عبد الرحمن حسب الرسول عبد الرحمن منذ مجيء النظام الحالي في السودان قبل ربع قرن تقريبا تعرضت السيادة السودانية لإنتهاكات جسيمة قامت بها دول ترى في السودان ونظامه الإسلامي خطر على أمنها القومي بسبب علاقة السودان بدول مصنفة على إنها مأزومة دوليا مثل إيران و سوريا.و أهم هذه الدول و أكثرها تأثيرا في منطقة الشرق الأوسط بعد الولاياتالمتحدة الأميركية هي إسرائيل التي ضاقت ذرعا بما يقوم به السودان من تعاون مع إيران في المجالات العسكرية و التكنولوجية, فتخوفت من أن يصبح البحر الأحمر قاعدة عسكرية إيرانية تهدد أمن إسرائيل, و هددت العام الماضي بقصف بورتسودان إذا أستمرت الحكومة السودانية في السماح للسفن الإيرانية بالرسوء في ميناء بورتسودان مرة أخرى لتزويد السودان و حركات المقاومة الفلسطينية بالسلاح. و قبل ذلك بمدة في عام 2009م قصفت إسرائيل قافلة أسلحة متوجهة إلى غزة من شرق السودان.وفي ديسمبر/2011م قصفت أيضا إسرائيل سيارات على الحدود بين مصر و السودان كانت تحمل هذه السيارات سلاح و متوجهة إلى فلسطين. و في مايو/2012م قصفت إسرائيل سيارة برادو في مدينة بورتسودان ومات السائق و من معه, يقال أن بها تاجر أسلحة. و في يوم 23/أكتوبر/2012م قصفت إسرائيل مصنع اليرموك للتصنيع الحربي, الذي إعتبرته إسرائيل ملكا لإيران و بذلك أضحى هدفا مشروعا لإسرائيل.وقبل ذلك سبقت الولاياتالمتحدة الأميركية إسرائيل بقصفها لمصنع الشفاء بالصواريخ في أغسطس/1998م لإعتقادها بأنه ينتج أسلحة كيميائية.إن الصراع الدائر اليوم بين السودان وإيران وكل حركات المقاومة الفلسطينية وحزب الله من جهة والولاياتالمتحدة الأميركية و إسرائيل من جهة أخرى هو صراع أفيال ضحيته العشب, و تعرفون جيدا من الفيل و من العشب.الموقف السوداني الرسمي و الشعبي من القضية الفلسطينية واضح جدا منذ الإستقلال فكان التأييد المطلق للقضية الفلسطينية في جميع المحافل المحلية و الدولية.عندما حدثت حرب 1948م شارك السودان بحوالي 250جنديا و متطوعا حيث تم أسر البعض منهم و على رأسهم زاهر سرور السادتي والد الدكتورة خالدة زاهر وهي أول طبيبة سودانية. وشارك السودان أيضا في حرب حزيران 1967م بكتيبة كان يقودها العقيد أركان حرب محمد عبد القادر, و بقيت كل مطارات السودان تحت تصرف القادة العسكريين المصريين. وأعلن محمد أحمد المحجوب رئيس الوزراء الراحل في البرلمان أن السودان في حالة حرب مع إسرائيل.و في حرب أكتوبر/1973م شارك السودان بأربعة ألوية مشاه. هذا كان في السابق أما اليوم فدعوني أطرح هذا السؤال البسيط: من لم يستطع تحرير الفشقة وحلايب من الإحتلالين الإثيوبي والمصري,هل يستطيع أن يحرر شبر واحد من فلسطين؟لا أعتقد ذلك,(فاقد الشيء لا يعطيه). إن دخول السودان كطرف في الصراع العربي-الإسرائيلي في السابق لم يكن صعبا كما هو الآن,لعدة أسباب: *أولا:تكنولوجيا الحرب لم تكن بالتطور الذي نشهده الآن,فاليوم إسرائيل تمتلك ما يسمى بالنانو ستالايت تكنولوجي Nano Satellite Technology وهو قمر صناعي متطور جدا ومزود بمجسات تمكنه من رصد تحركات و أهداف العدو في جميع أنحاء العالم مهما كان حجم الهدف صغيرا,مما يسهل مهمة تدميره كما حدث مع الأهداف التي تم إستهدافها في السودان و سوريا وجنوب لبنان.الجيش الإسرائيلى من أقوى الجيوش في المنطقة العربية وربما على مستوى العالم,ثم جهاز الموساد الإسرائيلى يعد الأقوى في المنطقة الشرق أوسطية من حيث الكفاءات التي تعمل فيه و العقول التي تديره والمعينات الفنية الأخرى و هو ينافس السي آي أي الأميركية .إذن ليس هنالك أي مقارنة يمكن أن تجرى بين هاتين المؤسستين في إسرائيل و السودان.ففي الأخير لا تستخدم هاتان المؤسستان إلا في تنفيذ الإنقلابات العسكرية و قهر الشعب و إذلاله والتنكيل بالمعارضين. لذلك لا يستطيع السودان مواجهة إسرائيل بصورة مباشرة أو غير مباشرة,إسرائيل تعرف كل شيء عن السودان بما فيه أرقام لوحات سيارات الوزراء و المسؤولين السودانيين.