من المزروب إلى الرباعية .. رسالة الكيزان مكتوبة بالدم! منعم سليمان اهتزّت بلدة المزروب في ولاية شمال كردفان يوم أمس الجمعة على وقع جريمة مروّعة هزّت الضمير العام، حين استهدفت طائرة مسيّرة اجتماعاً للإدارة الأهلية لقبيلة "المجانين"، فأسفر القصف عن مقتل الناظر سليمان جابر جمعة سهل وتسعة عشر من أعيان القبيلة، بينهم عدد من أفراد أسرته، وإصابة آخرين، بعضهم إصابتهم خطيرة. كان الاجتماع يناقش شؤون الخدمات والإدارة المحلية في المنطقة التي تخلّت عنها الدولة بعد حرب الجيش/الكيزان على الشعب، قبل أن يتحوّل مكان انعقاده إلى ركام ودماء، وتخمد أصوات التداول تحت هدير الطائرة ودخان الانفجار. الهجوم الغادر نُفّذ بواسطة طائرة مسيّرة أُطلقت من مناطق يسيطر عليها الجيش وكتائب ومليشيات الحركة الإسلامية في مدينة الأبيض، وقد وصف سكان المنطقة العملية بأنها مجزرة متعمّدة ضد المدنيين. وفي حين سارع الإعلام الكيزاني الموالي للجيش والمليشيات الإسلامية – كعادته- إلى إلصاق كل جرائمه بقوات الدعم السريع، جاءت شهادات ميدانية متطابقة لتفنيد تلك الرواية. فقد أكد شهود عيان من سكان المزروب، إلى جانب ضباط من الجيش نفسه – بينهم ضابط برتبة رائد من أبناء قبيلة المجانين – أن الضربة الجوية انطلقت من قاعدة الأبيض العسكرية، واستهدفت الاجتماع بعد رصد مسبق لتحرّكات الناظر وأعيان القبيلة. هذه الشهادات التي تناقلتها مصادر محلية وعسكرية تؤكّد الاتهامات الموجّهة إلى الجيش، وتكشف محاولات التمويه الإعلامي التي رافقت الجريمة منذ لحظاتها الأولى. وبحسب المعطيات الميدانية، فإن المزروب تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع، مما يجعل استهدافها لسكانها ومؤسساتها الأهلية أمراً غير منطقي من الناحية الميدانية والسياسية. فالقوّة المسيطرة على الأرض لا تحتاج إلى قصف جوي لتوقيف اجتماع محلي أو لضرب نفسها بنفسها؛ إذ بإمكانها فعل ذلك عبر عناصرها المنتشرة في المنطقة، لا عبر طائرة مسيّرة تُربك مجالها الحيوي وتضعها موضع الاتهام. تشير القرائن كافة إلى أن العملية كانت موجّهة بدقّة نحو رموز الإدارة الأهلية لقبيلة المجانين، وهو ما ينسجم مع نهج الكيزان، الذي يسعى إلى تفكيك البُنى الاجتماعية وإخضاع القيادات الأهلية إمّا بالترغيب عبر العطايا والرشاوى، أو بالترهيب عبر العنف والرعب الجوي! إن مذبحة المزروب ليست حادثة معزولة، بل نموذج مقلق لاستهداف الإدارات الأهلية في السودان، وتحول خطير في طبيعة الحرب من مواجهة عسكرية إلى حرب على المجتمع وتمزيق نسيجه الذي أثبت ترابطه ومتانته في ظل غياب الدولة. وإذا لم يُفتح تحقيق دولي مستقل في هذه الجريمة، فإن الدور سيأتي على إدارات أخرى، واحدة تلو الأخرى، في مخطط لا يستهدف السيطرة على الأرض فحسب، بل تدمير النسيج الأهلي للسودان برمّته، وتحويلها إلى حرب أهلية شاملة. واهمٌ من يظنّ أن سلاماً يمكن أن يتحقّق بوجود هؤلاء القتلة الذين يسيطرون على قيادة الجيش ويختطفون قراره، وحالمٌ بل واهمٌ كبير من يعتقد أن البرهان سيجنح إلى السلام، ويوقف الحرب، ويقبل بخارطة سياسية ثلاثية أو رباعية تعيد الحكم إلى الشعب من جديد. هذه الحرب لها أصحاب، هم من يقفون خلفها، وهم من أشعلوها، وهم من قتلوا الشعب وشرّدوا نصفه وجوّعوا نصفه الآخر في سبيل العودة إلى الحكم، وينالون في مسعاهم التدميري هذا دعم ثلاث دول، بل أربع، ورابعتهم قطر! تلك هي الحقيقة، وما البرهان إلا ابن سبيل عابر في هذه المعادلة، حلمه الأكبر هو حلم المرحوم والده: أن يصبح رئيساً للسودان على أيّ حطام؛ *أعطوه ذلك أو منعوه*.