[email protected] فتحت قضية سد النهضة الاثيوبى التى اثارت الراى العام الداخلى و الاقليمى العديد من القضايا الشائكة و المهمة ، و اعادت الكثير من التساؤلات و الجدل حول طريقة تعامل و تناول الاعلام المصرى للسودان و شعبه بهذا الشكل المهين والمتعمد و المتكرر منذ مباراة مصر و الجزائر مرورا بازمة مثلث حلايب الاخيرة انتهاء بازمة سد النهضة .. ..و ليس ببعيد عن الاذهان قضية الطبيبة السودانية التى تعمد الاعلام و الصحافة فى مصر ان يظهرها فى ثوب الجانى دون وجه حق و تشويه صورتها و سمعتها وهى القتيلة و المجنى عليها .. جاءت قضية سد النهضة لتعيد مسلسل الاعلام المصرى فى التعدى على السودان و شعبه خاصة بعد حديث ايمن نور عن السودان و الذى اعتذر عنه فيما بعد .. لقد درج الاعلام المصرى عامة على الاستخفاف بالسودان و التقليل من شأنه باشاعة معلومات غير صحيحة عن جهل تارة و عن قصد تارة اخرى ، والشواهد على ذلك كثيرة و متعددة كما ذكرنا. لقد نشرت صحيفة الجمهورية مؤخرا تقرير عن مقال كتبته فى صحيفة الراكوبة بعنوان (النيل مصرى و ينبع من اسوان )و كالعادة لم يخلو التقرير من السلبيات المتكررة و المشروخة التى عمد الاعلام المصرى على ترسيخها و اشاعتها بالباطل و القضية ليست فى ان التقرير قد وضعنى فى خانة السودانى (العميل ) الذى يقف فى صف الاعتداء الاثيوبى على الامن القومى المصرى ..بقدر ما يظهر و بوضوح الخانة التى تريدنا مصر ان نكون قابعين فيها و تحت رايتها .. مثلما كان موقف السودان (مقرف) فى نظر ايمن نور الذى يرى ان من البديهى ان يقف السودان داعما لمصر و مستنكرا بناء السد و ان كان فيه مصلحة و فائدة له . بنفس القدر كانت وجهة نظرى حول السد الاثيوبى و حول ضرورة مشاركة دول حوض النيل فى الانتفاع و التمتع بالنيل على قدم المساواة ( مقرفة ) فى نظر الاعلام المصرى الرسمى و فيها تحامل على مصر و تعاطف مع الاعتداء الاثيوبى على نهر النيل .. رغم اننى قد ذكرت فى المقال و شددت على ان اعلاء مبدأ الحوار و المصالح المشتركة بين شعوب و دول حوض النيل هى المخرج الوحيد للازمة و ان العنجهية و التصريحات الاستفزازية التى مارسها المسئولين و الاعلام فى مصر تجاة ازمة السد لن تغير من واقع الحال شيئا بل ستذيده سوء .. و ربما ادرك الاخوة المصريين ذلك اخيرا و ظهرت اصوات تنادى بالعقلانية والموضوعية فى مناقشة الازمة و البعد عن خطرفات الحل العسكرى و ما الى ذلك . لقد تعمد تقرير صحيفة الجمهورية اظهارى فى ثوب المدان و هو ينشر صورتى بجانب التقرير و يتهمنى بالتحامل على مصر و حقوقها التاريخية و التواطوء مع اثيوبيا رغم اننى لا تهمنى مصر او اثيوبيا فى تلك القضية بقدر ما تهمنى مصلحة السودان و شعبه اولا ثم ضمان حقوق شعوب النيل الاخرى بالعدل و المنطق ثانيا … و نحن بدورنا نتسائل من اين جاءت تلك الحقوق التاريخية و ماذا تعنى ؟ لكن الغريب فى التقرير حقا هى تلك العبارة التى جاءت فى خاتمته ولا اظنها قد تفوت على فطنة القارئ… (ويفضح تحامل الكاتب علي مصر رؤية قاصرة تتبني موقفا تضامنيا مع الاعتداء الاثيوبي علي النهر، وهنا نثير تساؤل نتمني ان يجيب عليه الكاتب ان كان يملك الاجابة وهو اذا كان يتضامن مع اثيوبيا في رفض اتفاقية 1959 بزعم انها اتفاقية استعمارية فلماذا لم يفعل نفس الشيء مع اتفاقيات ترسيم الحدود التي وضعتها الدول الاستعمارية؟!) . نعم انا املك الاجابة و اقول اولا ان اثيوبيا لم تعترض على اتفاقية مياة النيل لانها استعمارية .. اثيوبيا لم تعرف الاستعمار طيلة تاريخها بل تحدثت عن تقسيم عادل لمياه النهر الذى تمده هى ب 85% من مياهه .. من اعترض على الاتفاقية باعتبارها استعمارية هما تنزانيا و اوغندا و عرف فى ذلك الوقت (بمبدأ نانيرى) لذا لزم التنوية و التصحيح . و يبدو ان الغرض من تلك المعلومة الخاطئة الواردة فى التقرير هو حشر موضوع ترسيم الحدود على يد المستعمر و الاشارة الى موضوع ازمة حلايب و وما ردده الاعلام المصرى انذاك اذا كان السودان سيطالب بالتحكيم الدولى لعودة حلايب اليه فنحن سنطالب بعودة السودان كاملا الى مصر .. وهى تخاريف درج المتخطرف توفيق عكاشة على ترديدها كثيرا دون ان تتخذ حكومة السودان اى تصرف تجاه من يهين سيادة الوطن وهو يصرخ كالمجنون (السودان دى بتاعتنا ) و ذلك فيض من محيط المعلومات الخاطئة و المشوهة التى عمد الاعلام المصرى على بثها و ترويجها و نحن بدورنا لن نكل او نمل فى توضيح وتصحيح الامر و بكل قوة … السودان لم يكن فى يوم من الايام تابعا او جزء من مصر لا قديما او حديثا وان السودان كان مستعمرة تركية بريطانية مثل مصر تماما وقد عرف السودان حدوده الحالية منذ قيام السلطنة الزرقاء التى حكمت السودان زهاء الاربعة قرون حتى الغزو التركى فى 1821م الذى انتهى بقيام الثورة المهدية و مقتل غردون باشا فى 1885م ثم الحملة البريطانية بقيادة اللورد كتشنر فى 1898م حتى استقلال السودان فى 1956م . لن تستطيعوا ان تغيرو التاريخ بترديد الاكاذيب .. لقد كانت مصر خاضعة للتاج التركى البريطانى حتى 1952م فمتى كان السودان تابعا او جزء من مصر هل يدرس المصريين التاريخ ؟ هل سمعوا شيئا عن بعنخى الذى هزم الاشوريين و حكم مصر مائة عام .. و من واقع معايشتى استطيع ان اوكد ان المصريين لا يعرفون شى عن السودان ولا يملكون الاستعداد لذلك و رغم ذلك لا يملون من ترديد الاكاذيب و السخافات عنه. من الملفت ايضا اغفال التقرير نقاط مهمة كنت قد اثرتها فى مقالى عن تعرض الاثيوبيين فى مصر الى موجة اعتداءات لفظية و جسدية و و تاثيرها السلبى على الازمة و هى اعتداءات طالت حتى النوبيين المصريين الذين تتشابه سحناتهم مع الاثيوبين .. فلم نرى التقرير او الاعلام المصرى يدين تلك الاعتداءات او ينتقدها الشى الذى جعل مفوضية الاممالمتحدة لشئون اللاجئين تناشد الجهات المختصة لحماية رعاياها من اللاجئين الاثيوبين .. على الاعلام المصرى الان ان يدرك ان الروح العدائية و الاستفزازية لن تحل ازمة شح الموارد المائية فى مصر و لن تجعل الاخرين يتنازلون عن حقوقهم طواعية بل ستذيدهم تصميم عليها.. وان توحد السودانيين الان مع الاثيوبين فى قضية السد هو نتاج طبيعى للتجنى الطويل و ( المقرف ) الذى مارسته مصر على السودان . لقد ان الاوان لوضع النقط فوق الحروف فى علاقتنا مع مصر التى يجب ان تبنى على الاحترام و المصالح المشتركة و حسن الجوار الذى يفرض على مصر الانسحاب من كامل التراب السودانى الذى تضع يدها عليه فى مثلث حلايب لبداية صفحة جديدة فى تاريخ العلاقة بين البلدين .