المريخ يتلقى ضربة موجعة ويفقد خدمات مايسترو الوسط في مباراة القمة    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    ميسي يتجاوز رصيد رونالدو التهديفي من دون ركلات الجزاء    توفير أكثر من 750 وظيفة..الإعلان عن مجمّع متكامل للصناعات الغذائية في السودان    في مقام الترجيح لا التسكين:    ظاهرة.. جبريل إبراهيم!!    حظر خدمة الإتصال الصوتي والمرئي ل "واتساب" تثير جدلاً في السودان    شاهد بالصور.. "يفرهد بكرة بستاني النضير".. السلطانة هدى عربي تواصل خطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة ساحرة    شاهد بالصورة والفيديو.. ظل يرقص أمامها وهي تحمسه.. شاب سوداني يصطحب والدته لحفل العميد بالقاهرة ويحظي بآلاف الإعجابات على السوشيال ميديا    شاهد بالصورة والفيديو.. سيدة سودانية تقتحم حفل الفنان أحمد فتح الله بالقاهرة وتنهار بالبكاء والبندول يتعاطف ويتفاعل معها ويقبل يدها    نقابة الصحفيين السودانيين تنعى وفاة"عفراء فتح الرحمن"    قيادات بارزة تعلن الانضمام للعدل والمساواة في السودان    ختام دوري النخبة يشهد مواجهات حاسمة    غبيشة تشكو الوداد في لاعبها يس عبد القادر    الكشف عن بشرى سارة في منطقة الصالحة    الهلال ينسحب من كأس السوبر السعودي حفاظا على لاعبيه    صلاح : أنا الأفضل في التاريخ    السودان.. محكمة في مروي تصدر أحكامًا رادعة ضد متّهمين    السودان.. تقرير يكشف عن تحديات بشأن سوق أمدرمان    د.ابراهيم الصديق علي يكتب: *تقييد اتصال الواتساب: قضية أمن أم اتصالات؟*    لجنة المسابقات ترفض طلب سيد الاتيام والزمالة    بالفيديو.. أحدث ظهور للطفلة السودانية الشهيرة "بوليغ" شاهد كيف أصبح شكلها بعد أن كبرت.. هل تغيرت ملامحها؟    شاهد بالصورة والفيديو.. ظهور "خواجات" بإحدى الطرق السفرية بالسودان في طريقهم إلى الخرطوم وساخرون: (الخواجات رجعوا وجنقو مصر لسه)    شاهد بالصورة والفيديو.. ظهور "خواجات" بإحدى الطرق السفرية بالسودان في طريقهم إلى الخرطوم وساخرون: (الخواجات رجعوا وجنقو مصر لسه)    وزير المالية يكشف عن تحديات المرحلة والوكيل يكشف عن برنامج إصلاحي غير مسبوق    مصر تخصص قطاراً لنقل السودانيين العائدين طوعاً إلى أرض الوطن    وزير المعادن يتسلم مهامه    بعد تصريحات ترامب.. السيسي يبحث قضية المياه مع قائد عسكري أمريكي كبير    قرار مثير في السودان بشأن تطبيق واتساب    هل يتجسس أحدٌ على هاتفك ! كيف تكتشف ذلك ؟    ماسك يكشف عن تطويره مساعد ذكاء اصطناعي مخصص للأطفال    شاهد بالفيديو.. الهلال يمطر شباك "التبلدي" بخماسية ويشعل الديربي    والي ولاية شمال كردفان يودع الوثبة الثالثة من العائدين الى ولاية الخرطوم    شاهد بالفيديو.. الطفل الذي تعرض للإعتداء من الفنانة إنصاف مدني يظهر مع والده ويكشف حقيقة الواقعة وملكة الدلوكة ترد: (ما بتوروني جبر الخواطر ولا بتوروني الحنيه ولا منتظره زول يلفت نظري)    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    الإستخبارات الأوكرانية تستعد لمعركة في أفريقيا    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    لجنة أمن ولاية الخرطوم تؤكد دعمها للخطة التفصيلية لضبط الوجود الأجنبي بولاية الخرطوم    الحسابات الجزافية    بريطانيا تُغلق الباب ببطء.. الطريق إلى الجنسية أصبح أطول وأقسى    المباحث الجنائية تضبط عربة بوكس تويوتا وسلاح ناري وتلقي القبض على المتهم    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    الأزرق… وين ضحكتك؟! و كيف روّضتك؟    