إبراهيم مطر ترى من أين يأتي مؤيدو الجيش وكتائب البراء بن مالك الإرهابية من نخب الشمال بسلطتهم الأخلاقية المتوهمة هذه على غيرهم؟ سواءً رافضي عودة الحركة الإسلامية والحزب المحلول للسلطة، أو مؤيدي قوات الدعم السريع وتحالف السودان التاسيسي؟ من وضعهم على طاولة القضاة، ووضع غيرهم في قفص الاتهام؟ ما الميزة التي تجعل من يؤيد دواعش البراء القتلة، أكثر وطنية ممن يؤيد قوات الدعم السريع حماية لنفسه من ذبح الدواعش المجنون؟ من صادر حق هؤلاء الآخرين في أن يكونوا آخرين؟ أم أنها ذات النعرات الإستعلائية القديمة، والتي جعلت من السودان موطناً للحروب الأهلية في غالب ما أعقب استقلاله من سنوات؟ ومجرد محاولة الإجابة على ما سبق من أسئلة تمنحك صورة واضحة عن الوقود الذي يغذي حرب أبريل، هو ليس المسيرات التركية، ولا الاسلحة الإيرانية والتمويل القطري، بل هو ما تعج به النفوس من ضغائن ومن عنصرية شكلت المحفز الأساسي لاستمرار الحرب لما يزيد عن العامين، واستثمر الإخوان في سخائم النفوس المتواطئة مع غبن قديم، أراد له البعض أن يبقى وأن يقيم، ولو عبر روايات منحولة، ووقائع مختلقة، ونجحوا للأسف في تحويل أنظار نفر غير قليل من النخبة المفترضة، والتي تشهد أسوأ عصور انحطاطها، وسقوطها العمودي من مناقشة فلسفة وفكر ما بعد الحداثة، إلى الاحتماء بالقبيلة والعشيرة، وتلك الانتماءات البداية في أول عهد الإنسان بالمجتمعات. مثقفين، يساريين، شيوعيين جذريين، وثوار كانوا في ميدان الاعتصام، اتضح أن بعضهم كانوا في الأصل "جواسيس" داخل الأجسام الثورية المختلفة بل وداخل الأحزاب نفسها، وصاروا من أبطال حرب أبريل الخونة. ظهر رئيس لجنة الميدان في اعتصام القيادة العامة "أمين سعد" بشحمه ولحمه وهو يرتدي الكاكي ويعتمر بندقيته، مجتمعاً مع إخوان الشياطين، وكان البعض ينظر لصوره على الوسائط في ذهول صنعته حرب أبريل. وعلى ذكر "أمين سعد" فقد كان نائباً لرئيس حزب "حشد" الوحدوي "صديق أبو فواز" كابتن الطيران الذي تم فصله من شركة تاركو لسكره الشديد اثناء ساعات العمل، قبل أن يعيده الإخوان إلى العمل تكريماً له على تجسسه على تحالف قوى الإجماع الوطني لسنوات، عبر حزبه الذي صنعه جهاز أمن الإخوان، ووضعه على رأسه. كان "أمين سعد" مقيماً في دار الحزب الشيوعي، ملتصقاً بعضو المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب "صديق يوسف" التصاق السوار بالمعصم دون أن يعرف أحد لذلك سبباً ولا مبرراً. ولما كان تأمين الحزب الشيوعي السوداني في ذلك الوقت "راكوبة وشكلها منزل"، كما يغني وردي الصغير، فقد تم تسهيل تسلل جاسوس المخابرات إلى داخل مكتب ومنزل "صديق يوسف" من داخل الحزب، والذي كان قد فصل لتوه مسؤول تأمينه العتيد "حاتم قطان" بتهمة العمالة لجهاز المخابرات الإخواني! فوجد "أمين سعد" الحزب "مولد وسيدو حاضر وراضي"، بعد تمكن غواصات جهاز الأمن وبالكامل، من اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب. وعندما سُرق اللابتوب الخاص بصديق يوسف، الذي احتوى معلومات تنظيمية سرية – رغب جهاز أمن المؤتمر الوطني في الحصول عليها – لم يشك أحد في الرجل الجالس بجواره صباح مساء في المكتب والمنزل، يحكي القصص الطويلة عن التحقيق معه خلال اعتقالاته المتكررة، التي وصلت لمعدل مرة كل شهر، فيما عرف لاحقاً بالاعتقالات الباردة، والتي يُخضع لها جهاز المخابرات الإخواني كوادره بين حين وآخر. لكن ما إن اندلعت حرب أبريل، حتى ظهر "أمين سعد" معتمراً بندقية، معلناً انحيازه لكتائب البراء بن مالك الإخوانية. فما الذي يجعل هذا الجاسوس الخائن بطلاً، ويجعل من يعارضه خائناً؟ ألا يمكن احترام وجهة نظر هذا الآخر واحتمالها دون تخوين؟ أم أن وراء الأكمة ما ورائها؟ "انت داير تقول شنو؟"، كان صديقي الفنان المسرحي يقول في غضب، حينما يستشعر نية نكران لواقع ماثل، أو جحود لحقيقة مؤكدة في حديث من يتشارك معه الحجج والنقاش. فيا من تقرون قطع الرؤوس وبقر البطون والاعتقالات والإعدامات الإثنية بالصمت الجبان والإدانات الخجولة دايرين تقولوا شنو؟ ما هي القيمة الإنسانية في مناصرة كتائب البراء بن مالك الإرهابية، والتي تجعلكم أعلى كعباً – من الناحية الإنسانية – من القتلة أنفسهم؟ ناهيكم عن غيركم ممن رفضوا عودة الدواعش للسلطة! ما الذي يجعلكم مؤهلين اخلاقياً لإصدار الأحكام؟ ويا مدعي القومية والحرص على وحدة السودان، ألم تسمعوا أن هذه حرب على المجتمعات ومن على أعلى قمة سلطة بورتسودان حين قال البرهان وبالحرف الواحد: "سنقاتل كل من يساند هذه المليشيا من حركات مسلحة ومن مجتمعات؟"، أليس هناك استهداف لمجتمعات بعينها خلال هذه الحرب؟ ألم تسمعوا بقانون الوجوه الغريبة؟ ويا من تدعون الثورة والإنحياز لديسمبر ألم تسمعوا "الكاهن" وهو يقول لكم : "مافي مجد للساتك بعد دا المجد للبندقية بس؟"، "دايرين تقولوا شنو؟". وانت تنظر فلا ترى سوى محاولات قليلة بئيسة لفلسفة حديث البرهان، يفتشون عما يخدعون به الناس عبر محاولة قراءة ما بين السطور، على الرغم من وضوح ما كتب فوق السطور، ألا لعنة الله على الظالمين.