلوكها بعد أن بدأ القتال يؤكد ذلك، فقد أرسلت قواتها مساندة لسلفاكير، وصرح موسفيني أن قواته لن تنسحب من جوبا حتى يتم الاستقرار والأمن في الجنوب. هنالك عداء شخصي وكره من موسفيني لمشار والرئيس عمر البشير، ويعتقد موسفيني أن هناك تنسيقاً كاملاً بين البشير ورياك مشار حول الذي يجري. قرائن قوية وعلى ذلك نستطيع أن نقول إن هناك قرائن قوية وبينة مبدئية تجعل الاتهام ليوغندا موضوعياً، هذا مقروناً مع استجابتها السريعة وإرسال وقواتها إلى جوبا لتقاتل إلى جوار قوات سلفاكير. وإذا كانت هذه الحيثيات في مواجهة المتهمين الأربعة، فإنها تشير إلى براءة السودان واحتمال المساهمة الجنائية لإسرائيل بمساعدتها غير المباشرة، وذلك بتشجيعها لحلفائها من أولاد قرنق للإطاحة بسلفاكير الأمر الذي تسبب في هذا الصراع. كما لا نتردد في أن نقول إن هناك قرائن وبينات ظرفية تعضد قيام بينة مبدئية قوية لاتهام الولاياتالمتحدة ويوغندا للعمل على تأجيج الصراع، وربما يكون ذلك تم بتنسيق بينهما، لأننا نعلم العلاقة القوية بين يوغندا والولاياتالمتحدة، وأن يوغندا هي الدولة المحورية للولايات المتحدة في منطقة البحيرات والقرن الأفريقي. ولكن مع هذه البينات والقرائن الظرفية التي تعضد توجيه الإتهام ليوغندا وأميركا، هذا لا ينفي أن الصراع على السلطة بين مجموعة أولاد قرنق وسلفاكير كان السبب المباشر لاندلاع هذا الصراع، وأن ذلك ما كان سوف يتأخر لو تأخر العامل الخارجي. صراع قديم هذا الصراع قديم من قبل وفاة الدكتور قرنق، ولكنه ظهر إلى السطح بعد وفاته، وقد كان طموح الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم، وكذلك رياك مشار غير المسنود بالقوة القبلية خاصة من جانب باقان، كان ذلك وراء محاولات الاغتيالات التي قام بها باقان ومشار للتخلص من منافسيهما وخاصة سلفاكير للانفراد بقيادة الدولة الوليدة. فقد روى المستشار الإعلامي للدكتور لام أكول (جمال السراج) عدد من المحاولات التي قام بها باقان للتخلص من خصومه فقد خطط لاغتيال خاله (لام أكول)، كما خطط لاغتيال سلفاكير بإطلاق (RPG) على طائرته أثناء إقلاعها من مطار جوبا. وقد تم إطلاق المقذوف، ولكنه أصاب عجلات الطائرة، ونجا سلفاكير بأعجوبة، ثم كان التخطيط لاغتيال سلفاكير بواسطة ابن أخته. ؛؛؛ الحيثيات في مواجهة المتهمين الأربعة، تشير إلى براءة السودان واحتمال المساهمة الجنائية لإسرائيل بتشجيعها لحلفائها للإطاحة بسلفاكير الأمر الذي تسبب في هذا الصراع ؛؛؛ ثم أخيراً ما تم في اجتماعات مجلس التحرير، ثم المحاولة الانقلابية الأخيرة، كل هذا كان سلفاكير على علم به. تنسيق كامل وعندما أرادوا أن يتعشوا به تغدى بهم، وبالتأكيد فإن ذلك كان بتنسيق كامل مع إسرائيل وبعض القوى في الولاياتالمتحدة التي كانت ترى أن سلفاكير قد أدى مهمته، ولعدم تقدير قدرات وقوة سلفاكير كان الفشل، وكان ما جرى وسيجري. وقد كان هناك انفعال كبير بالصراع الذي حدث في الجنوب إذا كان على المستوى الإقليمي ودول الجوار، والذي انخرط في محاولة لحل الصراع من خلال الإيقاد، أو إذا كان على المستوى الدولي مثلاً في الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وغيرها من الدول. وهذا الانفعال غير الطبيعي بهذا الحدث ناتج من الولادة غير الطبيعية لهذه الدولة. فقد استطاعت الولاياتالمتحدة أن تخلق زخماً دولياً كبيراً مصاحباً لميلاد هذه الدولة، كما أن ميلاد هذه الدولة غير الطبيعي يعد السابقة الأولى في القانون الدولي التي يسمح فيها لمواطنين داخل دولة بممارسة حق تقرير المصير، ومن ثم الانفصال. ؛؛؛ الصراع قديم بين قادة الحركة ولكنه ظهر إلى السطح بعد وفاة قرنق، وقد كان طموح باقان أموم، ورياك مشار، وراء محاولات الاغتيالات ؛؛؛ مصدر قلق وقد أصبح هذا النموذج مصدر قلق لمعظم الدول في العالم التي لا تخلو من وجود إثنيات متعددة في داخلها. وأصبح هذا النموذج أيضاً سابقة قابلة للتكرار في أي دولة في العالم، لذلك كان هذا أحد الأسباب التي جعلت معظم دول العالم تتابع نمو هذه الدولة الوليدة. ولعل غالبية دول العالم التي لها ظروف مشابهة في التعدد العرقي تبتسم ابتسامة عريضة للذي يجري في جنوب السودان، وسوف يكون كابحاً وحجة قوية لأي مجموعة إثنية غير متجانسة تتطالب بالانفصال عن دولتها الأم. وعلى الرغم من تعدد المواقف تجاه هذا الذي يجري في الجنوب، لكننا سنتناول بالتحليل في مقالنا القادم مواقف أكثر الدول تأثيراً وتأثراً بالذي يجري، وهما دولتا الولاياتالمتحدة والسودان.