عاجل..اندلاع حريق جديد في مصر    المباحث الجنائية المركزية ولاية الخرطوم تكشف غموض جريمة مقتل مواطن ونهب هاتفه بالحارة 60 وتوقف المتهم    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    ((مختار القلع يعطر أماسي الوطن بالدرر الغوالي)) – غنى للعودة وتحرير مدني وغنى لاحفاد مهيرة – الدوحة الوعد الآتي (كتب/ يعقوب حاج أدم)    أم درمان.. سيولة أمنية وحوادث عنف بواسطة عصابات    تدشين حملة التطعيم ضد الكوليرا بمحلية سنار    هبة المهندس مذيعة من زمن الندى صبر على الابتلاء وعزة في المحن    المباحث الجنائية بولاية الخرطوم تضبط متهمين إثنين يقودان دراجة نارية وبحوزتهما أسلحة نارية    بشرط واحد".. فوائد مذهلة للقهوة السوداء    بالفيديو.. شاهد لحظات قطع "الرحط" بين عريس سوداني وعروسته.. تعرف على تفاصيل العادة السودانية القديمة!!!    عَودة شريف    مأساة في أمدرمان.. تفاصيل فاجعة مؤلمة    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    كيف نحمي البيئة .. كيف نرفق بالحيوان ..كيف نكسب القلوب ..كيف يتسع أفقنا الفكري للتعامل مع الآخر    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في مقام الترجيح لا التسكين:
نشر في الصيحة يوم 21 - 07 - 2025

أسئلة حول معايير الاختيار لرئيس الوزراء في حكومة "تأسيس" المرتقبة
د. الوليد مادبو
في خضم النقاش المتصاعد حول إسم رئيس الوزراء المرتقب لحكومة "تأسيس"، والمفاضلة الدائرة بين السيد محمد حسن التعايشي والسيد إبراهيم الميرغني، تعود إلى السطح مسألة منهج الاختيار في الحياة السياسية السودانية: هل نبدأ بالأشخاص أم بالمعايير؟ هل نُخضع المواقع للميزان الوطني، أم نُعيد تدويرها وفق نوازع عاطفية وصفقات تحت الطاولة؟.
لقد أثبتت التجربة السودانية – مرارًا – أن نجاعة الهياكل لا تُبنى على حسن النوايا، بل على دقة المعايير، ووضوح الغاية، ومنهجية الانتقاء. ورغم أن حكومة "تأسيس" لا تختلف من حيث البنية المحاصصية عن حكومة بورتسودان، إلا أنها تُبشّر – أو هكذا يُؤمل – بإرادة وطنية أكثر صدقًا، ورؤية أكثر تنوعًا، ومشروع أخلاقي أكثر رسوخًا، خصوصًا فيما يتصل بالمطالب التنموية والاستحقاقات السيادية لمناطق الهامش.
حتى وإن أخفقت أو لم يحالفها التوفيق في بعض الجوانب لا سمح الله، فإن مجرد إعلانها يعد نجاحًا في حد ذاته. إذ لا يمكن إنكار الأثر الرمزي العميق لإعلان حكومة "تأسيس"، باعتبارها أول حكومة تعبر — ولو جزئيًا — عن إرادة الريف السوداني، الذي طالما حُرم من تمثيل سيادي حقيقي، وظل رازحاً تحت وصاية نخبة مركزية أعيت السودان فساداً وصلفاً وعجزاً مؤسسياً، وحرمت الهامش من شرف التفاوض المباشر فيما يخص مستقبله التجاري والاقتصادي.
لقد آن للريف أن يتحرر من الإرث العثماني الثقيل الذي حبسه لقرون في زاوية التبعية لمراكز القرار البعيدة، وأن ينفتح على فضائه الأفريقي، اقتصادياً وثقافياً واستراتيجياً. وهذه فرصة تاريخية، لا لبعث الانفصال بل لإعادة تعريف الوطنية بمنظور شامل وحيّ، يتجاوز أسوار الخرطوم، ويصغي لنداء الأرض والبشر.
لقد تأخرت حكومة تأسيس كثيراً حتى قال الأهل في الريف "الطُّوَل بجيبن الهُوَل". أما وقد انحصر الخيار بين محمد حسن التعايشي وإبراهيم الميرغني، فإن النظر لا بد أن يبدأ من تقييمٍ دقيق للقدرات الشخصية والسياقات السياسية التي مرّ بها كلٌّ منهما.
