السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    إبراهيم عثمان يكتب: عن الفراق الحميم أو كيف تخون بتحضر!    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    تعرف على مواعيد مباريات اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    الأهلي مدني يدشن مشواره الافريقي بمواجهة النجم الساحلي    حمّور زيادة يكتب: السودان والجهود الدولية المتكرّرة    إبراهيم شقلاوي يكتب: هندسة التعاون في النيل الشرقي    حوار: النائبة العامة السودانية تكشف أسباب المطالبة بإنهاء تفويض بعثة تقصّي الحقائق الدولية    الأهلي الفريع يكسب خدمات نجم الارسنال    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    بيان من وزارة الثقافة والإعلام والسياحة حول إيقاف "لينا يعقوب" مديرة مكتب قناتي "العربية" و"الحدث" في السودان    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    حسين خوجلي يكتب: السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    إبراهيم جابر يطمئن على موقف الإمداد الدوائى بالبلاد    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    المريخ يواجه البوليس الرواندي وديا    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا يريد النوبة..؟!
نشر في حريات يوم 22 - 04 - 2013

تحت هذا العنوان وفي محاولة جادة وصادقة كتب العلّامة الاستاذ الدكتور/ حامد البشير ابراهيم سلسلة من المقالات تناول فيها بعض المظالم التاريخية لشعب النوبة، وقد كان شجاعا بما يكفي للحديث عن المسكوت عنه فيما يتعلق بشعب النوبة، مقترحا الاستجابة لمطالبهم ومحذرا من مغبة تجاهل هذا الامر وما يترتب على هذا التجاهل من نتائج. وهذه في تقديري محاولة جريئة، جادة وصادقة من د. حامد البشير تهدف للاسهام في تشخيص الاسباب التي قادت للوضع الراهن في جنوب كردفان ومساهمة متواضعة منه في اطار مسعى الصادقين في البحث عن حلول جادة تقود للامن والاستقرار في جنوب كردفان. ونأمل من د. حامد البشير المزيد من الكتابة الرصينة والحصيفة حول هذا المسكوت عنه.. وألا يكون ذلك فقط بغرض الاجابة عن سؤال يتم طرحه من الغير، وانما يجب ان يكون ذلك انطلاقا من انتمائه الحقيقيلإقليم جبال النوبة وحرصه الاكيد على عودة الامن والاستقرار والتعايش السلمي الذي كان سائدا بين مختلف المكونات العرقية لمجتمع الاقليم.اقول ألَّا يكون ذلك اجابةً عن سؤال عارض، كما يبدو، جاء من احدهم .. لأن السائل في تقديري ادري من المسئول بالاجابة .. وان السائل لم يكن يسعى في حقيقة الامر للحصول على اجابة لسؤاله عما يريده النوبة بقدرما انه كان يسعى من خلال هذا السؤالوبذكاءٍ خبيث ان يصرف انتباه ابناء النوبة عن التفكير الجاد والاهتمامبالقضية المحورية التي قادت لما يعاني منه اليوم المدنيين في جبال النوبة ويعاني منه الهامش السوداني لينحصر تفكيرهم وكل اهتمامهم حول انفسهم كنوبة وان تكون القضية المحورية بالنسبة لابناء النوبة هي ” قضية النوبة وماذا يريدون “، وان قضيتهم هذه لا علاقة لهابازمة الحكم التي تولدتعنها حروب الهامش الممتدة من اقصى الغرب الى اقصى الشرق في الجنوب الجديد (وقبله الجنوب القديم) الذي يضم بالتأكيد في هامشه الكبير آخرين من غير النوبة ( وان كانوا في الاصل جميعا هم ايضا نوبة)فالسائل قصد بهذا السؤال المحوري ان يُحقق للمؤتمر الوطني ما فشل في تحقيقهمن خلال السيناريوهات المختلفة التي سعى من خلالها لكي يقنع العالم بان ما يدور في ولاية جنوب كردفان هو مجرد مظالم تاريخية اقتصادية واجتماعية خاصة بالنوبة لا علاقة لها بالسياسة، وان قضايا النوبة بهذا الفهم لا علاقة لهابالحركة الشعبية وبالتالي فإن النوبة هم اولى من الحركة الشعبية بالتفاوض مع المؤتمر الوطني لمعالجة هذه المظالم.وبذا يتم اضعاف موقف الحركة الشعبية في المفاوضات خاصة فيما يتعلق بتناول الملفات التي تتصل بإحداث التغيير الجذري لنظام الحكم من خلال الاجابة على السؤال المحوري والتاريخي المتعلق ب ” كيف يحكم السودان..؟!” وحصر التفاوض حول قضايا الولاية فقط وان يكون التفاوض مع ابناء الولاية فقط بعيدا عن الحركة الشعبية.كما يهدف هذا السؤال الخبيث الى احداث هزة فيما يتصل بانتماء ابناء جبال النوبة للحركة الشعبية واظهار الحركة الشعبية بمظهر غير الحريص او المهتم بحقوق النوبة كنوبة وان على النوبة ان يسعوا بمعزل عن الحركة الشعبية للتصدي لقضيتهم كنوبة.
