ابان توقيع اتفاقية السلام بين الحركه الشعبيه و حكومه الانقاذ، و بينما كانت مشاعرالفرحه تعم البلاد، اتيحت لي الفرصه للإلتقاء ببعض القيادات السياسيه من الحركه الشعبيه في العاصمه البريطانيه، و كان اللقاء في منزل صديق علي علاقه مباشره ببعض النافذين في الحركه و بحضور بعض الشخصيات الاجنبيه المتعاطفه مع قضيه جنوب السودان كان محور الحديث يتركز على رؤيه الحركه و تصورها لشكل الجنوب خلال الفتره الانتقاليه، الجدير بالذكر ان بعض الحضور كان قد تم تعيينهم بالفعل في مناصب مهمه في الحكومه الجديده، و كانوا بصدد الذهاب لتولي مناصبهم ، و عليه فقد دار الحديث حول الكيفيه التي سيتم بها حكم الجنوب لاول مره بدون تدخل من طرف الشمال، و في ظل اتفاقيات دوليه ملزمه الحديث بمجمله كان متفائلاً و يحمل نبرة من التحدي و الرغبه في اثبات التمايز، تطرق المتحدثون الي مجمل تجربه الحكم في السودان في ظل تفرد الشماليين في الحكم و تناولوا بالتحليل اسباب فشل الشماليين في تقديم نموذج حكم جدير بالاحترام. اتفقنا جميعناً على ان السبب الرئيسي بالطبع يتمثل في غياب الديموقراطيه و الشفافيه في الحكم، وهنا بالضبط سيتميز الحكام الجدد في الجنوب كما اجمع المتحدثون. لازلت اذكر تلك الكلمات الواثقه و المفعمه بالامل، سيكون الجنوب السوداني مثار حسد، ليس فقط في السودان، و لكن حتي بالنسبه للدول المجاوره. لن يكون هناك مكان للفساد و المحسوبيه، سيتم ارساء حكم القانون و سيكون الجميع امامه سواسيه، يستوي في ذلك المواطن الجنوبي والشمالي. سيكون الحكم عالمانياً و ستكفل حريه العقيده للجميع، لن يتعرض المسلمين للتمييز بحكم كونهم اقليه، و بالمثل لن يجد التجار الشماليين اي تضييق، بل وسيتم تشجيع الهجره المضاده من الشمال الي الجنوب و اللتي يتوقع ان تزدهر في ظل النمو الاقتصادي المتوقع حينما تشرع الحكومه الجديده في توجيه كافة مواردها نحو التنميه و اعمار الجنوب، بعد ان وضعت الحرب اوزارها وولت الى غير رجعه لم يبدوا في تلك اللحظات ان فكره انفصال جنوب السودان عن شماله هي الفكره المهيمنه علي تفكير من سيصبحوا حكام الجنوب خلال الفتره الانتقاليه، كما ان الغرض من الفتره الانتقاليه ذاتها لم يكن يتجاوز اثبات ان السياسي الجنوبي اذا اتيحت له الفرصه بامكانه ان يقدم بديلاً حقيقياً للمواطن السوداني في كيفيه الحكم الرشيد. في ظن المتحدثين كان الامل معقوداً علي الانتخابات التي ستعقب الفتره الانتقاليه في ان تكون فرصه حقيقيه للمواطن السوداني ليتجاوز عقد الماضي ويختار الحركه الشعبيه لتحكم كل السودان، بعد ان يري جدارتها في حكم الجنوب خلال الفتره الانتقاليه. بالطبع كان الامل معقوداً علي رئيس الحركه انذاك د. جون قرنق ان يدير دفه الحكم ببراعته و كاريزميته، اولاً في الجنوب ولاحقاً في عموم السودان الجديد الديموقراطي العالماني الموحد لا انكر ان الامل كان يحدوني حقيقة، كنت اتمني بحق ان تتجسد هذه الامال علي ارض الواقع. كنت اشعر بالقلق الممزوج بالاعجاب و الحسد. مبعث قلقي كان غامضاً و مبهماً، كما لو ان تبعات الماضي كانت حاضرة في لا وعيي وبشكل اقوي كل مشاعر التفاؤل، مما منع عقلي الباطن من التجاوب مع تلك المشاعر. اراد قلبي ان يبتهج للاخوه في الجنوب علي هذه الفرصه التاريخيه، بل وتسللت اليه بعض مشاعر الحسد حينما اطلقت لذهني العنان ليتخيل شكل الحكم المقبل في الجنوب لو صدقت تلك الكلمات التي تفوه بها اولئك القيادات بكثير من الثقه من ناحيه اخري، كانت تكفي نظره واحده الي الاوضاع علي الارض في الجنوب ليدرك المرء صعوبه المهمه الملقاه علي عاتق الحركه الشعبيه. مهما كانت النيات مخلصه تبقى الحقيقه المجرده ان الحركه الشعبيه لم يكن لها حتى ذلك الحين اي تجربه حقيقيه في اداره دوله، بكل ما يستتبع ذلك من مسؤوليات. كانت فرصه كبيره لتحقيق انجازات تاريخيه، رغم ان المرء قد يتوقع حدوث اخطاء كبيره بصفه عامه كان المجال سانحاً امام الحركه لاستغلال تلك الفرصه لتحقيق طموحات الشعب السوداني، ليس فقط في الجنوب ولكن في عموم السودان، فماذا جري خلال السنوات المنصرمه التي اعقبت ذلك اللقاء؟ هل تمكنت الحركه الشعبيه من استغلال تلك الفرصه، بل الفرص التي سنحت امامها منذ ذلك الحين؟ هل تحققت طموحات الاخوه في الجنوب من اقامة حكم القانون و الديمقراطيه، وهل دارت عجله التنميه لتحقق النمو الاقتصادي و توفر الخدمات الاساسيه للمواطن في الجنوب، من امن و تعليم و علاج؟ لا ريب ان وفاة جون قرنق قد القت بظلالها علي الحركه الشعبيه و اثرت علي مجمل توجهات النخب السياسيه في الجنوب، ولكن الي اي مدى اثرت هذه الوفاه علي قدرة القيادات علي القيام بمهمتها الاساسيه، وهي القيام بخدمة المواطن في الجنوب و تحقيق اماله؟ قبل ان اتطرق الي هذه الاسئله في مقال قادم، ارجو من القارئ الكريم ان يشاركني بالتفكير في حجم الفرصه التي اتيحت للحركه منذ توقيع اتفاقية السلام وحتى الان، و بمحاوله تقييم اداءها في حكم الجنوب من خلال مقارنه احوال الجنوب والمواطن الجنوبي الان وعند تولي الحركه حكم الجنوب اعلم ان الحديث ذو شجون، واعلم ان البعض قد يرى في مقالي شبهة تعرض للاخوه قيادات الحركه، عذري في كتابة هذا المقال ان الفرص الضائعه التي اتحدث عنها ليست فقط ملك الحركه الشعبيه، هي فرص ضائعه علي مجمل الشعب السوداني ( للمقال بقيه ) amjud mustafa [[email protected]]