فالتعايشي لا يُنكر عليه أحد حنكته التفاوضية، واتساع دائرة علاقاته، وقدرته على تمثيل خطاب السودان الجديد في محافل متعددة، بل كان حضوره السيادي موضع تقدير من قطاعات واسعة، لما اتسم به من حلاوة معشر، ولباقة في الحوار، واستعداد للاستماع للآخرين. يتمتع بموهبة اجتماعية لافتة، وقدرة على تحمّل الضغوط السياسية دون انفعالات حادة، وهو ما جعله رقماً معتبراً في معادلات التفاوض الإقليمي. كما أن سيرته الطلابية، منذ رئاسته لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم عام 2003، أظهرت شخصية ذات طموح عال، وإيمان عميق بقضايا العدالة الاجتماعية والتمثيل المتوازن.
لكن هذه الحسنات لا تحجب جملة من المثالب التي تُضعف من جدارة ترشيحه في هذه اللحظة الدقيقة. فالتعايشي، رغم حضوره السياسي، لم يعمل على تطوير نفسه أكاديميًا أو مهنيًا منذ ما يقارب العشرين عامًا، وظل بعيدًا عن العمل التنفيذي الصارم، ما يجعل كفاءته الإدارية موضع تساؤل. كما أن ارتباطه باتفاق جوبا، ذاك الاتفاق البئيس الذي كان أحد عوامل إضعاف المسار الوطني، إذ أعاد الاعتبار لقوى ماتت وأصبحت أثرًا بعد عين، وأقصى منطق الصلح القاعدي لصالح تسويات فوقية شائكة.
أمّا إبراهيم الميرغني، فهو رغم خلفيته الإنقاذية، إذ عمل وزيرًا لفترة قصيرة في حكومة الكيزان، وافتقاره إلى قاعدة جماهيرية واسعة أو ثقل جهوي في مناحي الغرب الذي يمثل الحاضنة الاجتماعية للدعم السريع، يتمتع بقدر معتبر من الرصانة الشخصية والنضج السياسي. فخطابه متزن، ومنطقه واضح، وميله إلى الاعتدال والاشتباك العقلاني مع الواقع يجعله أقرب إلى شخصية رجل الدولة منه إلى رجل التنظيم.
تُحسب له أيضاً أصالة معدنه، صفاء تعامله، واستعداده الفطري للعمل ضمن فريق. فهو يُنزل الناس منازلهم، ويقدّر الكفاءات دون غيرة أو حسد، ويملك موهبة نادرة في تجسير الخلافات لا استغلالها. كما أن انفتاحه على المتخصصين، وعدم خضوعه لنزعة الإقصاء، يجعلان منه مرشحاً قادراً على بناء بيئة تنفيذية تشاركية، لا تابعة ولا مأزومة. وهذه مزايا لا تُكتسب بسهولة، بل تُبنى على نضج داخلي وتجارب شخصية عميقة.
في إطار الترجيح بين المرشحين يمكن أن نقول أن التعايشي يمتلك عنصرين من أهم مقومات الحكم بصلابة واستحقاق: الوعي الاجتماعي الذي يؤهله لبناء الجسور بين كافة المكونات، والحنكة السياسية التي راكمها من تجربة تفاوضية عميقة وشاملة. فيما قد يتكافأ مع الميرغني في عنصر التجربة العلمية والمهنية، بيد أن كلاهما يجد سندًا استراتيجيًا نوعيًا من مجموعة من الكفاءات التي نذرت نفسها لهذا المشروع الوطني. ولا يفوتنا أن نشير إلى الحضور الوازن لعناصر الحركة الشعبية القادرة على الإمساك بدفة الرؤية والعمل، مثل محمد يوسف محمد مصطفى، جوزيف تكة، وجغود مكوار وآخرين من أبناء الهامش وبناته المتميزات.
ختامًا، في هذه المرحلة الدقيقة، لا يُطلب من رئيس الوزراء أن يكون الأكفأ أكاديميًا أو الأعمق علميًا، بل أن يكون شخصية سياسية تنفيذية قادرة على توحيد الوزراء حول رؤية مشتركة، وتحويل تلكم الرؤية إلى برامج عملية تخاطب الواقع وتستنهض القواعد. ومن هذه الزاوية، يتكافأ التعايشي والميرغني، إلا أن كفة الأخير ترجح، لا لأنه يتفوّق في أيٍّ من التفاصيل، بل لأنه الأكثر ملاءمة لطبيعة المهمة. سيما أن مجيء الميرغني يبعث برسالة واضحة: أن مشروع "تأسيس" ليس مشروع إقصاء متنكر، بل دعوة مفتوحة لاحتضان التعدد، وتجاوز الاستقطاب، وصياغة عقد سياسي جديد يتسع للجميع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.