[email protected] إذا أردت أن تحدثني عن شعبٍ كبير ..فأنسى فوراً إسم القبيلة..! هكذا مضمون وليس بالضرورة النص الحرفي لمقولة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش..! الإستعمار قديماً كان يعمل عكس هذه النظرية فيفرق بين أمم مستعمراته ليسود ! مشكلة الجنوب في بداياتها منذ إنفضاض مؤتمر جوبا قبل الإستقلال وفي كل مراحل تطورها الى نهاية عهد الفريق عبود ومن ثم مؤتمر المائدة المستديرة عقب ثورة أكتوبر 1964 كانت تتغذي في تصاعد إحتقانها من تراكمات تلك السياسة الإستعمارية التي عمدت الى توسيع الشقة بين ما كانت توصفه بالنمط العربي والإسلامي للمكون الإجتماعي في الشمال .. وفكرة تأصيل الطابع الغربي المسيحي والقبلي لمجتمع الجنوب ! حينما جاء إنقلاب مايو 1969 كانت حركة الأنانيا 1 بزعامة جوزيف لاقو هي المهيمن الحصري على حكم الغابة في الجنوب! جعفر نميري الذي عرف الجنوب وأهله ولكونه أيضاً قد جمع حوله في بداية عهده عددا ًمن مثقفي وعقلاء الشمال والجنوب من المستشارين والمختصين القانويين.. كان قد حل المشكلة في مباحثات مباشرة أفضت الى إتفاقية أديس ابابا 1972 فخلصت نوايا الطرفين الى استقرار دام عقداً كاملاً حكم فيه الجنوبيون إقليمهم ذاتيا ً! أسوأ ما في إنتكاس عقلية الديكتاتور جراء نفخة الغرور والبطانة السيئة أن يجعل من نفسه ميغناطيساً محورياً لتتدافع حوله تلك البطانة كل يحاول إقصاء الآخر بالتقرب نفاقاً الى الزعيم الأوحد في الحكم الذي يستسلم لإيهامهم له بأن لا شريك لفرادته في الوطن ..فيعيش الدور ! وحينما ضاع الدرب عن جعفرنميري في مياه فشل المصالحة الوطنية 1977والتي أغرقت عليه ابواب المخارج من عزلته بعد أن تركه كل الذين إستشرفوا بقرون إستشعارهم قرب نهايته ! قفز اليه الإسلاميون بانتهازيتهم من نافذة نظامه المحطمة بعد ان طعنوا ركب المصالحة في ظهره وهو يتراجع بعيداً عن نميري رغم انهم من ساقوا ذلك الركب الى حماقة ماسميت بموقعة المرتزقة التي أعطى إخمادها وفشلها نظام نميري المتهالك عمراً جديداً إستمده من كره أهل السودان لغزوات الخارج ! ومن هنا بدأ رسم الإسلاميين لخطتهم في كيفية إعمال سيف تقطيع السودان الكبير بإيقاظ الإحن والقبلية والجهويات ..إذا اوغروا صدر النميري على إتفاق إديس و شجعوه على سياسة تشتيت القبائل الكبيرة المهيمنة بضربة تقسيم شكلت خرقاً للإتفاق الذي ينص على وحدة الجنوب كإقليم ضمن الفدرالية ! ومن هنا نشأت حركة جون قرنق الذي إشتم بحسه السياسي والعسكري رائحة طبخة الكيزان بعد أن سلبوا النميري إرادته بالكامل وهم يمهدون لقوانين سبتمبر 1983التي أحالته من حاكم أخرق الى إمام يعتلي محراب المسجد ليخطب ويوعظ ويقطع بالخلاف ويعدم لهم خصومهم بحكم الردة! سقط النميري من علياء وهمه بعد ان ذابت أجنحة حلمه الشمعية قريباً من شمس الصباح بعد ليل حكمه الطويل ! عقب الإنتفاضة وعلى مدى ثلاث سنوات كان الإسلاميون بما خرجوا به من عضلات مادية و هميمنة على مفاصل الجيش والأمن و الخدمة العامة وما حشدوه من جيوش المهاويس التي تثير غبار الشارع بالتحريض و تحريش الفتن أن يعرقلوا كل اتفاق يتسابق عليه المهدي والميرغني وهم يخططون لإتقلابهم من خلف عباءة الديمقراطية الممزقة ويمدون لسانهم من خلال ثقوبها للسيدين كلما إقتربا من عناق قرنق ويشدانهما نحو خناق بعضهما ! وحينما إنقلبوا على شرعية الديمقراطية الهشة لحكم الصادق المهدي 1989 .. لم يمدوا يد السلام البيضاء ولم يطرحوا فكرة التفاوض مطلقاً بل رفعوا رأية الجهاد على أسنة الرماح وفقاً لنواياهم التاريخية و الأيدلوجية المبيتة .. وحينما تقطعت أنفاسهم لهثاً في ثنايا الغابة المجهولة سعوا مضطرين وبخبث في منتصف الطريق لتفتيت الحركة الشعبية وعقدوا إتفاقاً مع مشار و كاربينو ولام و أروك طون وغيرهم ضرباً في خاصرة قرنق بذات النهج الإستعماري ليسودوا هم في تلك الفجوة الى أن بركوا أخيراًعلى طاولة المفاوضات مكرهين ومجهدين ولم يكن أمامهم إلا تسليم الجنوب لذات الكفار الذين جاهدوا ضدهم وفشلوا حيال مقاومتهم الشرسة في أسلمة الإقليم بسياسة الأرض المحروقة ! لم يتعلموا الدرس فأعدوا الكرة في تفريق حركات دارفور ففرخت لهم حاضنتها أفاعي وقد ظنوا أنها ستفرخ لهم عصافيراً مغردة و فراشات ملونة.. وهو تفكير لا ينسجم مع عقليتهم غير الرومانسية ! فتلك العقلية وقد حصد الوطن وبالها .. لاترى في اللون الأحمر لون الوردة.. ولكنها تراه فقط لون الدم ! وهاهم الان يحصدون ما ظلوا يطلقونه كحكمة في خطبهم ..! (إنما الأعمال بالنيات..) وقد خرج لهم منجنيقاً ليضربهم في الرأس والصدر مباشرة وهو ذات مشار الذي علموه كيفية الخروج على قادته فجاءهم أفعي كبيرة ليعيد السيناريو ويرد لهم بضاعة نواياهم لتتفرخ لهم أفاعي في الجيوب وتفعل بهم مثلما لدغت أطراف الوطن الحافي على مدى عهدهم المشئؤم ..وهاهي تلتهم كيانهم كحركة و تعض جلدهم كحزب وتنهش حكمهم بانياب الفشل! ولكن أسوأ مافي أمرهم أن سم تلك الأفاعي قد سرى في الوطن كله .. شماله وجنوبه وغربه ووسطه وشرقه ! والمشفي مسافته بعيدة وربما يكون الطبيب المعالج غائباً في حالة وصولنا اليه .. أو قد لانجد عنده الترياق اللازم ..! ولا حول ولاقوة إلا بالهة..مما فعلوا بالوطن الذي كان كبيراً مهيباً فاحالوه الى هرم يتسول الغذاء والكساء والأمن ! إنه المستعان وهو المعافي والشافي ..والمنتقم !