كما ان هذا السؤال بهذه الصيغة الحصرية يهدف ايضا الى عزل المكونات الاثنية الاخرى المتواجدة في جبال النوبة والحد من تفاعلها مع ثورة الهامش والانضمام للحركة الشعبية، وذلك بتصوير ما يجري في جبال النوبة على انه امر يتعلق بالنوبة فقط ويخصهم وحدهم ولا يعني الآخرين من غير النوبة حتى لا يسعى ايٍ منهم للتعاطف مع الحركة الشعبية او الانضمام اليها، وان يتخلى عنها كل من انضم اليها من المسيرية، الحوازمة والمجموعات الاثنية الاخرى التي هاجرت من غرب السودان وهي مجموعات بشرية رغم انها جاءت كلها من البعيد الا انها آثرت الاستقرار والبقاء في جبال النوبة حيث وجدت القبول والترحاب من مواطني المنطقة واصبحت من ثَّم من المكونات الاصلية والاساسية للنسيج الاجتماعي في جبال النوبة.واخشى ان يكون السائل قد استدرج الدكتور من حيث لا يدري واستغله بخبث مستخدما علمه وقلمه لتحقيق هذه الغاية. ولا اشك مطلقا في ان الدكتور كان صادقا في حرصه على الاجابة بعمق على هذا السؤال الخبيث بهدف الاسهام في اطفاء هذا الحريق.
ما نلاحظه بصورة عابرة في المقال ان د. حامد البشير اشار الى ان مجتمع جبال النوبة اصبح هجيناً بسبب التماذج الذي تم بين القبائل الاصلية في المنطقة وتلك التي وفدت اليها قبل اربعة قرون بما لا يمكن معه رد مكونات هذا الهجين الى اصوله التى تكون منها. وهذا امر يسعى د. حامد البشير جاهدا للترويج له بكل ما عنده.. وفي تقديري فإن هذا التعبير “الهجين”يُفهم منه، بين اشياء اخرى، انه “لا يوجد نوبة في جبال النوبة”..!! وهذه رسالة لها الكثير من الدلالات السلبية التي يمكن ان تفتح الباب لمفاهيم خاطئة من المؤكد انها ستدفع بعضنا لاتخاذ مواقف حادةقد تؤدي الى خلق تعقيدات جديدة لا تحتملها ساحات الصراع الدائر الآن في المنطقة، خاصة في ظل السعي الحثيث لطمس الهوية الثقافية والعرقية الذي يتعرض له النوبة وعمليات الاستقطاب الاثني التي تتم فيجبال النوبة !! فالتزاوج والانصهار الذي يتم بين البعض لا يلغي الانتماء العرقي او السلالي.. فالانسان النوباوي لا يلد الا نوباويا حتى وان تزوج هو واحفاده من بيت النبوة او من كل قبائل الدنيا، وحتى ان تخلى عن لغته وعاداته وتقاليده وكل ما يميزه كنوباوي حتى وان تغير لونه كذلك.وبذات القدر فان العربي لا يلد الا عربيا وان تزوج واحفاده من كل قبائل الدنيا، وحتى وان تخلى عن لغته وثقافتهوتغيرت عاداته وتقاليده. وهذا ينطبق على الآريين، وعلى غيرهم من قبائل البربر القادمة من شمال افريقيا والفلاته والتكارير الذين جاءوا من غرب افريقيا وتحزموا معا وانصهروا فيما بينهم ومع بعض السكان الاصليين في الولاية.