أما السودان فلا يعلم شيئا عن إسرائيل سوى القليل وأنها إحتلت فلسطين في القرن الماضي.من ناحية إستراتيجية وعسكرية أفضل لإسرائيل أن تحارب العدو في خارج حدودها على أن تحاربه في الداخل, كما قال جورج بوش الإبن إن لم نفاتل الإرهابيين وتنظيم القاعدة في أفغانستان فإنهم سيأتون إلينا في أميركا. لذلك يجب على النظام في السودان أن يعي الدرس جيدا حتى لا تكون أراضي السودان حقل تجارب لأحدث ما تنتجه مصانع الأسلحة الأميركية والإسرائيلية.إن من يناصب أميركا و إسرائيل العداء في الوقت الراهن هو كمن ينطح صخرة بجبهة عارية. كل الأراضي السودانية تشهد معارك ضارية للأسف ليس ضد عدو خارجي بل عدو داخلي وهو نظام الجبهة الإسلامية القومية الفاشي.هذه الحروب الدائرة اليوم تجعل من السودان عاجز تماما عن فتح أي جبهة قتال أخرى مهما كان العدو صغيرا ناهيك عن دولة بقامة و قوة إسرائيل. *ثانيا:في السابق كان العالم منقسم إلى معسكرين شرقي بقيادة الإتحاد السوفياتي السابق و غربي بقيادة الولاياتالمتحدة الأميركية,فهذا بدوره خلق توازنا نسبيا في معادلات الصراع الدولي.فليس من الضرورة أن تكون على وفاق مع المعسكرين. اليوم الوضع إختلف تماما يوجد قطب واحد فقط إذا خسرته فقد خسرت كل شيء, هذا بالنسبة لدول العالم الثالث. *ثالثا:كل الدول العربية كانت تمتلك إرادة قوية وموحدة لا تختلف على شيئ ويظهر ذلك جليا في إيقاف ضخ النفط للولايات المتحدة الأميركية عندما إستمرت في دعمها المطلق لإسرائيل إبان حرب أكتوبر/1973م.أما الدول العربية اليوم في حالة لا تحسد عليها. إيران تستخدم السودان ليحارب إسرائيل بالوكالة عنها,و إسرائيل تعلم ذلك جيدا ولن تستطيع أن تضرب إيران لأن النتائج النهائية لإي حرب بين إسرائيل و إيران لا يعلم مداها أحد,ففي هذه الحالة تختار إسرائيل الحلقة الأضعف في الصراع الإسرائيلي-الإيراني و هي السودان ليتم ضربه. في 4/ديسمبر/2011م أسقطت إيران طائرة بدون طيار أميركية من طراز RQ170, وأرسل حزب الله طائرة بدون طيار إيرانية الصنع في أبريل/2013م لتصور إسرائيل,ما ذا تتوقع أن يكون رد أميركا و إسرائيل لو كان السودان هو الذي قام بذلك, أقسم بالله لكان مسحت أميركا و إسرائيل السودان من خارطة العالم, حتى يقال أنه كانت هنالك دولة إسمها السودان.لكنهما يعلمان من هي إيران ومن تكون.في أغسطس/1990م إحتل صدام حسين الكويت وكان السودان و اليمن و فلسطين وغيرها وقفوا مع صدام حسين,أغضب هذا الموقف كل دول الخليج وقررت طرد كل المغتربين السودانيين لديها,لولا الوساطة التي قامت بها بعض الشخصيات السودانية المعتبرة عند الخليجيين لما تبقى سوداني واحد في الخليج.دائما الشعب السوداني يدفع ثمن تحالفات حكومته المعتوهة مع هذه الدول الموتورة دوليا بدءا بالعراق سابقا و إيران الآن, فعلى سبيل المثال حدت إن لم تكن أوقفت المملكة العربية السعودية كثير من نشاطات الجالية السودانية بالسعودية, وأخيرا منعت البشير من عبور أجوائها ليحضر حفل تنصيب الرئيس الإيراني حسن روحاني يوم 3/أغسطس/2013م.النظام السوداني أراد أن يلعب على الحبلين العربي و الإيراني في آن واحد, لكنه فشل فشلا ذريعا في ذلك فدول الخليج تعي جيدا أساليب نظام الجبهة الإسلامية القومية و لم تنطلي عليها الحيلة. ختاما أرجو من القراء ألا يفهموا من مقالي هذا أنني أدعو إلى ترك الفسطينيين يقاتلون إسرائيل وحدهم,ما أود توضيحه أن الظروف الحالية التي تمر بها الأمة العربية و الإسلامية و السودان لا تسمح للأخير بأن يكون طرفا في أي صراع مع أي جهة كانت,لأن الحال يغني عن السؤال, والسودان مازال على قدر حاله و أقل من ذلك حتى.لكن عندما تحين اللحظة التي يتوحد فيها العرب لتحرير فلسطين ساعتها سيقف السودان الشعب قبل النظام الرسمي في خندق واحد مع الشعوب العربية.القضية الفلسطينية هي القضية المحورية لكل العرب و المسلمين و لا تقبل الحياد. وتبقى القدس دائما في قلوبنا. ود المنسي/9/تشرين الثاني/2013م