كامل إدريس إلى الولايات المتحدة الأمريكية    حفل الكرة الذهبية.. هل يحقق صلاح أو حكيمي "المفاجأة"؟    القوز يعود للتسجيلات ويضم هداف الدلنج ونجم التحرير    شاهد بالفيديو.. الحرب تشتعل مجدداً.. المطربة عشة الجبل تهاجم زميلتها هبة جبرة: (نصف الشعب عرفك بعد شكلتي معاك.. شينة ووسخانة وأحذرك من لبس الباروكة عشان ما تخربي سمعتنا)    شاهد بالصور.. الفنانة ندى القلعة تصل القاهرة وتحل ضيفة على أشهر الصحف المصرية "في حضرة الكلمة والصحافة العريقة"    شاهد بالفيديو.. مطربة سودانية تقدم وصلة رقص فاضحة وتبرز مؤخرتها للجمهور وتصرخ: "كلو زي دا" وساخرون: (دي الحركات البتجيب لينا المسيرات)    شاهد بالفيديو.. الحرب تشتعل مجدداً.. المطربة عشة الجبل تهاجم زميلتها هبة جبرة: (نصف الشعب عرفك بعد شكلتي معاك.. شينة ووسخانة وأحذرك من لبس الباروكة عشان ما تخربي سمعتنا)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هبة جبرة ترد على التيكتوكر المثيرة للجدل "جوجو": (شالت الكرش وعملت مؤخرة ورا ورا ويشهد الله بتلبس البناطلين المحذقة بالفازلين)    شاهد بالصور.. الفنانة ندى القلعة تصل القاهرة وتحل ضيفة على أشهر الصحف المصرية "في حضرة الكلمة والصحافة العريقة"    تمديد فترة التقديم الإلكتروني للقبول الخاص للجامعات الحكومية وقبول أبناء العاملين    اللجنة المالية برئاسة د. جبريل إبراهيم تطمئن على سير تمويل مطلوبات العودة لولاية الخرطوم    الهلال والجاموس يتعادلان سلبيا والزمالة يخسر من ديكيداها    شاهد بالفيديو.. ظهر وهو يردد معها إحدى أغنياتها عندما كان طفل.. أحد اكتشافات الفنانة هدى عربي يبهر المتابعين بصوته الجميل بعد أن أصبح شاب والسلطانة تعلق    من سيحصد الكرة الذهبية 2025؟    مدير جهاز الأمن والمخابرات: يدعو لتصنيف مليشيا الدعم السريع "جماعة إرهابية "    كندا وأستراليا وبريطانيا تعترف بدولة فلسطين.. وإسرائيل تستنفر    (في الهلال تنشد عن الحال هذا هو الحال؟؟؟)    ترمب .. منعت نشوب حرب بين مصر و إثيوبيا بسبب سد النهضة الإثيوبي    تدشين أجهزة مركز عمليات الطوارئ بالمركز وعدد من الولايات    وزارة الطاقة تدعم تأهيل المنشآت الشبابية والرياضية بمحلية الخرطوم    "رسوم التأشيرة" تربك السوق الأميركي.. والبيت الأبيض يوضح    الإرصاد في السودان تطلق إنذارًا شديد الخطورة    الزمالة أم روابة في مواجهة ديكيداها الصومالي    مياه الخرطوم تطلق حملة"الفاتورة"    ليفربول يعبر إيفرتون ويتصدر الدوري الإنجليزي بالعلامة الكاملة    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة الفيس بوك .. وشهداء الحرية!
