في عقوبة الزاني المحصن، افترع وزير العدل مولانا د.عوض الحسن النور، طريقاً ثالثاً ربما لم يطرقه أحد من المهتمين بقضايا العقوبات الحدية والتعزيرية في الشريعة الإسلامية. د.عوض النور دفع بمشروع قانون إلى مجلس الوزراء ينص على إعدام الزاني المحصن شنقاً، بدلاً عن الرجم. لم يشكل هذا التعديل مفاجأة لي -على المستوى الشخصي- لأني أعلم أن هذا الرأي يعتمل في صدر وزير العدل منذ سنوات. وقد ضمّنه في رسالته للدكتوراه التي عقد فيها مقارنة بشأن حقوق الإنسان والعقوبات الجنائية في الشريعة الإسلامية، على ضوء حقوق الإنسان في العهود والمواثيق الدولية. وهو كتاب أفرغ فيه وزير العدل جهداً كبيراً لعمل مقاربة أو مقارنة بين الحقوق والعقوبات في الحقلين التشريعيين المشار إليهما. كما أن وزير العدل نفسه ألمح خلال الحديث الأسبوعي لوزارة الإعلام إلى أنه بصدد إجراء تعديل على بعض النصوص والمواد في القانون الجنائي. وذكر بصورة سريعة –ربما لم ينتبه لها الكثيرون- عقوبة الرجم، التي يرى أنه لا يمكن تطبيقها في الوقت الحالي، وأقصد وسيلة التطبيق وليس نتيجته. بمعنى أنه يصعب إيجاد من يقوم بالرجم، ولكن يسهل إزهاق روح الجاني وهو الزاني المحصن بوسيلة أخرى. النيران من جهتين هذا الاجتهاد في التعامل مع الزاني المحصن فتح على وزير العدل النيران من جهتين. " التعديل الذي حمله مشروع القانون هو من جملة تعديلات يرى وزير العدل أنها تدخل في إطار قضية الإصلاح التي أعلنتها الحكومة " الأولى ترى أن عقوبة الزاني المحصن في الشريعة الإسلامية هي الرجم حتى الموت، وتستدل على ذلك بالممارسة العملية في عهد النبوة. حيث أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالرجم في حق الزاني المحصن، ونفذ الصحابة ذلك الأمر. ويستدل أصحاب هذا الرأي على ذلك أيضاً بآية الرجم (منسوخة تلاوة وباقية حكماً). والجهة الثانية ترى أن الرجم ليس من شريعة الإسلام، وأن أمره صلى الله عليه وسلم بالرجم كان قبل نزول سورة النور التي أوضحت بجلاء {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}. كما أن الآية الأخرى التي توجب تنصيف عقوبة الزنا في حق الإماء {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}، تشير إلى أن عقوبة الزاني المحصن هي الجلد لا الرجم، لأن الرجم لا يمكن قسمته إلى النصف. قضية الإصلاح هذا التعديل الذي حمله مشروع القانون هو من جملة تعديلات يرى وزير العدل أنها تدخل في إطار قضية الإصلاح التي أعلنتها الحكومة. وشملت فيما شملت إصلاح القوانين والتشريعات التي يرى الوزير أنها بحاجة إلى تعديل، نظراً لملاحظات وردت بشأنها، أو كشفتها الممارسة العملية أو استحال تطبيقها. لم يتسن لي الوقوف على النص المراد إلغاؤه في القانون الحالي بشأن عقوبة الزاني المحصن، هل كانت المادة تؤيد أصحاب الرأي الأول القائلين برجم الزاني المحصن؟. الراجح أن المادة تقول ذلك، لأن وزير العدل عدّل في أداة الموت وإزهاق الروح بحق الزاني المحصن من الرجم إلى الشنق ولم يعدّل في العقوبة نفسها، إذ من المستبعد أن يكون التعديل من الجلد إلى الرجم. ترى هل يمكن تعديل الوسائل في العقوبات الإسلامية؟. القانون الجديد تحادثت مع الدكتور أمين حسن عمر حول مشروع القانون الجديد الذي دفع به وزير العدل مشتملاً على عقوبة الإعدام شنقاً للزاني المحصن بدلاً عن الرجم. فاجأني د.