صباح محمد الحسن طيف أول: مثل الذين يرون أن المواعيد ما هي إلا طواف منهك، فقط لأنها تتعثر بساعات الانتظار! ! ويضع البيان المشترك الصادر عن الرباعية (مصر، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، والولاياتالمتحدةالأمريكية) أمس، حدًا لنهاية التواصل الأمريكي مع المؤسسة العسكرية في السودان بشأن الأزمة السودانية وأكد أن الولاياتالمتحدة قطعت حبال الوصل بينها والبرهان، ونسف البيان ما تم من اتفاق بينه و مستشار ترامب، مسعد بولس، ويبدو أن الجنرال أهدَر فرصته الأخيرة التي أعطتها له أمريكا، بعد أن طلب حلفاؤه في المنطقة، وعلى رأسهم مصر ، منحه فرصة أخيرة للقيام بعملية تنقية المؤسسة العسكرية من الإخوان. ولكن يبدو أن أمريكا أدركت أن الجنرال فشل في الإمتحان لممارسته "الغِش"بالتخلص من بعض الإسلاميين والإبقاء على بعضهم. وقبل يومين تساءلنا هنا: هل سيلتزم البرهان باتفاقه ويسمح بتنفيذ الخطة، أم سيتم إنزالها عليه بلا رغبة؟ وبيان الرباعية أكد أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تنظر الآن إلى السودان إلا كبقعة صراع تعمها الفوضى، وأنها لا تعترف بوجود سلطة فيه. وقد ترجمت ذلك في أهم فقرة في البيان: "إنه وبعد وقف إطلاق النار ودخول المساعدات، لا بد من عملية انتقال شاملة وشفافة، لا تخضع لسيطرة أي طرف متحارب." هذا يعني أن القادم الذي كنا نتحدث عنه أصبح حاضرًا وواقعًا، وبدأت خطوات تنفيذه تتجلى، والتي تعمل على خطة لا تضمن مستقبلًا سياسيًا لطرفي الصراع، ولا مجال لحكومة يقودها العسكريون في السودان بعد وقف الحرب. في الوقت ذاته، حمّلت الرباعية نظام الإخوان المسلمين في السودان مسؤولية ما وصلت إليه البلاد من دمار وخراب، وأنه لا مستقبل سياسي لفلول النظام البائد . جاء ذلك بتعبير صريح لأول مرة، لم تتطرق إليه جميع بيانات الرباعية من قبل: "لا يمكن أن يُملي مستقبل السودان الجماعات المتطرفة العنيفة التي هي جزء من جماعة الإخوان المسلمين أو مرتبطة بها بشكل واضح، والتي أدى نفوذها المزعزع للاستقرار إلى تأجيج العنف وعدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة." إذًا، وفي فقرتين فقط، أبعد البيان العسكريين من الحكم، ومعهم نظام الإخوان المسلمين، الذي يرى البيان أنه تسبب في دمار البلاد وزعزع أمنها واستقرارها، وهو غير جدير بحكمها مستقبلًا. وشمل النص نقطة مهمة أيضًا، وهي أن الصراع في السودان تسبب في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، ويشكل مخاطر جسيمة على السلام والأمن الإقليميين، مما يجعل الوضع الراهن يخلق معاناة غير مقبولة ومخاطر تهدد السلام والأمن. وهنا تكشف أمريكا أنها حريصة على تنفيذ خطتها، بعد أن أكدت أن الحرب في السودان تهدد السلام والأمن، لذلك قالت إنها "غير مقبولة"!! الجملة التي تجعلها تفرض الحل إن لم تحصل عليه! ودعا الوزراء إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر أولية، لتمكين الدخول السريع للمساعدات الإنسانية ، مما يؤدي على الفور إلى وقف دائم لإطلاق النار، ومن ثم إطلاق عملية انتقال شاملة وشفافة، واختتامها في غضون تسعة أشهر لتلبية تطلعات الشعب السوداني نحو إقامة حكومة مستقلة بقيادة مدنية، تتمتع بشرعية واسعة النطاق ومساءلة. والملاحظ أن البيان هو ذاته الذي انفض بسببه اجتماع الرباعية بواشنطن، عندما اعترضت مصر على إبعاد الجيش من الحكم بعد وقف الحرب. ولكن ما يؤكد الحرص الامريكي على الحل المطروح هو توقيع مصر على البيان الصادر بالأمس، بالرغم من أنه تمسك بإبعاد طرفي الصراع من الحكم بعد الحرب! ولأن البيان بمثابة تشخيص لا تنقصه سوى صياغة "الروشتة" العلاجية العاجلة، فرضت أمس وزارة الخزانة الأميركية عقوبات متزامنة مع البيان على كتيبة البراء ووزير المالية جبريل إبراهيم، وقالت إن العقوبات تأتي لتورطهما في الحرب المستمرة في السودان منذ منتصف أبريل 2023، وصلاتهما بإيران. وذكرنا قبل يومين أن الهجمات التي استهدفت الخرطوم كانت بتوقيع قوة أخرى حاولت أن ترسل رسالتها مباشرة باستهداف الإخوان. ولهذا غادرت أمس قيادات وعناصر من حماس قاعدة وادي سيدنا متجهة إلى إريتريا، مما يؤكد أن المجتمع الدولي قرر فعليًا أن يثبت وجوده الميداني. ولهذا استعجلت الرباعية صياغة بيانها لتؤكد أنها حريصة على إدانة كل أطراف الصراع وتطويقهم بالعقوبات لتضمن نجاح الحل السياسي حتى لا تتهور إسرائيل باستخدام يدها أكثر في عملية ترتيب المشهد، سيما أن ترامب يعلم أن منع إسرائيل شفاهة لا يجدي، طالما أنها أرسلت مسيّراتها إلى قطر رغم الاتفاق. لذلك، أصدرت امريكا عقوباتها على "البراء" الأكثر قربًا من الجماعات الإرهابية التي تستهدفها إسرائيل، ووضعت امريكا سقفًا زمنيًا لحل الأزمة في السودان ،او ستواصل اليد الثالثة ما بدأته في الخرطوم!! طيف أخير: هل منعت أمريكا البرهان من الدخول إلى أراضيها للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة مع القادة الذين منعهم ترامب!! ولهذا سيرأس كامل إدريس الوفد أم حجّمت أمريكا خطواته، فقرر عدم الذهاب؟! صحيفة الجريدة