ليس عندنا لها غير ان نغني لها ونحن طلاب في الجامعة (وما جايبين خبر) مع فرقة (عقد الجلاد) : (حاجة آمنة اتصبري) تلك (الشقاوة) كان يزحف بها (محمود عبدالعزيز) الذي وقعنا معه وبعده على (1500) اتفاقية للحزن
· في احد فصول العام الباردة جدا – في شتاء (قارس) كنت اسمع به (لماما) - صادف ان التقى عندي الحزن مع البرد.
· فتشابه (الحزن) مع (الشتاء)...واختلط علينا شاي الصباح مع شاي المغرب ...الشاي مختلف لكن (الصباح) كان يشبه (المغرب) تماما.
· جربت الحزن بالبرد ..فكان ذلك اسوأ ما يمكن ان يكون اذا اردت توزيع (القلب) اشلاء.
· ليبقى منه ثلث للحزن ..وثلث للبرد ..والثلث الاخير من القلب ينتظر ، بعد انتحاب الثلثين الاولين.
· هكذا وزرعنا (قلوبنا) وقتها.
· نعمل الآن بثلث قلب – ولا تحتاج الحياة لاكثر من ذلك ، والتمسك بالحياة اغراء للموت.
· لم اكن اعرف (الحزن) ولم اتذوق (مرارته) – إلّا عندما شاهدته في عيونه ذات يوم طفولي ..وقد كانت عيونه (مواني) نسافر منها واليها.
· كانت عيونه (محطة) سكة حديد – بكل قطاراتها وركابها وباعتها – وامرأة عجوزة تنادي على (هباباته) بلحن اقرب من لحن (ما دوامة) اغنية ابراهيم موسى ابا الاثيرة.
· في محطة الجيلي – حينما كانت تقفز عيوننا على (شبابيك) الدرجة الثالثة ولا سبيل لنا اكثر من ان نكون من ركاب الدرجة الثالثة كان هناك رجل (بركة) ينادي على (مساويك الاراك) على ركاب قطار المشترك وهو يطلع من عربة وينزل من عربة.
· هذا ما كان بيني وبين الحزن و(صوت العرب) ناظر محطة شندي – ببدلة رمادية كان يقف على رصيف المحطة ليحدث اي (راكب) في القطر عن شأن يخصه وعلى انفراد – كأنه بينه وبين اولئك الركاب اواصل دم.
· اما هي فقد كانت من خوفا علينا ...تعصر (حزنها) ليخرج (حنينا) نصرفه بفرح الطفولة ونحن لا ندري.
· فهي لا تعرف إلّا ان تعطينا (الحنين) وان صرفتها من سويداء القلب ..ومن نور العين.
· هذه اشياء كانت قبل سنوات بعيدة ..ونحن في رغوة (الطفولة) نطلع على (الحائط) ونقف على (الشباك)..ثم نلاحق (ديك) الحاجة (عرفة) ولا هم عندنا غير ذلك (الحزن) الذي تفأجنا به في ذات يوم.
· رحل (صلاح) وهو لم يكمل بعد واحد وعشرين عاما – غير انهم مازلوا يحدثوننا عنه كما يحدثوننا عن (شيخ) القرية وفقيها الاوحد.
· منذ ذلك الحين وقعنا اتفاقية مع (الحزن) كان الحزن فيها هو الطرف الاول والطرف الثاني والشهود والمحامى الموثق للعهود.
· اول (قزازة) بيبسي شربتها في حياتي نصها كان (حزنا).
· اول فنجان قهوة صادفتو في عمرى كان (سادة) تثبتا للوجع الذي هو فينا.
· ثم تلمسنا (الحزن) من بعد في حياتنا حزنا بعد حزن.
· وجدناه في عيون (حاجة امنة) ...وهى تحمل هموم الدنيا كلها اذا اكتمل الشهر واتوا له (ناس الموية).
· جوز الحمام ...حبة دقيق...حبة عدس ما بسوا شيء.
· يا حاجة ناس الموية جووووك.
· وليس عندنا لها غير ان نغني لها ونحن طلاب في الجامعة (وما جايبين خبر) مع فرقة (عقد الجلاد) : (حاجة آمنة اتصبري).
· والصبر لا يصرف من (دكان) التعاون.
· ولا تسدد فاتورته مع فاتورة الكهرباء.
· مضينا خطوات في الحياة ...(كبرنا) فقررنا ان (نفجع) مرارتنا بالمزيد من (الحزن).
· الحزن عندنا مكتوب في البطاقة الشخصية.
· عفوا في البطاقة القومية – مع الرقم الوطني.
· لاقينا ذلك الحزن ...ونحن (اتراب) نتسكع ما بين المدرسة والبيت ...واماسي الحنين والشاي باللبن.
· وجدناه في اغنيات عثمان حسين ...(لمتين يلازمك في هواك مر الشجن)...ما عرفنا نفصل الهوى من الشجن.
· هكذا كانت الحصة الاولى لنا من (الحزن).
· ونحن نتجرعه مع شاي الصباح...(ويا اول حبيب من دون الاحبة).
· قابلنا (الحزن نفسه) مع محمد وردي وهو يوسّم للدوش رائعته (ولا الحزن القديم انت).
· طيب انت منو؟.
· ثم صرفناه في طابور الصباح مع مصطفى سيد أحمد في (الحزن النبيل)...افاجأكم اعترافا ...لم يكن ذلك الحزن (نبيلا).
· كان بنتف فينا (نتف).
· في كل يوم كان يواقعنا (الحزن) في محطة جديدة – ونحن نحاول مع سبق الاصرار والترصد ان نسقطه من اجندتنا.