أمين بالسؤال: من أين عرفت أن التعديل نص على الإعدام (شنقاً)؟. أجبته بأن الصحف نشرت الخبر ونصت على كلمة (شنقاً) هذه، لم يبد د.أمين حماساً للخوض في هذه القضية عبر الصحف. وأخبرني أنه اعتذر عن الخوض فيها على قناة "اس 24". ورأى أن مشروع القانون لم يستكمل دورته المؤسسية، لأنه لم يعرض على البرلمان بعد، وبالتالي فإنه ما زال عرضة للتغيير. رجعت إلى الشبكة العنكبوتية فوجدت أن هذا الخبر حظي باهتمام كبير من معظم الوكالات العربية والأجنبية. وجاء الخبر بصيغ مختلفة، مثل (الإعدام شنقاً في السودان بدلاً عن الرجم للزاني المحصن) وهذا نص عنوان وكالة ارم الإماراتية، واليمن نيوز، ومواقع مصرية حملت ذات المضامين. كيفية الإعدام د.أمين حسن عمر يعتبر من الرموز البارزة في تيار التجديد، وهو شديد الاقتناع بأن الرجم ليس عقوبة للزاني المحصن. لأن الاعتراف بالجرم- وهذا هو أشهر الوجوه لثبات هذه الجريمة- يقتضي الرحمة بالمعترف نفسه، والرجم ينافي هذا الاقتضاء. تساؤل د.أمين عن كلمة (شنقاً) دلني على الطريق الذي يمكن أن يسلكه القانون الجديد حتى اكتمال دورته المؤسسية. إذ يبدو أن المخرج سيكون بالامتناع عن ذكر أداة الإعدام أو كيفية الإعدام في النص المتعلق بعقوبة الزاني المحصن. لا يوجد أي مخرج آخر لتفادي النص على عملية الرجم إلا بالسكوت عن إيراد طريقة الإعدام. وهذا هو أرجح الاحتمالات لمآلات التعديل الجديد قبل أن يتم الدفع به إلى البرلمان وقبل أن تقول المؤسسات الدينية التي تتولى شأن الفتوى رأيها. النزعة التجديدية ولكن إلى حين إجازة التعديل أو إلغاؤه أو تعديل التعديل، فإن هذه القضية تشير إلى أن التيار الإسلامي صاحب المدرسة التقليدية تغلّب على تيار النزعة التجديدية (الذي ينفي وجود عقوبة الرجم). " التيار التجديدي (الغالب والحاكم) لم يستطع حتى الآن أن يُحكم سيطرته أو يفرض رؤاه التجديدية على مؤسسات الدولة والحكم بالكامل " التيار التجديدي لم يستطع حتى الآن أن يُحكم سيطرته أو يفرض رؤاه التجديدية على مؤسسات الدولة والحكم بالكامل. هذا مع العلم أن هذا التيار ليس مجموعة داخل الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، ولكنه الحركة الإسلامية نفسها والمؤتمر الوطني ذاته. الحركة الإسلامية هي أم التجديد وهي بنته في نفس الوقت. وقد بني خطها الفكري العام على ضرورة المراجعات الفقهية وعدم الركون إلى الفهم القديم. ويدخل في ذلك الفهم القديم قضيتا الردة والرجم، لأنهما من القضايا التي لها تماس بحقوق الإنسان ببعدها العالمي. وقد تحمّس الحركيون إلى رأي شيخهم الترابي القائل بعدم جواز قتل المرتد عن الإسلام إذا لم يصاحب مروقه عنف أو مواجهة أو حمل السلاح. كما أنه يرى بأن الرجم هو من شريعة اليهود التي طبقها الرسول صلى الله عليه وسلم (واتبع فيها أثر التوراة تصديقاً لما بين يديه من كتاب وحي قبل أن يتنزل عليه الأمر في كتاب القرآن المهيمن). قضية الرجم وتداعياتها في أروقة مجمع الفقه الإسلامي، تنبئ أن تيار التجديد عجز عن اقتحام المؤسسات الدينية التقليدية، رغم أنه بسط رؤيته على ما عداها من مؤسسات.