المجتمع المدني السوداني : ليس هناك طريق مختصر للحوار الوطني إننا نرحب بدعوات الحوار الوطني في السودان، ولكننا، بوصفنا منظمات مجتمع مدني فاعلة، نعرب عن قلقنا العميق من قصور خطط الحوار المطروحة عما هو مطلوب كحد أدنى. فنحن في أمس الحاجة إلى مقاربة مشتركة تعالج المظالم في شتى أنحاء بلادنا، بعد أن صادر نظام الحزب الواحد – بحكم الأمر الواقع – كل الحريات الديمقراطية، وسعى لإخراس الأصوات المعارضة، حتى بين صفوفه. كذلك فقد أثبتت مقاربة الحلول الجزئية فشلها، مع دخول النزاع في دارفور عامه الحادي عشر، واستمرار القتال في جنوب كردفان والنيل الأزرق بلا هوادة. وحتى يبدأ أي حوار حقيقي، ينبغي أن يتمتع المواطن السوداني بحقوقه الأساسية مثل حرية التعبير، والتنظيم، والاجتماع، بالإضافة إلى ضرورة وقف الأعمال العدائية، وتوفير نفاذ الخدمات الإنسانية. لقد وصل الوضع في دارفور إلى أسوأ حالاته على الإطلاق، وخلال الأسابيع القليلة الماضية، قامت الحكومة بدعم الميليشيات وبث الصدامات بين القبائل العربية بعضها بعضًا، كما تصاعدت وتيرة هجمات المتمردين على القرى والبلدات، بما فيها البلدات التي توجد بها حاميات حكومية، إلى مستوى خرج عن السيطرة. كما أُجبر أكثر من 215,000 مدني على النزوح عن منازلهم إلى مخيمات النازحين المكتظة في ولايات دارفور الخمس، لينضموا إلى 350,000 مدني آخرين كانوا قد نزحوا بالفعل جراء القتال خلال العام الماضي، بالإضافة إلى استمرار القصف الجوي للمناطق المدنية في "جبل مرة". كذلك شهد الشهر الماضي أحدث مظاهر نشاط الميليشيات التي تسيطر عليها الحكومة، أي قوة الدعم السريع، حيث قامت تلك الميليشيات بإحراق ما لا يقل عن 35 قرية في جنوب دارفور، لتجبر نحو 30 ألف مدني على النزوح. وفي شمال دارفور، أجبر المقاتلون التابعون لموسى هلال، أحد قادة الميليشيات البارزين الموالين للحكومة، كل سكان سراف عمرة (55,000 نسمة) على اللجوء إلى قاعدة اليوناميد (بعثة الأممالمتحدة والإتحاد الأفريقي في دارفور) طلبًا للحماية. أما في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، فقد أصبح القصف الجوي للمدنيين واقعًا يوميًا، كما شهد شهر فبراير الماضي أعلى رقم للخسائر بين صفوف المدنيين منذ بدء النزاع. يعاني معظم السكان بسبب الحرمان الكامل من المساعدات الإنسانية أو التقييد الصارم لإيصالها، ولا تقتصر تلك الاحتياجات الإنسانية على المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال فحسب، بل تمتد إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة أيضًا. كما أصبح العديد من المدنيين محاصرين الآن بعد اندلاع الأزمة في جنوب السودان، حيث يخشون الفرار جنوبًا إليها، كما يخشون الفرار شمالًا أيضًا، إذ قد يواجهون ظروفًا أصعب. يجب تأمين المدنيين في كافة أنحاء البلاد، بوصف ذلك شرطًا مسبقًا لإقامة الحوار السياسي الوطني. كما ينبغي ضمان إعطاء الأولوية لوقف الأعمال العدائية، بما في ذلك أن يتم تنفيذ وقف الأعمال العدائية في إطار الفترة التي حددها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي في اجتماعه بتاريخ 10 مارس 2014، والتي تنتهي يوم 30 أبريل. ومع ذلك، لا يجب ربط توفير نفاذ المساعدات الإنسانية بأي عملية سياسية. على الحكومة أن تتخذ خطوات ملموسة من أجل خلق بيئة مفضية إلى الحوار. إذا أريد للحوار أن يكون فعالاً، فلا مناص من توفير بيئة داخلية مفضية إلى هذا الحوار. وفي هذا الإطار، يأتي رفع حالة الطوارئ كخطوة أولى ضرورية. كما أن إلغاء القوانين المقيدة للحريات هو أمر محوري، بما فيها مواد من القانون الجنائي الصادر سنة 1991، وقانون النظام العام الصادر في 1998، وقانون العمل التطوعي الصادر في 2006، وقانون الأمن الوطني الصادر في 2010، وقانون الصحافة والمطبوعات الصادر في 2009. بالإضافة إلى ذلك، فمن المطلوب إطلاق سراح المسجونين السياسيين والمعتقلين، ووقف كل أشكال الرقابة على الإعلام المستقل. وأخيرًا، وبإعتبار أن تلك الخطوات هي الحد الأدنى، يجب أيضًا وقف كل صور التعذيب، والتوقيف التعسفي، وغيرهما من انتهاكات حقوق الإنسان. يجب أن يشمل الحوار كل الأطراف المعنية، وألا يقتصر على الأحزاب السياسية والتحالفات فيما بينها. ينبغي ألا تكون العملية نخبوية، أي مقتصرةً على الأحزاب السياسية ذات التوجهات المتقاربة، ومفتقرةً إلى مشاركة المجتمع بمعناه الأوسع، والمساءلة تجاهه. وهو ما يتطلب أن يتاح للجمهور الحصول على معلومات مستقلة وموثوق بها حول الحوار ومساحة النقاش والوصول إلى إجماع. فقد كان سبب الفشل الحقيقي لاتفاقية السلام الشامل افتقارها إلى ملكية الشعب السوداني لها. أما هذه المرة، فيجب أن يشارك ممثلو ضحايا الحروب السودانية العديدة، والمجتمع المدني، والشباب، والجماعات النسائية، والنقابات العمالية، والمثقفين، والمجتمع في نطاقه الأوسع، فضلاً عن حزب المؤتمر الوطني، وتحالف قوى الإجماع الوطني، والمعارضة، والجبهة الثورية السودانية. نحن نؤمن بأنه ليس هناك طريق مختصر إلى حوار وطني حقيقي. بل يجب أن تتوفر الظروف، وأن تعلن الالتزامات حتى يكون الحوار فعالاً. كما يجب أن يستهدف الحوار معالجة الأسباب الجذرية للنزاع والحوكمة في الدولة – ولا ينبغي أن يقام الحوار لمجرد تمهيد الأرضية لانتخابات 2015 المحدودة. الموقعون: المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام (ACJPS) التحالف العربي من أجل السودان (ACS) مركز النيل الأزرق للسلام وحقوق الإنسان هيئة محامي دارفور مركز دارفور للإغاثة والتوثيق Governance Bureau، السودان منظمة حقوق الإنسان والتنمية (HUDO) أفريقيا العدالة – السودان مركز الخاتم عدلان للإستنارة والتنمية البشرية (KACE) منظمة النوبة للإغاثة وإعادة التأهيل (NRRDO) الجمعية السودانية للدفاع عن حرية الرأي والضمير (SADFOC) مركز السودان للتنمية وحل النزاع (SCCRD) كونسورتيوم السودان مجموعة السودان للديمقراطية أولًا (SDFG) مرصد السودان لحقوق الإنسان (SHRM) منظمة السودان للتنمية المجتمعية (SUDO) شبكة التضامن مع السودان منظمة الزرقا للتنمية الريفية (ZORD)