نشر في حريات يوم 28 - 02 - 2011

مرت بذاكرته مشاهدات من هنا وهناك وملامح مسكونة في أعماقه وهو يتهيأ للسفر إلي مدينته المنصورة التي قهرت ما عرف بالاسطورة الفرنسي لويس السادس عشر وحطمت كثير من معتقدات موروثة بأن المرأة لا تقود فقادت المحروسة في ظرف تاريخي الملكة شجرة الدر لمدة ثمانين يوما بعدما أخفت خبر موت زوجها الصالح نجم الدين أيوب عن أعداءها وأعداء الأنتصارات وهي تدافع عن عزة وطن ؟
فبدت له حكاية تلو الاخري عندما وطأت قدمه ارضها ذات صباح شتوي فيه ملامحها حاضرة بكل ما هو ثري يتغلل في وجدانه الذي حفته كطائر النورس ليعبر من ناحية كورنيشها الممتد يقرأ صور مازالت محفورة في ذاكرته التي لم يفسدها تلوث الهواء في العاصمة الكبيرة لتمنحه قصيدة وقصائد وهو يلتقط صور حديثة بموبايله الخاص لكل ما لحق به وما بقي من عهودها . وفي جعبته ليال من زمن لم يفارقه وتوقف ليطل علي مكتبة مبارك العملاقة والتي وضع في مدخلها بعض من تماثيل فرعونية تنم عن حضارة مدينة لم تفسدها كثيرا صور الألفية الثالثة . فمازال الشباب يخطو بخطوات رشيقة لكي يقرأ في مكتبتها صفحات من تاريخ وطن كبير وتاريخها الحافل بكل الأنتصارات التي غيرت من وجه الظلام مرات ومرات لتظل تشرق الشمس عليها بلا إنقطاع ! هنا مدينة شجرة الدر ونيلها الساحر ليل نهار لم تغيره بعض المقاهي التي أنتشرت علي الجانب الأيسرمنه وأفسد هواءه رائحة النرجيلة بكل سيطرتها المرفوضة والمعروفة بشيشة التفاح والمانجو والخوخ والفراولة فكان نيلها قادرا علي طرد مثل هذه الآفات التي لاتعكس حقيقة مدينة التاريخ شجرة الدر وأيضا بعض المتسولين الظرفاء الذين تتطورا مع العصر وأصبح المتسول بيه ظريف يستوقفك علي نيلها بأدب ويلقي عليك السلام ثم يواصل سرده بحبكة قصصية متقنة بأنه فقد حافظة نقوده وعليك أن تساعده لكي يسافر إلي مدينته ومتسول آخر يعلن لك عن شعوره بالأسف وهو يطلب مساعدة لكي يستكمل روشتة الدواء وثالث يحمل عدة تقارير طبية ورابع لايتكلم بل يشير لحذاءه الذي تمزق فجأة في مدينة شجرة الدر وكلها مستجدات خادمة للقصيدة التي تكتبنا ولا نكتبها في دروبها التي تحولت إلي عطر ممزوج بكل الأحلام التي بدت هاربة لكنها عذبة عندما يسترجع الفتي ذكراته وسط هذا الطوفان من البشر ! ومن كورنيشها مضي يقلب الذكريات تلو الذكريات وهو يتذكر تلك المحبوبة التي جمعهما أول لقاء عذري تلامست فيه الأيدي وهي تتكأ علي مقاعد نيلية خصصت للاستجمام ومنح كل المشاعر الشابة بعض من فيتامينات طبيعية تغنيك عن كل فتيامينات الأطبة ؟ صفحات مازالت تداعبه وهو يتذكرها بكل حسنها الذي سكن فيه وحول بعض من قصائدها لواقع فيه كتاب يقرأ بالعديد من لغات العالم ! كانت خير محبوبة نمت لديه ملكة الخيال وغلفته بالفضيلة فلم يحلم بالزواج منها عرفيا بل الزواج في صحبة كل الاحبة والاصدقاء ليزفوهم إلي العش السعيد بحفل فاق كل الاساطير المزعومة والاحلام الكئيبة التي هيمنت عليها عقول بائسة ؟ ومضت تلك الايام كأنها منذ دقائق وصورتها تناديه تلهمه كيف تكتبنا القصيدة ولا نكتبها ! ودلف من باب النصر لكي يلقي التحية علي مدرسته الإبتدائية علي محمود طه والتي سميت علي أسم شاعرها الكبير شاعر الجندول الذي كان هو الآخر رومانسيا عذبا في سطوره وكانت مدرسته كذلك بكل معلميه الذي كتبوا الحرف الأول من قصيدة وطن منحوه ثوب العلم منذ أن التحق بها طفلا صغيرا لم يتجاوز من العمر السادسة ومع الدرس الأول سمع هذه الكلمة من استاذه فؤاد ميخائيل كن أمينا ؟