ولا ننكر عمق التعايش السلمي الذي كان سائدا بين مكونات الولاية والذي تجلى في مستوى التداخل الاجتماعي والتحالفات والروابط الاجتماعية التي كانت سائدة بين مختلف مكونات مجتمع الولاية الى ما قبل مجئ الانقاذ بقليل، حيث برز مشروع الحزام العربي ومشروع دولة قريش وخلاف ذلك من البرامج الممنهجة التي يخطط لها وينفذها بعض الذين تسيطر عليهم اوهام العروبة الذين يعتقد بعضهم انهم اكثر عروبةً من العرب انفسهم، وكل ذلك بهدف تغيير وتزييف واقع وتاريخ جبال النوبة من خلال انشطة متنوعة لا تخفى على احد.
المهم في الامر هو ان معظم قبائل النوبة التي تقطن في اقليم جبال النوبة ليست جزءاً من هذا الهجين الذي اشار اليه د. حامد البشير حتى وان كانت هنالك بعض او الكثير من الزيجات التي تمت بين مختلف مكونات مجتمع جبال النوبة، واوضح مثال على ذلك علاقة المورو والرواوقة حيث يكاد الا تجد شخصا من الرواوقة لا تجري في عروقه دماء المورو .. ولكنهم رغم ذلك ظلوا رواوقة بينما بقي المورو هم مورو كما هم وهذا ينطبق على غيرهم وكما يقول المثل الشائع هناك ” القنطور اصله تراب “. هذا بخلاف ان كل قبائل النوبة في الاقليم قد احتفظت بما يميزها ويميز انتمائها لمجموعة النوبة رغم سياسة التعريب التي فرضت على المنطقة، واوضح مثال رسمي لهذه السياسة هو ما كان يعرف ب”التعريفة” في المدرسة، وهي لمن لا يعرف: انه لا يجوز لابناء النوبة التحدث بلغاتهم في المدارس ليس ذلك في اثناء الحصص المدرسية او اليوم الدراسي فحسب، وانما يمتد هذا المنع حتى خارج الفصول الدراسية ومجالس الانس الخاصة بهم عقب انتهاء الدوام وطوال العام الدراسي. ولتحقيق هذه الغاية يتم تسليم التعريفة ” وهي احدى وحدات العملة في الزمن الجميل رغم هذه الممارسة القبيحة ” الى احد التلاميذ من ابناء النوبة الذي يحتفظ بها ويترصد اول من يخطئ وينطق كلمة بأيٍ من لغات النوبة في المدرسة ليسلمه التعريفة ويقوم هذا بدوره بترصد الآخرين الى وقت الطابور في اليوم التالي حيث يطلب الاستاذ المسئول عن الطابور من الشخص الذي اصبح ومعه التعريفة الخروج امام الطابور، وعند خروجه امام الطابور تتم معاقبته ومعاقبة كل من تنقلت بينهم التعريفة في يوم الامس والى ما قبل طابور الصباح، لا لسبب إلا لإستعمالهم للغاتهم الخاصة .. وهذا شكل من اشكال القهر الثقافي الذي مارسته السلطةعلى النوبة بغرض فرض الثقافة العربية عليهم وتعريب اقليم جبال النوبة وتعريب سكانه عن طريق تعريب النشء، وهو من بين الممارسات التي دفعت الكثيرمنالقبائلالوافدة الى جبال النوبة الى التنكر لانتماءاتها الاصلية التي لا تخفى على احد وادعاء العروبة وتقمص الروح العربية لاسباب لا مجال لذكرها هنا.
