[email protected] لا أجد ما أقوله للشاعر والناشط السياسي أحمد دومة تضامنا معه بعد سجنه بتهمة إهانة محمد مرسي، أفضل من كلمات كتبها عمنا وتاج راسنا الساخر الأعظم محمود السعدني الذي تحل اليوم ذكرى رحيله عن دنيانا التي ملأها طيلة حياته بهجة وإمتاعا وفرقعة بدبايس السخرية في بلالين السياسة المنفوخة على الفاضي. يقول محمود السعدني في مقال كتبه (مرحبا أيها السجن) والذي ستجد نصه الكامل في كتابه (أحلام العبد لله) الصادر عن دار الهلال «تصوروا.. منذ نحو 60 هاما كتب الكاتب الساخر عمنا الكبير الشيخ عبد العزيز البشري مقالا اتهم فيه رئيس الوزراء وقتئذ حضرة صاحب الدولة أحمد زيور باشا اتهمه بالخيانة، وبأنه باع مصر للأعداء، وسخر الشيخ عبد العزيز البشري من رئيس الوزراء قائلا: «وبالرغم من خيانة رئيس الوزراء فإنني أعترض على محاكمته، لأن في هذا ظلم لرئيس الوزراء، لأنه ليس شخصا واحدا، ولكنه عدة أشخاص، ولا يجوز محاسبة كتفه بما جناه رأسه، ولا يمكن محاكمة بطنه على جرم ارتكبه فخذه». وبالرغم من ذلك حكمت محكمة جنايات مصر برئاسة عبد العزيز باشا فهمي ببراءة الشيخ عبد العزيز البشري، وجاء في حيثيات الحكم: أن الرجل العام وعلى الأخص الذي يتولى مسئولية عامة يكون عرضة للنقد وبالأسلوب الذي يراه الكاتب مناسبا كذلك. ومنذ نحو 60 عاما أيضا كتب المرحوم الفنان بيرم التونسي وبالخط العريض على صدر صحيفة المسلة التي هي لا جريدة ولا مجلة «ملعون أبو المحافظ»… وقضت محكمة جنايات مصر ببراءة بيرم التونسي من تهمة سب المحافظ، لأنه لم يقصد سب محافظ القاهرة، ولكنه كان يسب المحافظ جمع محفظة التي سرقها النشال ومعها نقوده. ومنذ 40 عاما على وجه التحديد كتب العبد لله مقالا عن الفريق محمد حيدر باشا في مجلة «كلمة ونص» والتي كان يرأس تحريرها الأستاذ مأمون الشناوي، وبعد أن هاجمت حيدر باشا هجوما شديدا ختمت المقال قائلا «ويعتبره الخبراء العسكريون واحدا من ألمع جنرالات الحرب في العالم، وعلى رأسهم جنرال إليكتريك وجنرال موتورز» ومع ذلك حكمت المحكمة ببراءة العبد لله من تهمة القذف في حق القائد العام محمد حيدر باشا. حدث هذا منذ 60 عاما وحدث مثله منذ 40 عاما فما الذي يجري في مصر هذه الأيام؟، هل تدهورت الأحوال بصحافة مصر فأصبحت أقل حرية في الثمانينات مما كانت عليه في العشرينات وفي الأربعينات؟. الحقيقة أن قضاء مصر الشامخ لا يزال عند موقفه في قضايا النشر، بالرغم من المحاولات التي تتعرض لها الصحافة من بعض الجهات، وبالرغم من مساعي البعض في وضع السدود أمامها والقيود في معصميها، وهي مسألة يجب أن يتوقف عندها الصحفيون جميعا ونقابتهم على وجه الخصوص. … أذكر أنني منذ 15 عاما كنت مُقدّما لمحكمة الجنايات في قضية قذف ضد رئيس مجلس إدارة مؤسسة السينما، وكنت قد اتهمت القائمين على المؤسسة بسرقة أموال الدولة وتهليبها، وكان على رأس المؤسسة رجل يدعى تركي انتقل إلى رحمة الله وتساءلت في المقال «هل هو تركي فعلا؟ أم أنه مجرد إسم مثل بقلظ وزقلط وباعتبار أنها مجرد أسامي والأسامي ببلاش»، وقلت أيضا في معرض الحديث عن الفساد الذي يضرب جذوره في المؤسسة «ولقد شد الضاني السحار إلى الإذاعة فشده السحار إلى السينما ومن شدك تشده ولو بعد حين». وكان العبد لله وقت نظر القضية يقضي عقوبة مدتها عامان في سجن القناطر في القضية المعروفة بإسم مراكز القوى… ويومها قال شيخ المحامين المصريين وعمدة خبراء قضايا النشر عمنا الدكتور محمد عبد الله «إنه شيئ مؤسف للغاية أن يكتب كاتب ساخر في العشرينات هو الشيخ عبد العزيز البشري يتهم رئيس وزراء مصر بالخيانة ويحكم عليه بالبراءة وأن يسخر كاتب ساخر آخر في السبعينات من رئيس مؤسسة السينما فنحكم بحبسه مع الحرامية واللصوص وتجار المخدرات.. إلى أين نحن ذاهبون يا حضرات المستشارين العظام؟، وما هو المصير الذي ينتظرنا جميعا إذا تعقبنا كل صاحب قلم وكل صاحب رأي، ودفعنا بهم إلى السجون».وأغرب شيئ أن الدكتور محمد عبد الله لم يكن موكلا للدافع عن العبد لله ولكنه حضر كمشاهد للقضية وهو الذي طلب الكلمة ورحبت به المحكمة باعتباره الحجة في هذا المجال. …إن التعديل الذي تم إدخاله منذ ثلاثين عاما على المادة 123 من قانون الإجراءات كان يهدف إلى حماية الموظف العام الذي يشترك أو يتواطأ مع لصوص المجتمع الكبار، الذين تمكنوا خلال فترة طويلة من الزمان من نزح كنوز مصر والفرار بها إلى خارج البلاد، ولكن وبالرغم من ذلك تمكنت الصحافة المصرية من ضبط عشرات النصابين والقبض على عشرات اللصوص، وكانت صاحب الفضل الأول والأخير في كشف رشاد عثمان وعصمت السادات والحاج محمد لطفي والمرأة الفولاذية، ولولا الصحافة لظل هؤلاء يمارسون عمليات النهب والسلب حتى الآن. وبعد، لقد قُدِّم العبد لله إلى محكمة الجنايات ثلاث مرات في قضايا نشر، وأكثر من عشر مرات أمام محاكم الجُنح مع غشاشين اللبن وحرامية طاسات السيارات، وكان الحكم بالبراءة في كل الأحوال، وعلى العموم، العبد لله دخل السجن ثلاث مرات في قضايا سياسية ملفقة، فما المانع من دخول السجن في قضية نشر، وسأوصي أبنائي بأن يكتبوا على قبري بعد موتي: هنا رجل عاش من أجل الكلمة وسُجِن بسببها، ومات حزينا، لأن الموت سيمنعه من مطاردة اللصوص والنصابين والأدعياء». رحم الله عمنا محمود السعدني وفك أسر أحمد دومة وحسن مصطفى وكل المسجونين السياسيين الذين أنست زهوة السلطة محمد مرسي أنه كان واحدا منهم ذات يوم، تماما كما أنساه المطبلون له من أبناء عشيرته أنه لا يمكن أن يفرض هيبته إلا لو بدأ بالتخلص من خيبته.