هنا سوف تفتح لك كل الأبواب المغلقة وكانت الكلمة ليست له بل لكل زملائه في الطابق الأول من مبناها الذي مازال قائما بطوابقه التي تتكون من ستة أدوار وعلي ايامه كانت طابقين فقط لاغير وملعب فسيح وحديقة خلابة .. ومرسم .. ومعمل .. الخ والكل يلهو ويعرف بعضه البعض بل كان لهذا المعلم الاسطوري فؤاد مخائيل خصال رفيعة في السلوك الإنساني والتربوي الذي مازال محفورا في اعماقه حتي هذه اللحظة وهي مساعدته لزملائه الفقراء بالنقود من جيبه الخاص فكان له تصرف غاية في النبل عندما يشعر أن تلميذا جاء إلي المدرسة بدون ساندوتش الصباح يعطف عليه دون ان يشعره ويشعر زملائه بذلك بأختباره بمعني أو كلمة أو لون علم دولة ما وعندما يقدف بالأجابة يعطيه خمسة قروش وكانت مبلغا كبيرا كما أنه كان يعطي لكل تلاميذه دروسا خصوصية بالمجان لم ينتظر منهم جنيها واحدا وهكذا كان معلم اللغة العربية الحاج عوض رحمهما الله كانوا بمثابة الأب للجميع وكانوا أصدقاء أوفياء لم تشغلهما هيافات هذا الجيل بل كانوا سباقين للخير في الفرح والاحزان هكذا تعلم منهم الفتي الكثير ولم يكن الكثير هو الذي يقرا في الكتاب فقط بل في الحياة عنوان دافئ لوطن فيه كثير من المشاهدات التي غلفها القلب بعاطفة فتية مكنتنا من تحقيق نصر أكتوبر عام 1973 من القرن الماضي والتي أوجدت جيل من العلماء والاطباء والكتاب والمفكرين واساتذة الجامعات والمبدعين في كل المجالات حقا كانت نموذج للمصري الشريف الواعي بحب كل الأوطان لم نعرف في طفولتنا علي أيدي هؤلاء دينا غير حب الوطن كانوا عظماء بكل ما نقلوه لنا من صور عنوانها كلنا أبناء الوطن !!
مرت بعض من الذكريات عبقية جسدت كثير من تلك الملامح المقروءة في اعماقه ويقينا أن الصورة مختلفة في وجه طفل علي محمود طه في العقد الأخير من الألفية الثالثة بالتأكيد أختفي ملعب المدرسة والحديقة والحفلات .. والكشافة ..ومعها المدرس الذي يغمر طلابه بعاطفة هو بالتأكيد محروم منها ؟ بل بدت المدرسة في زحام كثيف كأن الباص يعبر بك من دروب حي شبرا العتيق ؟ لكن كان ما يشغلني حقيقة هل سيأتي يوما نستعيد فيه تلك الخصال التي خاصمتنا في معلميننا بل مجتمعنا الكبير كثيرا وبصورة مرفوضة رغم وجود القصيدة المحرضة علي الحب بكل أعباء الرحلة الطويلة والتي نحن لها في وجود أساتذة يستطيعون تغير المدينة وكل مدننا بعيدا عن التلوث الأعمي ؟ ومضي الفتي يقرأ بعض من ملامح مازالت موجودة وقد زادته يقيننا أن مدينته مازالت بكر رغم كل هالات الأتربة التي نالت من مبانيها العريقة وهي وجود الكنيسة بجوار المسجد وعم جرجس ترزي الطفولةمازال يلتف حوله شباب حي الثانوية التي تقع فيها مدرستة الإلزامية علي محمود طه يلعبون معه الطاولة التي شغف بها ومعها الشاي المغلي هكذا مازال مصرا علي هذا الطقس اليومي رغم انه نيف علي الثمانين و مازال يحلم بالفوز علي هؤلاء الشباب الصغير في عشرة من عشرات القلوب العامرة بالحب والنقاء..