الجدير بالملاحظة هنا، وبإفتراض صِحة ما ذهب اليه د. حامد البشير وانه لا يمكن رد الهجين في جبال النوبة الى مكوناته الاصلية، فان ذات العملية التي نتج منها هجين جبال النوبة قد حدثت في الشمال قبل جبال النوبة. فقد كانفي الشمال عدد من الممالك النوبية، ومن ثَّم دخل العرب، اقصد دخل الناس، السودان”وذلك وفق التعديل الذي ادخل مؤخراعلى مادة التاريخ في مرحلة الاساس”كما دخل السودان الكثير منالقبائل الاخرى من غير العرب،وقد اختلطوا جميعاً مع السكان الاصليين،وحدث الانصار الذي نتج عنه المجتمع الموجود حالياً في السودان والذي يُوصف بانه مجتمع عربي ..!!والجدير بالملاحظة هنا انه بينما لا يمكن رد الهجين في جبال النوبة الى مكوناته الاصلية ” نوبة او عرب” حسب رؤية د. حامد البشير، فقد تم رد كل الهجين وغيره في بقية انحاء السودان الى مكونه العربي فقط ..!! نرجو ان يتبرع احدهم ليرينا كيف تم رد الهجين في بقية انحاء السودان الى احد مكوناته فقط، وهي العروبة، بينما تم طمس الافريقانية من الهجين رغم السمرة او سواد بشرة والعادات والتقاليد النوبية..؟؟!! نأمل ان يتبرع احدهم بالاجابة الشافية التي يمكن ان تحسم الجدل القائم في السودان حول الهوية التي نعتقد جازمين انها السبب الحقيقي للصراع الدائر اليوم في السودان. فالاسلام لم يشفع لغير العرب حتى يحظوا بالتنمية او المشاركة في الحكم او الثروة، واصبحتأوهام العروبة هي المعيار لنيل الحقوق في السودان بما في ذلك الحق في الحياة.
لا نرغب في الخوض في عروبة السودان وافريقيته واصل القبائل التي تدعي انتمائها العربي، اذ ان هذا الامر ستحسمه هذه المجتمعات فيما بينها يوما ما نتيجة للصحوة التي بدأت تسري في وعي مكونات المجتع السوداني المختلفة، والوثائق التي تدعم هذه الصحوة بالاضافة الى اصالة الارث الثقافي وحقائق التاريخ في هذا البلد. مع الوضع في الاعتبار ان الانتماء الحقيقي يكون للارض، للدم .. وللعرق وليس للغة، وهذه حقائق لا يغير فيها شيئا هوس المتنكرين لانتماءاتهم الحقيقية وكما قال المثل السوداني الذي احبه الامام الصادق المهدي ” لصِّيق الطين في الكرعين ما ببقي نعلين”.
اما فيما يتعلق بالحل الذي اقترحه د. حامد البشير رغم موضوعيته الا اننا نتساءل عن من الذي يملك في هذا البلد ليعطي الآخرين ..؟ نحن لا نطلب من احد ان يمنحنا حكما ذاتيا او خلافه .. نحن كنوبة وبتسامح تام استقبلنا كل من وفد الى ديارنا، رغم غدر بعضهم ومطامعهم ومؤامراتهم التي لم تنقطع .. ولن تنتهي .. والتي تتجلى للعيان عبر مختلف الحقب التاريخية، لازلنا نتعامل مع كل من وفد الينا، عبر الدهور والى الآن، بذات التسامح والقبول الذي فسره البعض بالغباء والسذاجة. نحن كنوبة طالما اننا قبلنا بالآخر ليعيش بيننا ومعنا في هذا الوطن، فاننا لا نستجدي احداً حقا من حقوقنا.. كما اننا لا ..