فيما نشكرُ بن سلمان وترامب: أمريكا، روسيا قد دنا عذابُها عبد الحفيظ مريود صديقتنا الأمدرمانيّة، بنتُ السّراريج، كانت قد تزوّجتْ جزائريّاً، نهاية التّسعينات. أنجبا طفلاً. كانا يستأجرانِ بيتاً فى الثّورة، شارع الشنقيطىّ. يعيشُ معهما شقيقُ زوجها الأكبر. زوجها الجزائرىُّ كان يدرّسُ الاقتصاد بجامعة أمدرمان الإسلاميّة. فقد كان – وشقيقُه – إسلاميين فارّيْن من بطش السّلطة فى الجزائر. والسُّودان – حينئذٍ – ملاذٌ للإسلاميين الفارّين من بطش حكوماتهم. توانسة، مصريّون، ليبيّون، جزائريون، يمانيّة…الخ. فى منتصف ليلةٍ بهيمة، جاءتْ سيّارةٌ وأخذتْ الجزائرىَّ وشقيقه. ولأنَّ والد الأمدرمانيّة السرّاجيّة كان على صلةٍ بالحكومة، فقد تحصّل على معلوماتٍ تفيدُ بأنَّ جهاز الأمن الأمن هو من قام باعتقالهما. وأنّهما بخير. بعد أسبوعين، فجراً، أُطلِقَ سراحُهما، عادا ليجمعا أغراضهما، فالطائرةُ التى ستقلّهما إلى الجزائر جاهزةٌ. أصرّتْ صديقتُنا على مرافقة زوجها. وذهبتْ تحملُ رضيعها. لم تطأ قدماها أرضَ الكبجاب فى أمدرمان، مرةً أخرى. شايف كيف؟ كان ثمّة "إسلاميّات" سودانيّات، من الجزيرة، الخرطوم، نهر النّيل، قد فقدنَ – بغتةً – أزواجهنَّ التوانسة، المغاربة، اليمنيين، من الإسلاميين الذين لجأوا إلى "أرض الميعاد". فقد كانت الطائراتُ تحملهم، دون ترتيباتٍ أسريّة، وأحياناً دون وداعٍ، إلى حيثُ جاءوا. القذافىّ أعدم الليبين قبل أنْ يصلوا طرابلس. السجون عجّتْ بالإسلاميين فى اليمن، تونس، الجزائر، مصر..الخ. والتسعيناتُ تتصرّم، ندخلُ فى الألفية الثانية، كان صلاح قوش، فيما ينفثُ دخان سجائره المستورد، يعقدُ صفقاتٍ باهظة. أمريكا لم يلُحْ فى الأفق "دنوّ عذابِها". بل صارتْ قبلةً، هدفاً، وحبيبة. لم تعُدْ هى "الطاعون"، كما قال محمود درويش، كما لم تعُدْ هى "الشّيطان الأكبر"، كما وصفها الإمام الخمينىّ، قدّس الله سرّه. ولأنَّ "أنثى المقادير لا ترضى بقربان"، كما قال الفحلُ محمّد المهدى مجذوب، فقد ضاعتْ قرابين صلاح قوش هباءً. كانتْ أمريكا غانيةً، فى الحىّ، "شيمتُها الغدرُ"، بعبارة أبى فراس الحمدانىّ. كان هناك، دائماً، مزيدٌ من الطلبات، مزيدٌ من الإنحناء. وصاحبُ الحاجة أرعن، كما تقولُ العرب. يسلّم قوش قوائم الإرهابيين فى البلدان. يسلّمُ "الإرهابىّ" كارلوس، يطرد – بترتيبٍ تنظيمىّ وحكومىّ – أسامة بن لادن، وتُصادَرُ أموالُه، والغانية لا تلين. لا ترضخ، لا يبدو عليها ميلاً للصّعود إلى السّرير. حالُها أشبه بحال بَغىّ بنى إسرائيل، التى طلبتْ، مهراً، رأس يحى بن زكريّا، عليهما السّلام. شايف كيف؟ تأتى نيفاشا. يوقّعُ الإسلاميّون عليها، فى محاولةٍ لاصطياد رأس يحى بن زكريّا. ثمَّ لا شيئ. يذهبُ جزءٌ عزيزٌ من الوطن. بعد أنْ جرّبَ "كل الدروب الممكنة، البقدَرْ عليها، وبعرفها"، بعبارة صلاح حاج سعيد. والأملُ يملأ خياشيم وصدور الإسلاميين فى "مواعدةٍ "، لن تأتىَ، أبداً. يذهبُ على كرتى من الخارجيّة. يجيئُ غندور ك "أسلامىّ" معتدل. يحاولُ مراراً. ثمّة – دائماً – عقبة. لم تفعلوا شيئاً إيجابيّاً فى دارفور. لذلك لن نخطو معكم إلى الأمام. تتدخّلُ "دويلة قطر"، كدأبها، فتلفّق "إتفاقيّة الدّوحة لسلام دارفور"، التى يوقّعها د.تجانىّ السيسى، الذى لم يحمل بندقيّة، يوماً، ولم يكتوِ نيران الحروب فى دارفور. لكنَّ الدّوحة لم تُفلحْ. وصولاً إلى الاستداء المخزى للبشير أمامَ فلاديمير بوتين (عايزكْ تحمينى من أمريكا). يا للهول! يذهبُ البشير. يجيئُ البرهان يحملُ إبريق السيّد علي كرتى. يبشّرُ محمد محمد خير بالمشهد. نستمعُ – السّرّ السّيّد وأنا – إلى التّرتيب المشتقبلىّ. ستحصلُ مفاصلة مع الإسلاميين. فقد جرتْ تطميناتٌ للخليج، للغرب. لن يكون هناك إسلاميّون بالمعنى التقليدىّ للمشهد. لاحقاً، وقبل أسابيع، يقطعُ محمّد محمّد خير بأنَّ ديسمبر القادم، إذا انقضى ولم تصنّف أمريكا الدّعم السّريع، منظّمةً إرهابيّة، سأعتزلُ السياسة. يسخرُ منه حسين ملّاسى، بالطّبع. شايف كيف؟ لم يحلّ ديسمبر، بعدُ. لكنَّ جوقة الإسلاميين والبلابسة يهلّلون ويشكرون محمّد بن سلمان. حتّى حامل إبريق علي كرتى، الطّريد أول عبد الفتّاح البرهان، شكر الرّجل فى "تغريدة". لكنَّ "العشمان تلفان"، كما تقولُ البقّارة. والرّئيس ترامب، كالأحوص الذى ذهب إلى المطعم، وطلبَ فولاً. لكنّه ظلَّ يأكلُ من صحن "الكباب" الذى طلبه جاره على المنضدة. إذْ بدلاً من تصنيف الدّعم السّريع منظمةً إرهابيّة، ألمحَ إلى أنّه – عمّا قريب – سيصنّفُ الإخوان المسلمين منظّمة إرهابيّة. معَ مَنْ كان محمد محمّد خير يجرى ترتيباته، ويأخذُ تأكيداته؟ هل ستفقدُ السّاحة السياسيّة الركيكةُ والمرتبكة، فاعلاً بذات ثقل منصور خالد؟ يا للخسارة. شايف كيف؟ تولولُ شمطاوات الجيش وناشطاتُه. يُعوِلُ صحافيّو وإعلاميّو الإسلاميين. ليس هناك من رّباعيّة ولا مسعد بولس.. ليس هناك من ترامب، أساساً.. وحاملُ الإبريق يتشدّق.. أليس الصّبحُ بقريب؟ يا للتمثال العظيم.. الجندى المجهول.. أو القائد الملهم. المهم…