واقترب منه واحتضنه في مودة وذكره بنفسه فعرفه وعيناه تدمع فرحا فمازال عم جرجس يحتفظ بذاكرته القوية فكم كان هو ترزيه المفضل الذي لا ينسجم بنطلونه علي نصفه الأسفل دون أن يكون ببصمة عم جرجس أمد الله في عمره كما مازال يوجد عم فتوح الحاوي المثقف والذي افتتح مكتبة لبيع الكتب القديمة والتي كانت تجذبه دوما بالشراء عقب انتهاء الموسم الدراسي كانت هي سور الأزبكية لم يكن سمع بسور الأزبكية من قبل كان الإعلام في سنوات طفولته قاصراعلي قناتين الاولي والثانية ؟ والصحف التي كان حريص علي قرأتها في تلك الحقبة هي الأخبار والجمهورية والاهرام وكان من الطرفة أن الذي يقرأها لابد أن يكون شيخا كبيرا ربما لجزالة السطور وصدق ومفكريها الذي كانوا شموس زمن ؟ مرت كثير من الخواطر وهو ينتقل من درب لدرب كسائح لا كصديق لهذه المدينة التي قهرت الغزاة وحررت العقل من طغاة الأوهام ؟
ودلف من درب لآخر ليلقي بنظرة علي حمام السباحة التعليمي في شارع الجلاء والذي يضم اليوم مجمع من المدارس الإبتدائية والاعدادية والثانوية التي لم تكن موجودة في طفولته بل كان حمام السباحة ملك التربية والتعليم يعيش في فضاء المكان متوجا كملك وسيم المحيا ومع نهاية العام الدراسي يسارع كل رفاق طفولته بالحصول علي استمارة أشتراك مجانية لكي يبدأون خطوات تعليم السباحة وبقروش لاتتجاوز الربع جنيه تقريبا وكان من بين المدربين الذي تولوا تدريب الفتي وهو دون الثامنة المدرب الاسطوري في ذلك الوقت الكابتن أبو زهرة والذي كان له وحمة كبيرة بلون الفراولة تحت عيناه اليسري فكانت أغلي هدية للفتي أن يظفر بأشتراكه في هذا الحمام وأن يدربه هذا المدرب الذي كان أبا للجميع وتذكر أنه من خصال هذا المدرب القدير أنه لايدخن علي الأطلاق في وجود من يدربهم بنفسه من الصبية الصغار مهما كان الظرف ؟ كان لا يفاخر بهذا الداء فتعلم منه الفتي الكثير والكثير وهو أحترام من حوله صغيرا وكبيرا ربما الذي أحزن الفتي ان حمام السباحة التعليمي بات مهجورا لا يبرحه أحد سوي موظف يقترب من الستين يجلس بالقرب من بوابته الخارجية لتمنحه شمس يناير بعض من دفئ مفقود ؟
تمرد هذا الجيل علي فخر زماننا ونحن نمارس رياضتنا المفضلة السباحة لما لها من فوائد عديدة (فالرسول محمد عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نعلم أولادنا السباحة وركوب الخيل ) تحول بفعل الميديا اليوم الأطفال لكرة القدم وأصبح النادي هو الملاذ لأحلامهم الهاربة وسط ضباب كثيف !!
وتذكر الفتي ملامح وذكريات شارع الجلاء الذي كان يضم بعض معسكرات للجيش المصري البطل الذي هزم اسرائيل في حرب أكتوبر 73 من القرن العشريني وهو طفلا صغيرا لم يتجاوز السابعة من العمر وملاعب كرة القدم التي كانت تقام علي ارضها الدورات الرمضانية للكرة الشراب ليلا وبدت في هذه اللحظة سراب لم يعد منها غير بعض من ذكريات كما كان يوجد به كثير من الحدائق العامرة بكل صنوف الفاكهة والخضروات الطازجة والتي مازال طعمها يمر في حلقومه ! فكثيرا ما كان يشتري هو ورفاقه بقروشهم القليلة حبات الفاكهة والجزر البلدي والتوت والجميز والفراولة والبرتقال واليوسفي والجوافة والمانجو بل كان لمذاق الخس طعم ساحرفقده اليوم في المدينة الكبيرة ؟تمتم بتنهيدة مؤلمة غاص الشارع في زحام هستيري بشري وسيارات بدت هي الآخر فوضوية جاءت من رحم مجهول بفرمان عثماني ؟