ولن نسعى لحرمان الآخر من الحق الذي اكتسبه بسماحنا له بالعيش بيننا ومعنا. نحن نسعى لنقرر بكل قوة مع غيرنا كيف نحكم انفسنا. ان نضع مع غيرنا نظاما للحكم يدرك فيه الحاكم اولا انه خادماً للشعب السوداني وليس سيداً عليه.. وان من يرغب في خدمة الشعب السوداني عليه ان يأتي برغبة ورضا الشعب السوداني ليخدمه ( أكرر ليخدمه لا ليحكمه ) عبر المؤسسات النيابية التي يخصصها الشعب لهذا الغرض، وبالاسس التي يحددها الشعب للكيفية التي يحكم بها نفسه.. سواء كان ذلك عبر فدرالية حقيقية ( لا صورية ) تتحقق في سياقها المعاني الحقيقية للحكم الذاتي والممارسة الجادة، اليومية والمستمرة لحق تقرير المصير بمعناه الحقيقي الشامل الذي يقضي ويستأصل كل اسباب الصراع ويحول دون نشوء اي نزاعات مستقبلا ويحافظ على وحدة البلاد. او اختيار نظام لا مركزي غير فدرالي للحكم او حتي اللجؤ للنظام المركزي للحكم. او تجاوز كل انظمة الحكم المتعارف عليها ( وهي اصلا غير منزلة وغير منزهة من العيوب) وتجود لنا العبقرية التي عُرف بها الشعب السوداني ( وهو شعب معلم) بشئ مختلف وتبتكر لنا، مثلما فعلت بعض الشعوب، نظاما خاصا للحكم يلبي طموحاته ويعالج مشاكله بما يسهم في توفير الامن والاستقرار، ويحقق التنميه ويقود لازدهار الدولة ورفاه المواطن.. هذا ما يريد ان يقرره النوبة مع الآخرين.
كل هذا لن يتأتى إلِّا اذا تولى حكم هذا الشعب من ينتمي لهذا الوطن حقاً وحقيقةً. وأن من ينتمي لهذا الوطن يحرص بفكره وسلوكه على سلامته، امنه، استقراره، كرامة مواطنه ورفاهيته .. ومن باب اولى يحرص على حياته. وان من يحرص على هذه الاشياء يحرص بالضرورة على حكم هذا البلد بالكيفية التي تحقق هذه المعاني للجميع وليس للنوبة فقط او اي فئة اخرى. ونظام الحكم الذي يحقق هذه الاشياء تُعبر عنه مظاهر رضا هذا الشعب المغلوب على امره.. ومن مظاهر هذا الرضا ألاّ يحتاج من يحكمنا الى اللجؤ الى القوانين المقيدة للحريات .. ألاّ تحتاج اي فئة من هذا الشعب الى حمل السلاح للحصول على ما يرى انه حقاً له كمواطن.. ومن مظاهر هذا الرضا ألا يشعر البعض انهم من المهمشين حتى وان كانوا في الهامش.
وكل ذلك لن يحدث على ارض الواقع ما لم تكن لدينا دولة تحترم مواطنها وتقدس حقوقه .. دولة تديرها مؤسسات لا افراد .. دولة يدير مؤسساتها رجال دولة يدركون حقيقة مهمتهم كرجال دولة، وان وجود ايٍ منهم في موقعه واستمراريته ترتبط بالقرار الحر والواعي لارادة الشعب. وكل ذلك لا يتحقق إلاّ بتبني نظام للحكم يتجاوز القائمون على امره المصالح الضيقة، سواء كانت حزبية او اثنية او دينية او شخصية، وان يعملوا معا لانتشال هذا الوطن من بؤر الصراع التي يعيشها.
نظام للحكم يحقق الحكم الذاتي لمن ينادي به.. يتيح الممارسة الصحيحة، اليومية والمستمرة لحق تقرير المصير.. ويحافظ على وحدة السودان .. ويحول دون توفر اي اسباب مستقبلا للنزاع فيما بين المكونات الاجتماعية المختلفة او بين ايٍ منها والدولة التي تمثلهم.. ولا يوجد نظام يمكن ان يحقق كل ذالك الا النظام الفدرالي حال توفر الصدق، الجدية والارادة السياسية لدى القيادات في هذا البلد. بجانب الوعي اللازم لدى المواطن.هذا بعض ما يريده النوبة.
والى اللقاء..
الاراضي المحررة – كاودا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.