· ان (نغافله) كما غافلنا مصطفي سيد أحمد ورحل حسب ما جاء في قصيدة ازهري محمد علي.
· في مطلع التسعينات كان فنان شاب ..تملأ بوستراته الشوارع والاحياء والاسواق.
· وكان قبل ذلك - مقاطع اغنياته تكتب على (العربات) قبل ان تعرف حتي (الركشات) ذلك الهوى.
· الركشات الآن اكلت مراهقتها الخفيفة على مقاطع اغنياته.
· وملثما كانت تكتب على (الاجندة) ودافتر محاضرات الطلاب في الجامعات والمرحلة الثانوية ..كان تفتح اغنياته فروع جديدة في قلوب الشباب ..بتلقائية مطلقة واعتيادية مابلغ فيها.
· تلك (الشقاوة) كان يزحف بها (محمود عبدالعزيز) الذي وقعنا معه وبعده على (1500) اتفاقية للحزن.
· حزن اخر ...ومحمود يرحل على الطريقة التى لا نعرف فيها (تصالحا) مع الشجن.
· اتفتقت القلوب ...وقمنا كلنا وقفنا على الابواب (حفيانين).
· مرت سنين.
· والحزن يخبط فينا زي ما عاوز.
· ونحن ما قادرين نقول اي حاجة.
· فاجعة – بعد فاجعة.
· وبرضو واقفين.
· ومتظرين الدور.
· الى ان تصدرت الاحزان صورة الطفل (آلان كردي) وهو مجسيا على شاطي البحر الابيض قبالة تركيا يستفز العالم كله برقدته كله.
· كأنه نايم في حضن امه.
· هل يمكن ان يكون البحر (حضن)؟.
· من قبل استوقفتنا رواية (البحر بيضحك ليه؟)...اعجبتني الفكرة وشعرت بقرقرة البحر.
· الى ان جاء وشاهدت في الواقع (بكاء) البحر ..لم اسأل واقول البحر بيبكي ليه؟.
· فقد كانت اجابة البحر وتلاطم امواجه واضحة – تبكي هي لذلك الطفل ..الذي لم تتخل عنه (البراءة) حتى وهو (ميت).
· البحر كان (ارحم) منّا جميعا ..فقد لفظته امواج البحر الى (الشاطيء) ليرسو كما لا ترسو الاحزان.
· والد الطفل (آلان) قال انه كان يرقد في بيته وهو نائما بذات الصورة التى رقد بها على شاطي البحر.
· هل يسخر هذا الطفل القرير من العالم؟.
· ما اصعب ان يموت طفل بهذه الطريقة – امام عين والده – وهو لا يملك ان يفعل شيئا.
· صورته تناقلتها كل الوكالات والمنابر والوسائط الاعلامية ومواقع التواصل حتى كادت الصورة ان تقرر لنا في وجباتنا الثلاث.
· او في وجبة واحدة – فقد سقطت من الناس (وجبتان).
· وسقط النوم ايضا.
· آلان كردي صرف لنا حزنا آخر بصورته تلك ..غير انه وهو ابن الثلاث سنوات ..اجبر العالم كله ان يتحرك ويلتفت للازمة السورية.
· رسالته وصلت.
· اجبرهم على ان يتوجعوا مع (سوريا) وان تأخر الاحساس بالوجع.
· تبرعت روسيا ..واحرجت المانيا وتمزقت قلوب الهنود الحمر من الفاجعة.
· هل نشكر (الآن كردي) على طريقة (موته).
· ما اضعف حيلتنا ..والدرس يقدمه لنا طفل عمره ثلاث سنوات.
· الموعظة موجودة لو كنا نعتبر.
· فرقهم (الموت).
· في شواطي البحر الابيض وجدت جثة الطفل (آلان كردي) بينما ابتلعت الامواج شقيقه (غالب) ذو الخمس سنوات لترميه في نواحى اخرى.
· اما ام الطفل السوري (آلان كردي) فقد جرفت الأمواج جثتها إلى آخر.
· تلك الام افضل لها الموت من ان تشاهد صورة ابنها بهذه الطريقة.
· لو كان الموت ينطق لنطق ...موته كان كله حياة.
· هكذا توزعت جثثهم وتفرقت.
· بعد كل هذا ..والطفل يموت (مسجيا) هكذا او ملقيا على شواطي البحر – هل تعرف ان كلمة (آلان) الكردية تعني باللغة العربية : (حامل راية النصر).
· اي درس ذلك الذي قدمه لنا طفل عمره (3) سنوات.
· ولكن هل نتعظ.
· لا اظن فنحن ادمنا نسيان العبر.
· .........
· ملحوظة : تواجد مقاعد خالية للحزن.
هوامش
· لا اريد ان اتحدث عن (الكورة) اليوم.
· قضيتنا ليس كلها (كورة).
· القضية اكبر من كدا.
· علينا ان لا ننسى.
· في زحمة الاشياء وضجيجها ننسى.
· ثم نأتي في الغد لنقع في نفس الاخطاء.
· شول منوت يعاني ..الولد الذي كان يغني بكل تلك (الحماسة) ..افقده المرض حماسه.
· اغنيات الحماسة عادت معه (صورة وصوت).
· تدخل الكاردينال من اجل علاجه امر جميل.
· غير ان الكل مدان لهذا الشاب.
· يحتاج على الاقل لوقفة (معنوية) من الناس.
· لاحقا سوف اعود لاكتب عن (رمال حلتنا) رائعة ثنائي العامراب التى كتبها سيداحمد عبدالحميد.