لكن كان هناك ما يشغل الفتي وهو البحث عن حديقة شجرة الدر والتي وصل إليها مترجلا وسط زحام المدينة الكثيف وهو يراها قلقة بعكس الماضي الذي كانت الزهور الفواحة تداعب أنوفنا وأنوف زوارها وعم نجيب يرويها في الصباح والمساء بعرقه فكان هذا الرجل رحمه الله من معالمها والذي كان يرحب بكل زائريها كما كان محافظ المدينة في تلك الأزمنة يمنحه كل عام شهادة تقدير علي حسن دوره بها واعتناءه بنظافتها كأنها بيته لا أولاده كما كان يأمر بعفو ابناءه من مصروفاتهم الدراسية التي لم تكن تتعدي جنيهات قليلة ؟
فوجم الفتي عندما وجدها مهملة وقد تحولت أشجارها إلي فوضي كاسحة وكلمات نابية تكشف عن هويتها الداخلية فتراجع عن ما كان عازما عليه ؟
وترحم الفتي علي عم نجيب وقرا الفاتحة له لوالده !! ومضي دون أن يستكمل بالطبع زيارته لها مكتفيا بما حملته ذاكراته من مشاهدات طفولية لحديقة كانت ليوم قريب ملهمة لكل مبدعين مدينته الذين كتبوا في معشوقتهم ومعشوقته شجرة الدر أعذب قصائد الحب والتضحيات ؟ ومن درب لدرب كان التاريخ حاضرا من خلال دار أبن لقمان الذي تم فيه آسر لويس السادس عشر وقد منحه الدار مشاعر جلية بالتقدير والعرفان لمسؤلي الثقافة علي جهدهم في تحويله لمزار عالمي لقد تغير في الشكل وبدا في شباب دائم بفضل تلك الأيدي التي امتدت إليه فتحية لمبدعيها الذين كانوا خير سفراء لتلك المدينة وفي استقبالهم الرائع له و لوفد أجنبي جاء في خضم زيارة الفتي لهذه الدار العتيقة وبدون موعد فمدينته لا تحتاج لموعد فهو منهم مهما عصفت الرياح بمدينته ليبقي من ملامحها الكثير في ذاكرته أمسيات ليلية قضاها بين قصر ثقافتها الذي أمتدت له يد التطويرفبدا تحفة فنية من العصر الأغريقي مستمتعا بروائع مسرحية عديدة لمبدعها وابنها البار الكاتب المسرحي الراحل فؤاد نور لم ينسي رائعته فاطمة مظلوم .. والأميرة ذات الهمة .. وشحتوت العظيم وغيرهما من روائع مسرحية مازالت تزكي في أعماقه قصيدة لن تموت أسمها شجرة الدر . ومن بين تلك الدروب كان سور الإزبكية حاضرا هذه المرة بصور هؤلاء الأدباء نجيب محفوظ .. أنيس منصور .. عبدالرحمن الأبنودي .. أحمد فؤاد نجم .. إيمان بكري .. جمال الغيطاني .. يوسف القعيد .. الجواهري .. علاء الأسواني .. سعاد الصباح .. نزار قباني .. نازك الملائكة .. بدر شاكر السياب .. البياتي .. الرصافي .. محمد الماعوط .. حنا مينا .. والمطل علي مسجدها المعروف بجامع النصر والذي ملأ رئتيه بالفكر العذب الذي منحه رسالة من رسالات الألفية الثالثة وهو يقترب منه بعدما القي السلام علي الجالس في مكتبه الزجاجي يتفرس وجوه من يدلفون بمودة فتعارفا علي الفور بخبرة كل منهما وقام هذا الرجل الذي يقترب من الستين بواجبه علي اكمل وجه في احاطته بكل ما هو جديد في عالم الكتب التي تفد إلي سور الأزبكية في مدينة شجرة الدر وما يشغل ذاكرة الشباب هذه الأيام من قراءات تستحوذ علي أهتمامه ومن هؤلاء الكتاب الذي يعبرون بصدق عن احلامهم وهكذا ظل يسرد بحميمة فصول من تاريخ مدينة اسمها شجرة الدر وسط اعجاب الفتي الذي شعر أنه متعطشا للكتابة عن مدينته التي أصابتها كثير من نزلات برد مزمنة لكنها مازلت تصر علي المضي تجاه ما يجعلها تسترد ريادتها بفضل هؤلاء الشباب الذين يقرأون لانهم الأمل رغم كل أوجاع العصر هكذا كان يؤكد مدير سور الأزبكية الأستاذ مصطفي النحاس بكلماته للفتي وبيقين لا يقبل جدل أنهم المستقبل حتما مهما بدا الظرف التاريخي غائبا وتائها لأنه أحد تلك الشواهد التي تقر عن قرب حقيقة من روائع شجرة الدرفي خضم ألفية من ألفيات زمانها وما هي إلا أيام قليلة حتي قاد شباب 25 يناير شباب ( الفيس بوك ) من عام 2011 ثورتهم ضد الظلم والطغيان والغرور والجهل والمرض والفساد والفقر وغياب العدالة الاجتماعية من ميدان التحرير أمام العالم أجمع ثورتهم المشروعة التي كانت ومازالت وسوف تظل شاهدة علي روح الإبداع لدي المصري عندما يسترد حريته ويقرر مصيره بنفسه بعيدا عن عصابات الحكم وسقط النظام البائد بعد ثمانية عشر يوما ويعلو اسم مصر وعلمها يعود يرفرف علي كل ديار المحروسة بعدما لقنوا كل الظالمين وجبابرة التعذيب درسا لن ينسوه طوال التاريخ بل سوف تظل ثورة الشعب المصري الذي ألتف حولها نموذجا مثاليا وملهما في التعامل مع الواقع الذي حاول أن يفرضوه عليه بكل صنوف الأرهاب شرطة النظام البائد لكي يخمدوا ثورتهم فلم يستطيعوا رغم كل أمكانياتهم التي لا تعد ولا تحصي في التنكيل والتعذيب لا جهاض ثورة كل الشعب المصري فهزموا وكان الجيش المصري البطل علي عهده دائما مع شعب مصر يد واحدة وخير أجناد العالم في تحضره في حماية الثورة وشبابها ونسائها وشيوخها وعلمائها ومفكريها منذ اللحظة الأولي لأندلاع الثورة وحماية كل المتظاهرين بمنطق وثباب لذا كان نداء الثورة وثوراها الاحرار بخروج الجيش من ثكناتهم لحمايتهم من بطش الشرطة وجلادين النظام البائد هكذا كان رجال القوات المسلحة المصرية أبطال كعهدنا بهم كما كانوا في حرب 73 من القرن المنصرف عادت الروح المصرية الملهمة للعالم أجمع لتعلن من جديد بأن المصري الحقيقي لم يولد من رحم غناء هابط وفن ردئ وضمائر عفنة بل كان مولده من رحم المرأة المصرية التي أنجبت زعماء الأمة وعلمائها عبر عقود وقرون طوال بل كانت مصر الهلال والصليب يد واحدة لا كما كان النظام السابق يسعي لتفكيك روح الوطن فسقطوا جميعا ولم تسقط ولن تسقط مصر التي استردت حريتها بإرادتها الحرة والآبية وتحيا مصر وثورة 25 يناير ورحم الله شهدائها الذين كان لهم الفضل الحقيقي في انتصار شعب علي طغاة الزمن فكل الرحمة والتحية علي شهداء مصر شهداء ميدان التحرير شهداء ثورتنا ( الشهيد كريم بنونه .. الشهيد سيف الله مصطفي .. الشهيد أحمد بسيوني .. الشهيد مصطفي الصاوي .. الشهيدة سالي زهران .. الشهيد محمد محروس .. الشهيد إسلام بكير .. الشهيد حسين طه .. الشهيد محمد عماد حسين .. الشهيد محمد إيهاب .. الشهيد أحمد أهاب .. الشهيد إسلام رأفت .. الشهيد عمرو غريب وكل الشهداء الذين سقطوا برصاص الشرطة ولم تصلني أسمائهم فلهم جنة الخلد كما أوجه ندائي لصناع القرار في اوطاننا العربية بأن تعلو اسمائهم شوارعنا العربية من المحيط للخليج فهم رمز سيظل لمقاومة كل من يفكر في سلب حرية شعبه ؟
وكل الفخر بشبابها وثوراها الذي نذكر الشاب والمدون وائل غنيم .. زياد العليمي .. مصطفي النجار .. أسماء محفوظ .. عبدالرحمن يوسف ..محمد دياب وكل الشباب الذين كتبوا حروف من نور في غروب شمس الخوف للأبد وشروق الشمس بلا حراس مدججين بالسلاح والرتب الزائف وعاشت مصر العربية حرة
بقلم
عبدالواحد محمد
كاتب وقاص وصحفي مصري
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.